إسرائيل وصفقة السلاح للسعودية: اطمئنان سياسي وتوجس أمني


على غير عادتها، لم تشن إسرائيل حملة سياسية ضد إعلان إبرام أكبر صفقة أسلحة بالتاريخ بين السعودية والولايات المتحدة بقيمة 112 مليار دولار. وسكتت إسرائيل بشكل أثار في البداية تساؤلات في الصحف عن سبب صمت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إزاء الصفقة، وما إذا كان هذا الصمت نابعاً من رغبته بعدم الاصطدام بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته الأخيرة إسرائيل، أو من تخوف نتنياهو من رد فعل غير متوقع من ترامب، خصوصاً أن الصحف نقلت طيلة الأسبوع الذي سبق الزيارة تحذيرات نتنياهو لوزرائه من إصدار أي تصريح يمكن له أن يستفز ترامب قبل وصوله تل أبيب آتياً من السعودية.

لكن هذا الصمت لم يدم طويلاً، فقد اضطر نتنياهو يوم الأربعاء، على أثر إلحاح مراقبين ومحللين على إثارة التساؤلات عن سبب هذا الصمت، والنفخ في قربة المخاطر التي تحملها الصفقة لأمن إسرائيل، إلى الاعتراف خلال كلمة له بأن ترامب أكد له أن الصفقة الأميركية السعودية لن تمسّ ولن تضرّ بالالتزام الأميركي بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي على كافة الجيوش النظامية في المنطقة مجتمعة.

وجاء تصريح نتنياهو بعد أن أعرب وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بتأخير، هو الآخر، الأربعاء عن “عدم ارتياحه” مما سماه بإطلاق سباق تسلح في المنطقة، تحديداً أن مستقبل البلدان والأنظمة التي ستحصل عليها ليس مضموناً بالضرورة. وبدا أن ليبرمان وبصفته وزيراً للأمن، ينقل هواجس المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل من الصفقة السعودية، وهو ما دفع نتنياهو لطمأنة الإسرائيليين بالالتزام الأميركي بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي.

وبدا أن هذا الموقف من نتنياهو يفسّر حقيقة السكوت الإسرائيلي على هذه الصفقة، وعزوف إسرائيل في خطوة خارجة عن المألوف، عن محاولة ابتزاز الولايات المتحدة لجهة مدها بسلاح إضافي، أو رفع سقف المعونات العسكرية التي أقرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في أيامها الأخيرة لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار على مدار عشر سنوات.

لكن الصحف الإسرائيلية، خرجت أمس الجمعة لتروي حكاية، وإن كانت تعزز إلى حد ما رسالة الطمأنة التي بثها نتنياهو، إلا أنها ضمت إليها التوجس الأمني والعسكري في المؤسسة الإسرائيلية، على هيئة تقديرات من جهات مهنية، لا يمكن لاحقاً نسبها لجهات سياسية قد تسبب حرجاً أو أزمة سياسية لا مع إدارة ترامب ولا مع السعودية.

وفي سياق تعليقه على الموقف الإسرائيلي غير المألوف، كشف أليكس فيشمان في “يديعوت أحرونوت” أن “الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الموظفين والمسؤولين رفيعي المستوى في الخارجية الإسرائيلية، تلقوا أوامر واضحة بعدم التدخل. كما خيّم الإحباط على المستوى المهني في وزارة الأمن نفسها، إذ تم إخراج الطرفين (مسؤولي الخارجية ومسؤولي وزارة الأمن) من الصورة كلياً، بعد أن أصدر ديوان نتنياهو تعليمات صارمة وحدّد خطاً سياسياً لا لبس فيه: يمنع خلق أي توتر مع الإدارة في واشنطن حول صفقة السلاح السعودية الأميركية والصفقة مع الكويت والإمارات”.

وبحسب فيشمان فإنه “لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن السفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمير، أبلغ الكونغرس الأميركي أن إسرائيل غير قلقة من الصفقة الأميركية السعودية. وقد حدث هذا بعد فترة وجيزة من دخول ترامب للبيت الأبيض، وهو ما ساهم في إتمام الصفقة ومنع معارضة من أعضاء الكونغرس المكلفين بتطبيق القانون الأميركي الخاص، الذي يوجب المحافظة على التفوق النوعي الإسرائيلي”.

وقد اتفق عاموس هرئيل في “هآرتس”، مع فيشمان على أن “مكمن القلق ليس من الأنظمة الحالية الحاكمة في السعودية مثلاً، إنما من احتمال تحقق سيناريو يقول بسقوط النظام وصعود قوات وجهات متطرفة، ترث القوة العسكرية الجديدة، على غرار ما حدث في إيران، عندما ورث النظام الإسلامي بعد ثورة الخميني القوة العسكرية الهائلة التي كانت بنتها الولايات المتحدة في إيران”.

ووفقاً للتقارير الإسرائيلية فإن “الغريب في سلوك حكومة نتنياهو يصبح أكثر غرابة إذا أخذنا بالحسبان أن حكومة نتنياهو كانت قد شنت عام 2011 معركة شديدة في البيت الأبيض ضد تزويد السعودية بمقاتلات إف 15 مزودة بشبكة إنذار من طراز (أي.أي.إس.أي) التي تمّ تطويرها خصيصا لمقاتلات الجيل الخامس من طراز طائرة الشبح إف 35 وطائرة إف 22، لكن حكومة نتنياهو لم تنبس ببنت شفة مع وصول أول دفعة مقاتلات إف 15 إس.أي للسعودية، في 24 يناير/كانون الثاني 2017”.

ووفقاً لهرئيل وفيشمان، فإن ما يقلق إسرائيل في الصفقة الأخيرة هو ما يتعلق بالقوة الجوية التي تمنحها الطائرات ومنظومات الصواريخ الدفاعية والجوية التي ستحصل عليها السعودية، لأن باقي تفاصيل العتاد العسكري مثل الدبابات والمدرعات وحتى السفن الحربية لا تشكّل خطراً على أمن إسرائيل أو تفوقها العسكري، خصوصاً أن السعودية تعهدت للإدارة الأميركية بأن تبقى السفن الحربية التي ستحصل عليها في الخليج وأنها لن تبحر في البحر الأحمر بأي حال من الأحوال.

وذكر فيشمان تفاصيل القوة الجوية التي ستصبح للسعودية بعد الصفقة الأخيرة مع ترامب: “152 مقاتلة من طراز إف 15، منها 84 مقاتلة جديدة متطورة و64 مقاتلة تم تحسينها وتسليحها بمنظومات إنذار حديثة. وستحصل قطر على 72 مقاتلة إف 15 جديدة، أما الإمارات فستحصل على سربي مقاتلات من طراز إف 16 من آخر نسخة من هذه المقاتلات (بلوك 61) تفوق كثيراً ما تملكه إسرائيل من هذه المقاتلات”.

وكشف فيشمان أنه “خلال المباحثات والمداولات الأميركية الإسرائيلية بشأن صفقة السلاح للسعودية، وفقاً لما تنص عليه الاتفاقية الأميركية الإسرائيلية المعروفة باسم (كيو إم إي) التي توجب فحص ودراسة تداعيات ونتائج أي صفقة أسلحة مع الدول العربية ودول المنطقة، على ميزان القوى وتحديداً على المحافظة على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، فقد سعت الإدارة الأميركية إلى محاولة ضمان التأييد الإسرائيلي من أجل عرض منح إسرائيل سرباً إضافياً من مقاتلات إف 35، فيما حاولت حكومة نتنياهو الضغط على الإدارة الأميركية بتحقيق مكاسب سياسية تتمثل بوقف الضغط الأميركي على إسرائيل لتجميد البناء في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”. ولكن في نهاية المطاف بحسب فيشمان فإن “إسرائيل لم تجمّد البناء الاستيطاني ولم تحصل على سرب إضافي من المقاتلات وباع الأميركيون عام 2017 للسعوديين نفس المقاتلة التي أرادوا بيعها لهم أصلاً”.

لكن الأمر الأهم الذي أشار إليه فيشمان هو ما يصفه بالتوجس المتفائل في صفوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ويلخص ذلك بالنقل عن مسؤولين أمنيين، بأنه “لا حاجة للتخوف كثيراً من الصفقة السعودية، بل يهمسون في المؤسسة الأمنية بأن ترامب لن يخيب آمالنا وسيعوّض علينا”.

كما بيّن فيشمان نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين نقطة أخرى مهمة تتعلق بـ”قدرة بائع السلاح، بفعل تطور السلاح واعتماده على المنظومات التكنولوجية الفائقة التطور، على التدخل في حجم استخدام السلاح، وتعلق مشتري السلاح (السعودية) عملياً بشبكة ومنظومات الصيانة الأميركية بدرجة كبيرة جداً. وفي حال تغير النظام في السعودية مثلاً، فليس أكيداً أن يكون بمقدور السعوديين استخدام هذه المقاتلات المتطورة”.

ولم يتفق هرئيل مع فيشمان في هذا السياق، قائلاً إنه “خلافاً للأنظمة والحكام الذين يتغيرون، إلا أن مقاتلات إف 15 تبقى وتتحول لخدمة النظام الجديد، ولا سيما أن النظام في السعودية ليس مستقراً”. وكان هرئيل قد أشار إلى أن الإدارة الأميركية استدلت في تبريرها للصفقة عدم وجود خطر من السعودية على إسرائيل لأن الجيش الذي يواجه منذ سنوات صعوبة في مواجهة الحوثيين، في اليمن لا يمكن أن يشكل خطراً على أمن إسرائيل”. وخلص الاثنان إلى القول إن “سكوت حكومة نتنياهو نابع أيضاً من رغبة الأخير بعدم التشويش أو عرقلة مساعي ترامب، لبناء ائتلافه الجديد مع أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية ضد إيران وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.



صدى الشام