on
النظام يُعد لجريمة تهجير في حي القدم الدمشقي
مهند شحادة
يُعدّ حي القدم من أوائل أحياء العاصمة التي شاركت في الثورة السورية منذ بدايتها، وناله ما نال بقية المناطق المطالبة بإسقاط النظام والانتقال نحو دولة العدالة والمواطنة، ويواجه الحي، في هذه الأيام، احتمالَ التهجير القسري، وفق ما تؤكده عدة مصادر ميدانية، وتشير المصادر إلى اتفاقٍ وشيك، بهذا الخصوص، قد يظهر للعلن، في الأيام القليلة المقبلة.
دفع أهالي الحي أثمانًا باهظة نتيجة التحاقهم بركب الثورة، ومع سيطرة “الجيش الحر” على الحي في أواخر عام 2012 نزح معظم الأهالي بفعل القصف المتواصل بمختلف أنواع الأسلحة، ولم يبق بداخله الآن أكثر من 3000 آلاف شخص، في حين بلغ عدد شهداء الحي نحو 800 شهيد، أما المعتقلون فيبلغ عددهم 1200 معتقل على أقل تقدير.
سنوات من الحصار والخذلان
يرى عددٌ من ناشطي الجنوب الدمشقي أن أحد أبرز العوامل المساعدة للنظام وحلفائه للمضي في سياسة التهجير القسري هي الهدن والمصالحات، وفي هذا السياق، قال الناشط ضياء خليل لـ (جيرون): “بالتأكيد الهدن والمصالحات لعبت دورًا كبيرًا في ما وصلت إليه الأمور، داخل الأحياء والمناطق الثائرة في العاصمة وريفها، لأنها سمحت للنظام بفصل المناطق عن بعضها وحصار كلّ منطقة منها على حدة، ومن ثم إجبارها على الرضوخ لمطالبه، إلى جانب أنها أوجدت تربة خصبة لنمو تجار الأزمات والحروب”.
ويرى خليل أن الهدن كانت نتيجة إيغال النظام في تطبيق شعار (الحصار والجوع أو الركوع)، بمعنى لولا الخذلان المعنوي والمادي للثورة ومؤسساتها الناشئة من المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية، ربما ما كان مصطلح الهدن موجودًا في قاموس الثورة”.
أوجه المعاناة، داخل حي القدم، لا تختلف عن سواه من الأحياء والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سورية، وعلى كافة المستويات، إذ إن قصف النظام وحلفائه دمّر أكثر من 30 في المئة من الحي، إلى جانب الحصار المطبق، وما نتج عنه من ظروف إنسانية غاية في الصعوبة لمن تبقى من السكان وبينهم نحو 400 طفل، و 300 مسن يعانون من الأمراض المزمنة، وهنا قال خليل: “على مدى ثلاثة أعوام مضت عانى أهالي حي القدم أقسى الظروف الإنسانية، يقطعون مسافات وحواجز باتجاه بلدات الجنوب الدمشقي للحصول على ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم، طبعًا هذا كان ممكنًا بعد الهدنة في عام 2014، قبل ذلك لم يكن يوجد ما يسد الرمق سوى الأعشاب، حتى هذه اللحظة الحي من دون مياه صالحة للشرب، ويعتمد السكان على مياه الآبار الملوثة”
وأضاف خليل “الوضع الطبي لم يكن أفضل حالًا، إذ لا يوجد في الحي سوى نقطة وحيدة، يشرف عليها بعض الممرضين المتطوعين من غير أصحاب الاختصاص، وهي تعاني عجزًا فادحًا على صعيد الأدوية والأدوات، كثير من الجرحى وحالات الأمراض المزمنة كان مصيرهم الموت لعدم القدرة على تقديم العلاج اللازم”.
حاضر التهجير ذاكرة الثورة
ربما لن يسعف الوقت الآن ذاكرة من عايش الأحداث منذ بدايتها، ليتحدث عن مدى التناقض بين الأمس القريب الذي رسمت ملامحه أفواج المتظاهرين وصيحات الحرية وبنادق الثوار، وحاضر جلّ ما يحمله حافلات لنقل أصحاب الأرض صوب منفًى “وطني” لإرضاء سياسات العالم القائمة على توازنات المصالح والنفوذ. في هذا المنحى، قال خليل: “لا يمكن لبعض الكلمات أن تختصر مدى الألم بين الواقع الذي بدأت به الثورة، والمشهد الحالي الذي تتصدره قوافل التهجير القسري. في حي القدم البسيط ارتسمت ملامح وطن بأكمله على إيقاع هتافات الحرية والكرامة، الآن أغلب شباب البدايات بين شهيد أو معتقل أو مهجر، بمعنى آخر التهجير لم يبدأ الآن، وإنما منذ سنوات وربما نحن نعايش حاليًا فصله الأخير”.
“هل انتهت الثورة؟ هذا سؤال مركب ومعقد، ولا أعتقد أن الثورة ستنتهي، قد تخبو، أو تتعرض لانتكاسات لكنها ستبقى حاضرة في نفوس من أشعلوها، أولًا ما زالوا حتى اللحظة يدافعون عنها، وكذلك ستبقى في وجدان من عايش كل هذا الكم من القهر والإجرام، بالتالي لا يمكن الانصياع لهذه المقولة التي تشير إلى أن سورية ستعود إلى عهود الصمت والديكتاتورية، لا يمكن ذلك”.
كلام خليل يدعمه توصيف كثير من الناشطين داخل سورية، ووفق تعبيرهم فإن حكاية حي القدم هي حكاية ثورة ووطن يعانيان من اليتم، بفعل مصالح دولية لنظام عالمي ما زال حتى اللحظة لا يقيم وزنًا لحياة البشر وأحلامهم، وهو ما جعل خليل يؤكد بأن تهميشًا إعلاميًا كبيرًا “عانت منه سورية عمومًا وحي القدم على وجه الخصوص”، معتبرًا أن هذا التهميش “متعمد ومقصود، لأن وسائل الإعلام تعبّر عن سياسات أنظمة ودول، لها مصالح متضاربة في ما يخص الأحداث السورية، وآخر ما يعنيها إنصاف الشعب المقهور”، وأكد أن “كثيرًا من وسائل الإعلام لم تكن تقبل موضوعات عن حي القدم إلا تلك التي تحمل أخبار القتلى والمعارك، أما الموضوعات التي تتضمن وجهًا مدنيًا داخل الأحياء الثائرة فكانت تُرفض أو تُجيّر وفق سياسة كل وسيلة”.
المصدر