روحاني ونظام «لو»


الشرق الأوسط

داخل المدارس التقليدية التي يتخرج فيها رجال الدين في إيران والعراق، فإن واحدة من المهارات التي يتعلمها الطامحون للعمل كملالي «شبيه ـ خاني». ورغم صعوبة ترجمة التعبير، فإنه من الممكن ترجمته بوجه عام إلى «سرد الفرضيات»، في إشارة إلى صورة بدائية من مسرح يحاكي الحياة عبر مجموعة من الكلمات والصور.
وعليه، لم يكن من المثير للدهشة أن نجد أنه عندما سيطر الملالي على السلطة في إيران عام 19799، عمدوا إلى استغلال معينهم الواسع من «شبيه ـ خاني» في خلق نظام سياسي وأسلوب للوجود يحاكي الواقع، رغم كونه أبعد ما يكون عنه.
وانعكس أسلوب «لو» للمرة الأولى على الاسم الذي اختاروه للنظام الذي أسسوه: جمهورية إيران الإسلامية. اليوم، أي شخص على معرفة جيدة بالتاريخ والدين يدرك جيداً أنه ليس ثمة جمهورية في الإسلام، ففي ظل النظام الجمهوري تعود السيادة إلى الشعب، بينما في الإسلام تعد السيادة لله فقط. في النظام الجمهوري، يجري سن القوانين وإلغاؤها من جانب الجمهور من خلال الانتخابات والبرلمانات. في المقابل، فإن الإسلام يحمل القانون المقدس غير القابل للتغيير ما دامت الحياة، لكنه في أفضل الظروف عرضة للتأويل.
وينطبق سيناريو «لو»، كذلك، على مسألة تضمين اسم إيران في الهوية الثلاثية للنظام الجديد. وتكمن واحدة من المشكلات المرتبطة بهذا الاسم أن الإسلام دين عالمي، ولا يمكن قصره على هوية وطنية بعينها. وتتمثل مشكلة أخرى في أن إيران كانت قائمة كدولة قومية ونطاق ثقافي قبل ظهور الإسلام بوقت طويل، في الوقت الذي لا يعتمد الإسلام في وجوده أو نجاحه على إيران أو أي دولة أخرى بعينها.
بمعنى آخر، فإنه خارج منظومة «لو»، لا يعد النظام الخميني جمهورية ولا إسلامية، بل ولا حتى إيرانية.
في الواقع، لقد أنشأ الملالي برلماناً «افتراضياً»، عبارة عن كيان يبدو شبيهاً بالبرلمان، بينما لدى الاستماع إليه بعيد تماماً عن أي برلمان حقيقي. من ناحيته، اضطر الخميني إلى تضمين هذا الكيان شبيه البرلمان في نظامه سعياً إلى خداع أبناء الطبقة الوسطى من الإيرانيين الذين لطالما راودهم حلم بناء ديمقراطية برلمانية على النسق الغربي منذ القرن الـ19.
إلا أن المثال الأوضح على لعبة «لو» كان انتخاب رئيس للجمهورية الإسلامية، الممارسة التي شهدناها في وقت سابق من هذا الشهر. ونظراً لأن النظام الذي بناه الخميني ليس جمهورياً في حقيقته، فإنه كان من المنطقي ألا يكون له رئيس. ومع هذا، جرى تضمين هذا المنصب في دستور النظام الخميني. وبعيداً عن اعتبارات «لو»، لا يرتبط هذا المنصب في واقع الأمر بأي مهام رئاسية موجودة في ظل الأنظمة الجمهورية المألوفة. في أفضل تقدير، يمكن وصف الرجل الذي يشغل هذا المنصب بـ«رئيس مجلس الوزراء» أو «الوزير الأول».
من جانبه، وصف محمد خاتمي، الذي اضطلع بدور الرئيس طيلة ثماني سنوات، منصبه بأنه «رجل لوجيستيات» تتمثل مهمته في توفير أدوات تنفي السياسات التي يقرها «المرشد الأعلى».
ويزداد الأمر إرباكاً لدى النظر إلى أن ما يطلق عليه «الرئيس» مسموح له بتعيين عدد لا حصر له من «المعاونين». بيد أن المشكلة الحقيقية أن مصطلح «معاون الرئيس» تجري ترجمته باعتباره «نائب الرئيس». وعليه، يشعر الزائر الأجنبي بالسعادة لدى استقباله عند وصوله طهران بـ«نائب رئيس» «افتراضي»، ربما لا يتجاوز في حقيقة الأمر حاملاً لحقائب الرئيس «الافتراضي» هو الآخر.
ومع ذلك، يتعين على المرء الاعتراف بأن هذا النظام الافتراضي الذي صاغه الملالي نجح في خداع الكثيرين داخل إيران وخارجها. وفي خضم شبه ـ الانتخابات الأخيرة، تعالت أصوات بعض الحكماء من الإيرانيين تدعو إلى ضرورة التصويت لصالح حسن روحاني باعتباره «المرشح السيئ»، للحيلولة دون انتخاب إبراهيم رئيسي، الذي وصفوه بأنه «المرشح الأسوأ».
أيضاً، كان ذلك الموضوع الرئيسي للكثير من الندوات التي نظمها لوبي طهران داخل واشنطن وغيرها للترويج لفكرة إعادة انتخاب روحاني «المعتدل والإصلاحي» الذي يعد بتغيير سلوك إيران.
حقيقة الأمر، روحاني ليس بمعتدل ولا إصلاحياً، وإنما بدأ حياته المهنية عضواً في «المجلس الإسلامي» من خلال طرح مشروع قانون يسمح بتنظيم عمليات إعدام معارضي النظام علانية، مع أفضلية أن يجري ذلك أثناء احتشاد الناس لصلاة الجمعة. ويدعي روحاني أن «الشرف» الأكبر الذي ناله أنه كان أول ملا يشير إلى آية الله الخميني بلفظ «الإمام».
أيضاً، كان روحاني عضواً في اللجنة التي تحملت مسؤولية تطهير صفوف الجيش الإيراني من أفضل عناصره، في خطوة ألحقت ضعفاً بالغاً بإيران عشية بدء صدام حسين الحرب في سبتمبر (أيلول) 1980. ونظراً لكونه عضواً في الخدمات الأمنية من البداية، شارك روحاني تقريباً في جميع الانتهاكات التي اقترفها النظام.
أما بالنسبة لوصفه باعتباره «إصلاحياً»، فإنه عند إمعان النظر في السنوات الأربع الأولى من حكم روحاني نجد أنه لم يقترح، ناهيك عن تنفيذ، إصلاحاً واحداً بشتى مشارب الحياة. ورغم أنه يزعم رغبته في الإصلاح، فإنه لم يشرح قط ما يقصده بذلك على وجه التحديد.
ورغم ما سبق، فإنني أؤمن بضرورة أن نتعامل مع الجميع، بما في ذلك روحاني، بظن حسن، فمن يدري ربما أصبح أكثر ليناً مع تقدمه في العمر. وربما يكون قد اكتفى من إراقة الدماء إشباعاً لحماسه الثوري، ويسعى الآن لتحسين صورته أمام التاريخ. وإذا كان روحاني تغير حقاً، فإننا بالتأكيد سنعلم ذلك قريباً، ذلك أنه حتى في إطار سلطاته المحدودة للغاية، لا يزال بمقدوره اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف الضغوط عن كاهل الشعب الإيراني والحد من التوترات بالمنطقة. وحتى لو كان عاجزاً عن تنفيذ بعض الأمور، فإن بإمكانه على الأقل الدعوة إليها. مثلاً، بإمكانه الدعوة لفرض تجميد على الإعدامات التي وصلت خلال السنوات الأربع له في الرئاسة، أعلى مستوى لها منذ ثمانينات القرن الماضي. أيضاً، بمقدوره الدعوة إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين وسجناء الضمير الذين قضوا بالفعل فترة السجن المحكوم عليهم بها، ومع ذلك لا يزالون محتجزين دون توجيه اتهامات جديدة لهم. كما أن باستطاعته الدعوة إلى استعادة أولئك الذين وضعوا قيد الإقامة الجبرية دون توجيه اتهام لهم كامل حريتهم.
وربما لإدراكه محدودية السلطات التي يحظى بها، تعهد روحاني خلال أولى رسائله بعد انتخابه بأن يكون «محاميا جيداً عنكم، يطرح قضيتكم».
على صعيد السياسة الخارجية، بمقدور روحاني على الأقل «الدعوة» إلى إطلاق سراح 111 رهينة من خمس دول، بينهم أفراد من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وربما لا يكون بإمكان روحاني محو شعار «الموت لأميركا»، الذي يشكل حجر الزاوية في الآيديولوجية الخمينية الزائفة، لكن على الأقل باستطاعته إزالة العلم الأميركي الذي يطأ بقدمه فوقه يومياً لدى دخوله مكتبه. كيف سيكون شعور روحاني لو أن دونالد ترمب داس بقدميه العلم الإيراني يومياً قبل دخوله المكتب البيضاوي؟
(*) كاتب ايراني




المصدر