المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية :أبرز ما تناولته الصحافة الروسية حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا


نشر المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية دراسة تحدث فيها عن المكانة التي تمكنت تركيا من اكتسابها بين القوى العالمية في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن التركيز على الدول الأفريقية كان خارج مدار السياسة الخارجية التركية حتى سنة 2000، إلا أن تركيا سرعان ما بدأت تتجه نحو القارة السمراء ف محاولة منها لكسب المزيد من النفوذ على الساحة الاقتصادية والسياسية.

وفي هذا الإطار، منذ أول زيارة لرجب الطيب أردوغان كرئيس للوزراء إلى أثيوبيا وجنوب أفريقيا سنة 2005، بدأت السياسة الخارجية التركية تهتم أكثر فأكثر بالجانب الأفريقي. وفي تلك السنة، بدأت العلاقات التركية الأفريقية تتحسن شيئا فشيئا. وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين شهدت تحسنا ملحوظا إلى حدود سنة 2008 خاصة بعدما تم عقد القمة التركية الأفريقية الأولى.

وعلى هذا الأساس، فإن العلاقات بين تركيا والدول الأفريقية لم تنشأ سوى منذ ما لا يقل عن 20 سنة. وعلى الرغم من ذلك، تمكنت تركيا من الحصول على صفة “الشريك الاستراتيجي” لمنظمة الوحدة الأفريقية من خلال بسط نفوذها على مختلف منظمات القارة السمراء. ووفقا لهذا، من الواضح أن تركيا تحاول منذ دخول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم توثيق علاقاتها بالقارة الأفريقية.

الأولوية للتجارة

يعود اهتمام أنقرة الكبير بالساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط إلى المصالح الاقتصادية، إذ تعمل تركيا منذ عدة سنوات على تنمية صادراتها هناك. وفي الحقيقة، تضاعف حجم الصادرات التركية خلال الفترة الممتدة بين 2002 و2014 بحوالي أربعة مرات.

وفي شأن ذي صلة، تعد الثروات والموارد البشرية غير المستغلة في البلدان الأفريقية عاملا مهما لجذب انتباه السلطات ورجال الأعمال الأتراك إليها. وفي هذا الصدد، تعد دول شمال أفريقيا من حيث الجغرافيا والتاريخ، والثقافة، والدين، قريبة من تركيا.

وعلى هذا الأساس، تنامى حجم الصادرات التركية إلى منطقة شمال أفريقيا إلى 13 مليار دولار سنة 2015 بعد أن كانت تقدر بحوالي 3 مليار دولار سنة 2004. أما بالنسبة لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، فقد ارتفعت الصادرات التركية إلى أربعة مليار دولار سنة 2015 بالمقارنة مع 750 مليار دولار سنة 2004..

وعلى امتداد السنوات الخمسة عشرة الماضية، ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا بحوالي 2.5 مرة، ليصل سنة 2015 إلى حوالي 18 مليار دولار. في المقابل، تتميز مؤشرات التبادل التجاري في السنوات القليلة الماضية، بركود نسبي نظرا لتوتر الأوضاع على الساحة السياسية في عدد من البلدان الأفريقية الذي سرعان ما تم تداركه. وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة تحاول اتخاذ بعض التدابير التي من شأنها أن تحفز الشركاء الأفارقة.

من جهتهم، يرى الخبراء أن أحد أهم العوامل التي دفعت بالسلطات التركية إلى التوجه إلى الأسواق الأفريقية خلال الفترة الأخيرة، هو الأوضاع الدولية الراهنة، التي أدت إلى خسارة السوق الليبية والعراقية، بالإضافة إلى خسارة السوق الروسية مؤقتا في 2015 و2016.

بفضل الخبرة الواسعة، اتجه الأتراك نحو الاستثمار في الأسواق الأفريقية نظرا للأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط. ومن جهتها، شجعت السلطات التركية مثل هذه التوجهات من خلال عقد اتفاق التعاون التجاري والاقتصادي مع الصومال وتعزيز العلاقات التجارية والسياسية والاقتصادية مع غانا التي تعتبرها تركيا “شريك تنمويا”، بالإضافة إلى الاستثمارات التركية في ساحل العاج. وفي هذا الصدد، افتتحت إدارة التعاون والتنسيق التركية مكاتب لها في عدد من الدول الأفريقية، كما بعثت مشاريع في أكثر من 37 دولة أفريقية.

وفي الحقيقة، ارتفع حجم الاستثمارات المباشرة من تركيا إلى أفريقيا بعشرة أضعاف، على غرار المشاريع المتعلقة بمجال الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تواجه منافسة قوية من الشركات الكبرى على غرار الشركات الصينية. وفي الوقت الحاضر، يوجد ما يقارب عن 1150 شركة تركية في القارة الأفريقية تقدر قيمتها بحوالي 55 مليار دولار.

وفي هذا الإطار، وكأحد الأدوات الفعالة لتعزيز العلاقات مع أفريقيا استخدمت أنقرة، تطوير حركة النقل الجوي إذ عملت الخطوط الجوية التركية على بناء شبكة نقل قوية في بلدان أفريقيا الاستوائية. وفي الوقت الراهن، ارتفع عدد رحلات الخطوط الجوية التركية في القارة الأفريقية نحو 51 مطارا في 34 بلدا في أفريقيا جنوب الصحراء بالمقارنة مع سنة 2003 حيث كانت الرحلات منعدمة.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2016، تمت إقامة أول منتدى أعمال بين تركيا وأفريقيا، حيث جمع هذا المنتدى رجال أعمال من 45 دولة أفريقية وتم توقيع عشرات عقود التعاون التجاري والاقتصادي بين تركيا وعدد من الدول الأفريقية على غرار جنوب أفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، وغانا، وزامبيا، وتنزانيا، وغيرها من البلدان. وفي سياق متصل، يؤكد عقد مثل هذا المنتدى بعد بضعة أشهر من محاولة الانقلاب في تركيا على أن أفريقيا تحتل سلم الأولويات على مستوى السياسة والتجارة الخارجية لدى تركيا.

المسار السياسي

تحاول تركيا الظفر بمكانة خاصة لها في القارة السمراء. فوفقا للخبراء، فإن تركيا تجمعها علاقات “ضاربة في التاريخ” مع بعض دول أفريقيا. وفي سياق متصل، كان للدولة العثمانية دور بارز في مكافحة الاستعمار الأوروبي في شمال وشرق أفريقيا وحماية هذه الأراضي في زحف الأوروبيين خلال القرن السادس عشر. والجدير بالذكر أن العلاقات كانت جيدة بين الباب العالي وعدد من المماليك الأفريقية على غرار إمبراطورية كانم التي تمثل الإقليم الحالي الذي يضم ليبيا، وجنوب تشاد، وشمال نيجيريا، والكاميرون.

وفي التاريخ الحديث، عملت اسطنبول على تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية وشاركت في بناء البنية التحتية على غرار الجسور، والمدارس والحمامات. أما خلال الحرب التركية من أجل الاستقلال خلال الفترة الممتدة بين سنة 1919و1922 كانت سياسة أتاتورك وإصلاحاته تعدّ بمثابة نموذج لدى عدد من قادة الدول الأفريقية الساعين لتحرير بلدانهم من الاستعمار.

ووفقا لآراء الخبراء، فإن أنقرة تستخدم بعض العوامل تاريخية والجغرافية وحتى الدينية والثقافية لاستعادة نفوذها السياسي في المنطقة التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وخاصة مناطق شمال أفريقيا. ومن جهته، تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رسم صورة الزعيم والقائد المسلم المؤثر والفاعل في السياسة الدولية، والذي يدافع على العقيدة والهوية الإسلامية. وعلى هذا الأساس، تقدم تركيا، منذ ثورة الربيع العربي، دعما لعدد من القوى السياسية الفاعلة ذات التوجه الإسلامي في دول شمال أفريقيا.

من جهة أخرى، كان التدخل التركي في سياسة بلدان أفريقيا جنوب الصحراء إلى حدود سنة 2000 منعدما. وحتى وقت قريب ركزت أنقرة على أهداف أساسية على غرار تعزيز مصالحها الاقتصادية، ودعم النفوذ السياسي الخارجي لتركيا من خلال القيام بمبادرات مع بعض الدول الأفريقية التي لم تكن تربطها بهم علاقات جيدة. ويتجلى ذلك، من خلال الرحلات المتكررة التي يقوم بها القادة الأتراك إلى هذه الدول، بالإضافة إلى البعثات الدبلوماسية نحو القارة الأفريقية.

وعلى ضوء هذه المعطيات، كانت هناك سنة 1997، سفارة تركية واحدة في بلدان أفريقيا الاستوائية (مصطلح يطلق على بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الواقعة على خط الاستواء)، وارتفع العدد ليصل إلى سبع سفارات سنة 2009. أما سنة 2015، فقد تنامى عدد السفارات التركية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء حتى بلغ ما يربو عن سفارة34. وعلى هذا الأساس، يطمح أردوغان لفتح بعثات دبلوماسية تركية في جميع العواصم الأفريقية.

بالإضافة إلى ذلك، عملت أنقرة على مساعدة عدد من الدول الأفريقية من أجل التنمية، فضلا عن تقديم منح دراسية لعدد من الطلبة الأفارقة في الجامعات التركية. وعلى هذا الأساس، استخدمت أنقرة كل الوسائل البناءة من أجل تعزيز سياستها الخارجية في أفريقيا وتوسيع نفوذها في القارة السمراء.

ووفقا لبعض الخبراء، تعدّ السياسة التركية في أفريقيا مثالا جيدا وناجحا حول كيفية تنفيذ أهداف محددة وواضحة في وقت قصير. وفي سياق متصل، لا تسعى أنقرة للدخول في منافسة هناك مع بعض القوى الأخرى الفاعلة في القارة الأفريقية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، والهند، وإنما لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف التي وضعتها.

في هذا السياق، تحولت تركيا إلى شريك تجاري رئيسي لعدد من دول أفريقيا مثل الصومال. ومن جانب آخر، لا بد من التنويه بأنه من الصعب تجهل التوتر الذي يسود العلاقات التركية الأوروبية، خاصة بعدما ساهم ذلك في تعزيز العلاقات الأفريقية التركية والبحث عن أسواق جديد. وقد تمكنت تركيا من تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية كما أصبحت إحدى القوى العالمية الأكثر شعبية.

المادة مترجمة عن المركز الدولي الروسي للشؤون الدولية للإطلاع على المادة الأصلية هنا




المصدر