قطّاع طرق التاريخ


أحمد برقاوي

يسير تاريخ البشر بخطًى بطيئة، في الغالب، نحو مآلاته دون أن يكون له غاية مسبقة بالأصل من مساره، إلا الغايات التي يمنحها البشر له. وإذا ما واجه عقبات في مساره، فإنه يقفز عنها -أو يحاول- لمتابعة مجراه، وهذا ما أطلق عليه المفكرون “الثورة”، والحروب الداخلية، أحيانًا.

تعرض التاريخ العربي المعاصر إلى جرائم كبيرة، ارتكبها من أسميهم “قطّاع طرق التاريخ”، وقطّاع طرق التاريخ أنواع ثلاثة: قاطع طريق خارجي، وقاطع طريق داخلي، وقاطع طريق مختلط خارجي وداخلي معًا.

أما قاطع الطريق الخارجي فأمره معروف؛ بدأ مع الاستعمار التقليدي للعرب، واستمر مع الاستعمار الجديد، وما زال مستمرًا، بدول الهيمنة المتعولمة. فقاطع الطريق الأوروبي الفرنسي-البريطاني -مثلًا- حرم تاريخ بلاد الشام أن يسير سيره الطبيعي، وساعد الحركة الصهيونية -وهي حركة أوروبية- على قطع الطريق أمام فلسطين مرتين: مرة حين فصلها عن بلاد الشام، ومرة حرمها من سيرها غير الطبيعي على غرار جبل لبنان وشرق الأردن.

لا أحتاج إلى كبير عناء لأعرض كيف قطع الأميركي والبريطاني مسارَ التاريخ العراقي، وحال دون حدوث قفزة ليتحرر من الدكتاتورية.

أما قاطع الطريق الداخلي فحدّث ولا حرج، فقادة الانقلابات العسكرية هم في الغالب قطّاع طرق التاريخ، بل إنهم استعانوا بالأيديولوجيات حتى يتحولوا إلى قطّاع طرق شرعيين. وليس هناك أخطر من الصراع بين قطاع الطرق، على قطع طريق مسار التاريخ، لأنه ينتهي إلى قاطع الطريق الأكثر خبثًا والأكثر إجرامًا.

وقطّاع الطرق الداخليين غالبًا ما يستعينون بقطّاع الطرق الخارجيين؛ ويصبحون مع الأيام قطّاع طرق تابعين وخادمين، وذلك لأنه يعي بأن استمراره قاطعَ طريق مرتبط باستمرار موافقة قاطع الطريق الأكبر: الخارجي.

المتأمل في ما يجري، على وجه الخصوص في سورية والعراق واليمن وليبيا والجزائر ومصر، يدرك أمرين: تنوع قطاع الطرق الداخليين، وصراعاتهم وتبعيتهم لقطاع الطرق الخارجيين.

فالثورة السورية السلمية، في حقيقتها، هي ثورة ضد قاطع طريق مسار سورية الطبيعي، ولفتح الطريق أمام جريانه نحو الحرية والديمقراطية والتنمية والعيش المشترك في دولة القانون المعبر عن حق الإنسان.

لم يستسلم قاطع الطريق، بل قرر أن يستمر ويقطع الطريق أمام الثورة السورية معتدًا بقوته العسكرية والأمنية. وحين أعيته الحيلة ولم يستطع أن يواجه شعبية الثورة استعان بقطاع طرق خارجيّن -الميليشيات الطائفية الشيعية من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان- ثم استعان بقاطع طريق عالمي هو روسيا، وإقليمي هو إيران.

ليس هذا فحسب، بل ثمة ما هو أخطر من ذلك، وهو أن الثورة السورية الشعبية، بوصفها قفزة، تعرّضت لقطاع طرق ليسوا أقل همجية، وهم قطاع الطرق الإرهابيين الإسلامويين الذين طعنوا التاريخ بظهره طعنات شبه قاتلة، كـ (داعش والنصرة) وما شابههما. ثم كان لقاطع الطريق الخارجي (الأميركي) حساباته هي الأخرى التي لا تريد لمسار التاريخ السوري أن يستعيد مجراه الطبيعي.

قس على ذلك قطاع طرق التاريخ في العراق، المتكونين من قطاع طرق طائفيين حاكمين وطائفيين داعشيين، ودول مما هبّ ودبّ. وقس على ذلك أيضًا بقية الدول الآنفة الذكر على صور مختلفة.

والحق أننا نشهد، في هذه المرحلة من تاريخ المنطقة، مسرحية كوميدية غريبة: نشهد صراعًا بين قطاع الطرق من جهة وتحالف قطاع الطرق ضد الناس -أهل التاريخ الحقيقي- الذين يسعون لتحرير مساره من كل قطاع طرق التاريخ.




المصدر