المبادرة الدولية “لا لضياع جيل” الأمم المتحدة قلقة من ضياع جيل سوري كامل


شذى ظافر الجندي

أعربت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ايرينا بوكوفا عن قلقها من ضياع جيل سوري كامل، وأشارت إلى أن “الملايين من الأطفال والشباب السوريين أوقفوا دراستهم بسبب الحرب، وقالت إن الشباب السوري في خطر، لأنه لا يرى مستقبله واضحًا، بعد أن دخلت الأزمة السورية في مرحلة حساسة”.

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة، في تقريره حول سورية، إلى أن “نسبة السوريين المتسربين من المدارس تجاوزت حدود 38 في المئة من عدد الطلاب، وأن استمرار الحرب يهدّد مستقبل 5.5 ملايين طفل سوري، منهم 4.3 ملايين طفل داخل سورية و1.2 مليون طفل لاجئ. فيما تشير مصادر أخرى إلى استشهاد وتهجير نحو مليونيّ طفل، وبقاء نحو مليون طفل تحت الحصار، جميعهم يفتقدون إلى الخدمات الإنسانية والصحية والطبية، ومحرومون من التعليم، فيما بلغ عدد المدارس المدمّرة بشكل كامل وجزئي 4072 مدرسة. وجرى تحويل نحو 1500 مدرسة إلى ملاجئ و150 إلى مستشفيات ميدانية، وساهم هذا في انخفاض عدد الدارسين، بمعدل 60 في المئة، إضافة إلى إجبار الأطفال على المشاركة في القتال، واستخدامهم في المراسلات والدروع البشرية”.

كما أكد الأمين العالم أيضًا أن “الأطفال الذين يُحتجَزون مع البالغين يعانون من التعذيب والاعتداءات الجنسية، ويتم أيضًا تحويل الأطفال إلى سلع في أسواق تجارة الأعضاء البشرية من قِبل لصوص وتجّار ومجرمي الحروب. ويشير أطباء إلى ارتفاع عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية، والالتهاب الرئوي وغيرها. كذلك ارتفعت عدد الإصابات بالليشمانيا، من أقل من ثلاثة آلاف قبل الحرب، إلى أكثر من مئة ألف. وإذا دققنا في المعطيات السابقة؛ فإنها تدلل على أن المجتمع السوري سيعاني من ارتفاع نسبة الأمية ومعدلات الجهل والتخلف وتفشّي الأمراض”، ويؤكد الأمين العام بأننا نواجه خطر إنتاج “جيل ضائع من الشباب السوري.

الخوف من المستقبل يدفع عددًا كبيرًا من الشبان إلى الغرب طلبًا للجوء الإنساني في بلدان أوروبا الغربية، فالشبان يفقدون الأمل بخلاص قريب وبتحسن الوضع الأمني واستعادة الحياة الطبيعية. وهناك أيضًا شبان يرغبون في إكمال دراستهم الجامعية ويخشون الالتحاق بالخدمة العسكرية، إضافة إلى الخوف من الملاحقة الأمنية التي يتعرضون لها؛ ما جعل معظمهم سجناء في بيوتهم أو مسافرين إلى خارج سورية. ولذلك نجد عددًا كبيرًا من الأهالي يهربون بأولادهم إلى خارج سورية، يبحثون عن مستقبل لهم في دول أوروبا أو أي مكان آمن في العالم.

كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يستجيب لأزمة اللاجئين؟ إنه اختبار صعب لا يقتصر على موقفه الأخلاقي ومسؤولياته القانونية، وإنما على التزامه بالتنمية المستدامة وتنفيذ الأهداف الإنمائية المتفق عليها عام 2030. ففي ظل غياب تقاسم أعباء اللاجئين دوليًا واتخاذ إجراءات حاسمة لدعم الحكومات المضيفة، وتمكين اللاجئين من إعادة بناء حياتهم، وأزمة التشرد المستمرة التي انتشرت في كل دول العالم، ومن المتوقع أن تشكل أزمة اللاجئين السوريين ضغط كبيرًا على الدول الغربية.

بالنسبة إلى الحكومات المضيفة، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، فإن التحديات أكثر إلحاحًا. حيث إن الأعداد الكبيرة من اللاجئين والاحتياجات الضخمة للخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية يعني أنه لا يمكن التعامل مع الأزمة من خلال إنشاء مشروعات متخصصة وموازية، فهذا غير كاف ولا تستطيع الاستمرار به؛ فمن الضروري على هذه الدول أن تعمل على توسيع نطاق التعليم من خلال تعزيز النظم الوطنية وإصلاحها وإدماج الأطفال اللاجئين في نظامهم التعليمي. وقد استجابت لبنان والأردن وتركيا للأزمة بسخاء واضح ولاقتراحات مؤتمر لندن للدول المانحة الذي طالب الحكومات بتكثيف وتيرة الإصلاحات ومعالجة المشكلات المميزة التي تواجه اللاجئين في التعليم، بما في ذلك تطوير المناهج الدراسية، ودعم اللغة، وتوفير التعليم غير النظامي، واستخدام أكثر مرونة للمعلمين السوريين. بالمقابل طالب دول العالم بتقاسم الأعباء وتمويل البرامج، وبهذا يصبح العمل مع اللاجئين أكثر عدالة، فدُولٌ تقوم بالاستضافة والتنفيذ، ودول تقوم بتمويل البرامج.

“لا لضياع الجيل” 

بهدف التصدي لهذه الظاهرة، أطلقت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغير الحكومية والمنظمات الحكومية في عام 2013 مبادرة “لا لضياع الجيل” للحد من أثر الحرب السورية على جيل الأطفال والشباب، وتهدف المبادرة إلى توسيع القدرة على الوصول للتعليم، وزيادة الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز حماية الطفل، وتوثيق التعاون الاجتماعي لتعزيز بناء السلام؛ ليتمكن أطفال سورية من بناء مستقبل أفضل لأنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم.

ومن أجل الحد من ضياع الجيل السوري فإن الأمر يتطلب تطوير استراتيجيات تعليمية للاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة للاجئين من أجل تقديم المهارات والإحساس بالمسؤولية الوطنية في المساهمة ببناء المجتمع. وتهدف مبادرة “لا لضياع جيل” إلى ما يلي:

  1. زيادة التعلم والمهارات: بما في ذلك زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس والإبقاء على تعلم الأطفال، وتحسين جودة التعليم، وتوسيع التعليم المهني والتكميلي في المرحلة الثانوية، وإيجاد طرق بديلة لتقديم التعليم الأطفال، وتعزيز نظم التعليم من أجل دعم تعلم اللاجئين من الأطفال في المجتمعات المضيفة الهشة.
  2. توفير بيئة تضمن الحماية: بما في ذلك حماية الأطفال والحفاظ على حقوقهم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، بما في ذلك تدريب المعلمين، ونشر تسجيل الوالدات والتوعية عن مخاطر الألغام، وتعزيز آليات الحماية المؤسسية والمجتمعية وأنظمة الإحالة والتصدي للعنف القائم على أساس الجنس واحتياجات الفتيات الشابات.
  3. توسيع الفرص المتاحة للأطفال والشباب: بما فيها بناء المهارات الحياتية لدى الأطفال واليافعين، والتدريب المهني ودمج عملية بناء السلام في التعليم والرياضة والفنون وغيرها من الفاعليات.

ومن أهم أهداف هذه المبادرة الانتقالُ من استجابة إنسانية إلى استجابة مستدامة تهدف بشكل أكبر لتعزيز المؤسسات الوطنية ومؤسسات الدول المستضيفة للاجئين والخدمات العامة، لتتمكن من التعامل مع الأعداد المتزايدة من الفئات المستضعفة والنازحين واللاجئين.

أما مبادرة جيل لا زال معرض للخطر، فقد بدأت بعد عام من احتشاد العالم وراء مبادرة “لا لضياع الجيل” حيث تمت ملاحظة إحراز تقدم كبير للأطفال السوريين في التعليم، فالمبادرة نجحت في توفير فرص للأطفال لم تكن لتوجد من دون الجهود المشتركة للعديد من المجتمعات الدولية والدول المضيفة. ولكن عددًا متزايدًا من الأطفال السوريين في خطر من النزاع في سورية، ولا يزال الضياع يهدد أساتذة وأطباء ومهندسين وأولياء أمور المستقبل بسبب نقص الفرص وفقدان الأمل، وما تزال المخاطر التي تهدد مستقبل أولئك الأطفال في تزايد، ولكي نتجنب ضياع جيل كامل يجب أن يستمر العمل.

ترى استراتيجية (لا لضياع جيل) أن توسيع فرص التعليم في البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريين استراتيجية لمكافحة الهجرة لأوروبا وبقية العالم، حيث إن عددًا كبيرًا من أولياء الأمور اللاجئين يقومون برحلة خطرة إلى أوروبا تشير إلى البحث عن التعليم. ودعمت منظماتُ حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية والتعليمية والأكاديمية هذه المبادرة، وطالبت المجتمع الدولي بزيادة الاستثمار في تعليم الطلاب السوريين؛ لإنقاذ الجيل القادم من الضياع. ويحدد الخبراء هدفين مستترين -لا يتحدثون عنهما بصوت عال- لدعم هذه المبادرة. الأول الحد من الهجرة إلى الغرب، والثاني الحد من الإرهاب. يقول روبرت كوين المدير التنفيذي لشبكة “علماء في خطر”، وهي مجموعة مناصرة لحقوق الإنسان، مقرها في نيويورك، يقول: “كلما خسرنا أستاذًا، أو طالبًا، ازداد التحدي لإعادة المنطقة إلى ما كانت عليه، بعد أن يهدأ العنف في نهاية المطاف”. كما يحذر كوين من أن اتساع الفجوة التعليمية في الدول العربية من شأنه أن يخلق بيئة خصبة لتجنيد الميليشيات المتطرفة والإرهابيين، قائلًا: “مِن مصلحة أوروبا والغرب حماية رأس المال الفكري في المنطقة العربية، والاستثمار فيه، فليس من الحكمة ألا نستثمر فيه بسخاء، لأن هذا ينطوي على استهانة بالعواقب”. وأضاف قائلًا: إن الجهود الإنسانية كانت تركز على إنقاذ حياة الفارِّين من الصراع، وتخفيف معاناتهم، “أمّا التعليم، فقد أُهمِل في خضم كل هذه الأزمات، وبات شغل الناس الشاغل توفير المأكل، والمأوى، وغيرهما من الحاجات الأساسية، ولم نولِ التعليم الاهتمام الكافي”، حيث إنه في الوقت الحالي، يتم إنفاق الجزء الأكبر من المساعدات المخصصة للتعليم، وهي تُقدَّر بنسبة في المئة 1.5 من المساعدات الإنسانية العالمية، على المرحلتين الابتدائية والثانوية، ولا ينال منها التعليم العالي شيئًا، لأنه يُعدّ من قبيل الرفاهية عادةً. “إن إهمال التعليم وفقدان 60 في المئة من الطلاب السوريين لمستقبلهم يمكن أن يؤدي إلى عواقب سيئة لمستقبل سورية ومستقبل أوروبا والعالم”.

 

مقترحات لتطوير المبادرات الدولية

في دراسة لهيئة إنقاذ الطفل بعنوان “تكاليف الحرب: دراسة لتبعات انهيار النظام التعليمي في سورية على مستقبل الدولة”، تقول: “تقديراتنا لتكلفة استبدال ما تم تخريبه أو تدميره أو احتلاله من مدارس وما فقد من معدات بنحو 3 مليار دولار أميركي. وجدير بالذكر أننا وجدنا تأثير انقطاع 2.8 مليون طفل سوري عن الدراسة نهائيًا على المدى البعيد قد يبلغ 5.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يعادل نحو 2.18 مليار دولار أميركي”. وتقترح الدراسة ما يلي لإنقاذ أطفال سورية وشبابها من الضياع:

الضغط لإنهاء الاعتداءات على المدارس، ولإيجاد حل سياسي للنزاع.




المصدر