الإرهاب والمسلمون والغرب


حذام زهور عدي

لن أعرض الأسباب الموضوعية في العراق وسورية التي سهّلت نشوء (داعش) أو القاعدة في أفغانستان، ولا ألاعيبَ الدول التي ربما صنعت أو شجعت أو أوجدت المناخ الملائم لتطورها أو غض النظر عن تناميها، فقد أشبع غيري من الباحثين تقليب وجهات النظر في ذلك، وتتبعوا مسار تلك التنظيمات، واعتمدوا على ما تسرَب من معلومات حتى الآن؛ فعرفوا عنها شيئًا ولم تزل معظم أمورها مخفية، ربما ستُكشف في قابل الأيام قريبها أو بعيدها، لكن الذي لا شك فيه أن نتائج أعمالها تعكس مدى الفوائد أو الخسائر التي جناها منها من احتضنها أو من كان ضحيتها، ولست من أنصار شعار الإرهاب أولًا في ما يخص الوضع السوري تحديدًا، لعلمي الأكيد بأن للنظام الأسدي اليد الطولى في صناعتها؛ ألم تكن من أهم المساهمين في إطالة عمره؛ وبالتالي إطالة عمر المأساة السورية واستمرار نهر دماء الشعب السوري وكوارثه؟! ولنعترف بأنه نجح في ذلك.

ولا أجهل أنا أو غيري أن الإرهاب بأي لغة كانت، أو جنسٍ أو لون، لا يخص (داعش) أو القاعدة فحسب، فقد صار من أشكاله وأنواعه ما يفوق (داعش) إرهابًا، وأرى أن القاعدة الأم في حالة دفاعٍ عن وجودها أكثر مما هي في حالة هجوم، يحسب العالم حساب خطره إلا في ما يدعو فرعها السوري باستمرار –لأمرٍ ما- إلى رفع أعلامها. لكن ما حدث، منذ أيامٍ، في المملكة البريطانية، وقبلها في فرنسا وألمانيا.. وموقف شعوب تلك الدول والإعلام العالمي الذي يصدح يوميًا بوصف ذلك الإرهاب “بالإرهاب الإسلامي” والدولة الإسلامية، حتى أصبح مواطنوها يظنون أن كل مسلمٍ إرهابي بطبعه، وأصبح قادتهم السياسيون يتنافسون لجلب أصوات ناخبيهم تحت يافطة مكافحة ما يُطلقون عليه خجلًا “التشدد أو التطرف الإسلامي”، مغيبين قصدًا مصطلح (داعش)، ومالَ بعضهم إلى التفاوض مع إيران أو روسيا؛ وبالتالي مع النظام الأسدي لضمان أمن مواطنيهم، بعد أن وقفوا سابقًا (ولو بالتصريحات) موقفَ المتشدد منه. عندما حدث ما حدث شعرتُ -كما الكثيرين غيري- بضرورة رفع صوت المسلمين عاليًا لإسماع شعوب العالم أن تلك التفجيرات والإعلانات عن تبنيها لا علاقة لها بالإسلام أو المسلمين، وأنها لم تُسبب الأذى والكوارث وإراقة الدماء كما سببت لهم، وأن من مصلحتهم، قبل غيرهم، ليس استنكارها فحسب بل مكافحتها مكافحة جذرية والخلاص منها بأسرع ما يُمكن. فكيف نقنع العالم الذي ذاق منها الأمرّين ببراءة المسلمين والإسلام منها ومن أفعالها؟

قد يعترض أحدهم قائلًا: ولكنَ كثيرًا من وسائل إعلامنا يقوم بهذه المهمة، والمسلمون كأفراد لا يُقصرون في ذلك، بل إن بعض الغربيين أنفسهم يتحدثون عن التمييز بين الإسلام وبين ما تفعله (داعش)، ومراكز أبحاثهم دائمة العمل في أسباب نشوئها وكيفية القضاء عليها. فماذا نفعل أكثر من هذا، وبخاصة أن ظروفنا العامة والخاصة لا تسمح بغير ما نحن عليه. والحقيقة أن بمقدورنا أن نفعل الكثير، فأولًا:

– لا بد من تجييش أكبر عدد ممكن من المسلمين، في أقطارهم المختلفة، للخروج بتظاهرات حاشدة، تستنكر ما تقوم به تلك التنظيمات إلى جانب لافتات أخرى، تتهم الميليشيات الطائفية أيضًا بالإرهاب، ولو أن تلك الميليشيات تقبع خلف الصورة وليس أمامها. وحمل لافتات تطالب الدول المعنية بمحاربتها وحصارها، لا بمساعدتها على الانتشار، كما في بريطانيا نفسها التي تُعطي رُخصًا لقنوات، لا يُعرَف ممولوها ولا أهدافها، تنشر الأساطير والأباطيل والخرافات على أنها الإسلام، ممهدة من خلال تجهيلها للمسلمين لتقبّل أفكار (داعش) ومثيلاتها. فمن غير المقبول أن تملأ الشوارع تظاهرات المسلمين، بسبب رسوم مسيئة للرسول صلوات الله عليه، ويصمت المسلمون عن قتل الأبرياء وأطفال العالم باسم الإسلام! إن ما تحلّله (داعش) وأمثالها لنفسها يؤذي الإسلام والمسلمين أضعاف ما تؤذيه تلك الرسوم. ولن يقتنع العالم ببراءة الإسلام منها إلا بصوت قوي هادر، تصدح به حناجر الجاليات الإسلامية في المهاجر والشعوب في بلدانها، يعبّر عن رفض إقران إرهابها بالإسلام أو المسلمين.

– من ذلك مشاركة واسعة بتعزية أهل الضحايا وإبرازها إعلاميًا، وليس مشاركة خجولة بواحد أو اثنين وصمت البقية وتجاهل ما يجري، أو إبراز المظلومية اللاحقة بمجرمي (داعش)، وهي التي دفعتهم -وتدفعهم- للإجرام الذي تقترفه أيديهم باسم الإسلام، فلكل مقام مقال، والقول في غير محله وحينه أشد فتكًا من العمل نفسه.

– نشر الوعي بخطر هذه التنظيمات، وهذه مهمة النخبة الواعية لحقيقة سلمية الإسلام ورحمته وعدم تكفيره للمختلفين عنه، وإظهار منافع الأمة ودفع المضار التي تلحق بها من هذا الفعل، واستنفار الجهد اجتماعيًا وتشكيل الجمعيات المدنية في كل حي وحارة لنشر مثل هذا الوعي.

– مراقبة مدنية للتبرعات، والتأكد من أنها لا تصب في تمويلها، باسم العمل الإغاثي الذي لا ينتفع عمليًا بها، بقدر ما ينتفع الفاسدون أو الإرهابيون.

– فضح المدسوسين من جهات مغرضة واختراقها التنظيمات الثورية الأخرى، لتنفيذ أجندات التآمر على الإسلام والمسلمين، وبخاصة حين التأكد من المعلومات، وعدم الخوف منها، إن مواقف الجرأة والشجاعة في ذلك شديد الأهمية، وهو الجهاد الحقيقي، لأنه ينقذ حيوات كثيرة “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا”.

– حصارها اجتماعيًا وماليًا وفكريًا، وعزلها عن التأثير في الشباب الجاهل حقيقة الإسلام والمغتر بتسطيحهم له.

إن قيام المسلمين بما سبق، وباكتشاف طرقٍ أخرى لهذه الغاية، يعطي فوائد جمة، وهو كفيل بأن يقطع الطريق على أولئك الذين يجعلون الإرهاب “مسمار جحا” من أجل التلاعب بمصاير شعوبنا، وعلى أولئك الذين يشربون منتشين بدماء أطفالنا وكوارث شعوبنا.

إن تلك الأعمال تقع في صُلب دفاع المسلمين عن عقيدتهم وإسلامهم الذي يُراد تشويهه وتنفير العالم منه، بعد أن بدأت شعوب العالم بالتعرف إليه وبتقبّله بصيغته الحقيقية الناصعة صيغة: “الناس كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله”، “ولا إكراه في الدين”، “ولكم دينكم ولي دين”، “وهلك المتنطعون”، “ولن يشاد هذا الدين أحدٌ إلا غلبه”… وعشرات الآيات والأحاديث المشابهة لذلك.

لنقنع الشباب بأن الإرهاب عدو حقيقي، وهو خطر على الإسلام والمسلمين أولًا، ولنقنع العالم بأن (داعش) والقاعدة، على الرغم من تبنيهما تلك الأعمال القذرة وتصدرهما المشهد الإرهابي، ليستا الإرهاب الوحيد في هذا الكون؛ وعلى العالم أن يساعدنا في القضاء على جذور أي إرهاب، ومحاربة أسباب نشوئه.




المصدر