سياسة الإحلال …البعد الطائفي في عمليات التهجير


أحمد مظهر سعدو

يواصل نظام الأسد سياسة تهجير قسري ضد المواطن السوري، ترتقي -حسب المفهوم الدولي- إلى مستوى جرائم الحرب. من حمص إلى داريا، والمعضمية، خان الشيح، ووادي بردى، ثم حي الوعر، الزبداني ومضايا وصولًا إلى برزة البلد والقابون. كثيرٌ من المطلعين والمتابعين ينظرون إلى أن ما يقوم به النظام، من تهجير ديموغرافي للسكان من منظور طائفي، هو إفراغ المناطق من سكانها لإحلال سكان آخرين في تلك المناطق.

وقالت الشاعرة نائلة الإمام: “لا شك في أن هذا التهجير القسري يدل على مخطط طائفي خبيث؛ لتحقيق واقع ديموغرافي جديد في سورية، يكون ركيزة لمشروع إيران الجيوسياسي في المنطقة. وقد طبّقته إيران في العراق؛ فهجّرت سكان بغداد وما يحيط بها من السنة والمسيحيين والأكراد، وهي تعمل جادة الآن على الاستئثار بدمشق وإفراغها بأساليب كثيرة، وبعد أن كانت مطامح النظام دويلة طائفية من حمص إلى البحر، توسعت مطامحه، بالدعم الإيراني، إلى أبعد مما سبق لتشمل دمشق وريفها والجنوب السوري”.

وأضافت لـ (جيرون): “على الرغم من خطورة هذا المشروع إلا أن هناك عقبات تحول دون تحقيقه، حيث إن التغيير الديموغرافي بحاجة إلى عشرات السنين ليستقر، وبحاجة أيضًا إلى عنصر بشري كاف، وبخاصة إذا ما طُرِدت إيران وميلشياتها من سورية، وهذا ما نأمله ونتطلع إليه”.

الكاتب المعارض عبد الباري عثمان، تحدث لـ (جيرون) قائلًا: “ما حدث في برزة والقابون أخيرًا مخططٌ له منذ مدة، حيث كان التشيع فاعلًا منذ أيام حافظ الأسد، وبالتفاهم التام مع الملالي في إيران، وهذا ما شاهدناه بتغيير المعالم التاريخية في الرقة، وبعض المزارات في محافظة الحسكة، ومن خلال بناء الحسينيات في عامودا والرقة، والاهتمام اللامحدود والبذخ والترف بالمقامات الدينية الشيعية في عموم سورية. لذا تُنفّذ هذه السياسة العنصرية الطائفية في أرياف دمشق المحاذية للحدود اللبنانية التي تخضع لسيطرة حزب الله الطائفي”. وتوقع عثمان أن “تستمر هذه السياسة، وستحاول إيران، بالاتفاق مع النظام، الحفاظَ على الساحل السوري ليكون طائفيًا بامتياز، حتى إذا ما حدث أي تغيير جغرافي يكون على استعداد لربط البقاع اللبناني، بالداخل السوري. نظام الملالي في إيران لن يبخل أبدًا في سبيل تحقيق أجندته، وستكون حدود إيران حيث يتواجد الشيعة ويسكنون.

ونبه عثمان إلى ضرورة تحرك تركيا لأن في ذلك خطرًا عليها أيضًا، وقال: “إذا لم تتحرك تركيا والدول المجاورة لسورية، ومنها إقليم كوردستان العراق، فسيتمدد الأخطبوط الإيراني من خلال أذرعه في كل هذه الدول، لأن لديهم مدرسة متمرسة في زعزعة الاستقرار، في أي مكان يريدون الدخول إليه، وهناك أمثلة وتجارب عديدة”. وأضاف: “النظام الأسدي ينفذ المخطط الإيراني في المنطقة، وعلينا -السوريين- أن نعي ما يحدث، وعلينا أن نقف صفًا واحدًا في وجه هذا التهجير القسري”.

الكاتب الصحافي فؤاد زيدان تحدث لـ (جيرون) قائلًا: “التهجير القسري بحد ذاته جريمة، وذريعة النظام وداعميه أنه يقوم بتهجير مقاتلي المعارضة وعائلاتهم بناء على اتفاقٍ معهم، لكن الاتفاق قسري، ويتم تحت سطوة العنف والحصار والتجويع، وعملية تفريغ المناطق المحيطة بدمشق تتم، منذ بداية الثورة بالهجرة أولًا، والتهجير أخيرًا لسكان من لون طائفي واحد، وليست لدي معلومات دقيقة حول حجم إحلال طائفي بديل، لكن الأنباء تتحدث عن جماعات عراقية وإيرانية طائفية”. وأبدى زيدان خشيته من “تجميع المهجرين في إدلب، لإحداث وقيعة بين قوى المعارضة، تقود إلى اقتتال، أو أن تكون هذه العملية تمهيدًا لتصفية الجميع، وأنا أحمّل فصائل المعارضة باقتتالها جزءًا كبيرًا من المسؤولية، عما آلت إليه الأمور، وأتساءل عن دور الدول الداعمة في ذلك كله”.

الأديب والكاتب الفلسطيني إياد حياتلة تحدث لـ (جيرون) بقوله: “أنا أرى أنّها عمليّة تهجير طائفي واضحة المعالم، وإن كان يجرى التسويق لها وتعويمها، في إعلام النظام، على أنّها خطوة على طريق محاربة الإرهاب والإرهابيّين، ولكن المعطيات على الأرض وبعض التصريحات وزيارات قادة عسكريّين طائفيّين إلى المواقع التي أُخليت وهُجّر أهلها تفضح ذلك تمامًا، وقد يُجمّل الوجهُ الطائفي البشع لهذه العمليّة بإسكان مجموعات سنيّة موالية، مع المجموعات الشيعيّة المستوردة”.  وعن مآلات عمليات التهجير هذه قال حياتلة: “نجاح هذه العمليّة واستمرارها على المدى الطويل مرهون بمدى الرضى الذي يحظى به النظام من القوى الدوليّة الفاعلة في الشأن السوري، وكذلك باستمرار قوّة النفوذ الإيراني على الأرض -محليًّا ودوليًا- وهذا قد يؤسس لحروب ثأريّة قادمة أهليّة وإقليميّة”.




المصدر