«ميدل إيست آي»: كيف أصبحت السوريات سيدات أعمال في مصر؟


لطالما تطلّعت مها السيد إلى الذهاب إلى صالونات التجميل مع جدتها وهي طفلة. فقد كانت تعشق أجواء المكان الذي تطغى عليه رائحة طلاء الأظافر وأصوات النساء وهنّ يتحدثن، كما أحبت الحصول على تسريحة جديدة في كل مرة تذهب فيها.

هذا ما نقلته الصحافية جهاد أباظة عن السورية مها السيد، في تقريرها الذي نشر في موقع «ميدل إيست آي»، وينقله «ساسة بوست» مترجمًا:

وعندما كبرت، راودها حلم امتلاك صالون التجميل الخاص بها. لذا، فقد أمضت 13 عامًا في الحصول على دورات وحضور ورش عمل وصقل مهاراتها في مجال تسريحات الشعر، وافتتحت أخيرًا صالون تجميل خاصًّا بها في دمشق. ولكن مع تصاعد حدة الحرب في سوريا – وبعد أن مضى على افتتاح الصالون 3 أشهر فقط – اضُطرت لإغلاقه والفرار إلى مصر في 2012.

 

«لم أحصل على فرصة للاستمتاع بالصالون» قالت مها، بينما كانت تنتظر إقبال العملاء على متجرها الجديد في القاهرة، المزين بأوراق جدران وردية وبنفسجية، وأضافت اشتدّ القتال حيثما كنا نسكن في ضواحي دمشق، لذا جمعنا ما استطعنا من الأغراض ورحلنا».

وفي مصر، تمكنت مها من الحصول على وظيفة بعد وصولها بشهر. بيد أنّ انخفاض أجرها وعملها لساعات طويلة تحت مديرين سيئين، دفعها إلى إنعاش حلمها في افتتاح صالونها مجددًا. تقول مها بفخر «لقد أمضيت عامين أحلم بهذا، وسبحان الله فقد تحقق الحلم. رمضان الحالي يمثل الذكرى الأولى لافتتاح الصالون».
وتشير الدراسة بشكل مقتضب أيضًا إلى أنّه بالنسبة إلى حوالي 40% من الأسر السورية المتواجدة في بلدان مثل مصر والأردن وتركيا، فإنّ النساء هنّ المعيل الأساسي للأسرة. إحداهنّ هي مرام أحمد، وهي سيدة أعمال تدير صالون تجميل في القاهرة أيضًا وتخطط لافتتاح صالة للألعاب الرياضية. وكانت تدير تجارة مماثلة في دمشق قبل الحرب.

تقول مرام أحمد – التي فضلت عدم استخدام اسمها الحقيقي – لميدل إيست آي «أمتلك عقل سيدة أعمال، ولطالما كنت أهتم بفتح المشاريع». وافتتحت صالون حلاقة منفصلًا لزوجها وابنها حتى يعملا فيه، إلى جانب صالون التجميل الخاص بالسيدات.

وأضافت «أحب التجارة والمشاريع والمتاجرة. لقد افتتحت صالون حلاقة صغيرًا لزوجي وابني كي يعملا فيه وهو ينمو ببطء». وأوضحت أنّ زوجها يقدر مهاراتها التجارية والإدارية. تفضل مرام تولّي الأعمال الإدارية والمحاسبية خلف الكواليس. وقد استأجرت سيدتين سوريتين لخدمة العملاء والعناية بالصالون.

تقول مرام «إنّ إحدى إيجابيات المشروع هي أنّني أساعد على خلق وظائف للنسوة الأخريات»، وأضافت أنّ العاملات لديها يشعرن بالراحة. أما بالنسبة إلى أميرة مرزوق وسمر القاضي، فقد كانت الحاجة الملحة هي ما دفعتهما إلى افتتاح مشروعيهما.

«ما كنتُ لأعود قط للعمل في سوريا» تقول أميرة مرزوق، التي تعمل في بيع الملابس والحقائب والصناديق المصنوعة في المنزل. وتضيف «قبل أن يجري تهجيرنا، اعتمدت الكثير من النساء ماليًا على أزواجهنّ، لكنهنّ فقدنهم في هذه الحرب. لذا اعتمدنا على هذه المشاريع، وفي حين أنّها قد تبدو بسيطة في المسمى والحجم، إلا أنّها كبيرة بالنسبة إلينا».

 

لم أكن أُعامل بشكل جاد

 

لم يكن من السهل على هؤلاء النساء السوريات أن يجدن موطئ قدم لهنّ في السوق المصرية، بعد أن تعرضن أحيانًا للتحرشات الجنسية والتمييز. تقول مها السيد «كان هناك ذات مرة امرأة رفضت أن أعمل على شعرها لأنّني سورية، وقد أغضبني ذلك بشدة. كنتُ أعمل في صالون آخر حينئذٍ ولم يفعل مالك الصالون شيئًا؛ ببساطة أتى بفتاة أخرى لتعمل على شعرها».

وقد اضطُرت أميرة مرزوق للتعامل مع التحرشات الجنسية وعانت من أجل الحصول على وظيفة قبل أن تنخرط في مشروعها الخاص. تقول أميرة «بوصفنا نساء، لم نكن على معرفة بالسوق. لذا في البداية، حاولت أن أعرض عملي على ملاك المتاجر، لكني قوبلت بالقليل من الاحترام ولم أكن أُعامل بشكل جاد. دخلت متجرين فقط ثم قررت عدم تعريض نفسي لمعاملة كهذه».

وتضيف «دخلت إلى أحد المتاجر لأعرض عملي عليهم لبحث شراكة محتملة. فعرضت مجموعة متنوعة من الأشياء على المالك، بما في ذلك ملابس داخلية نسائية. فترك كل شيء وسألني بشأن الملابس الداخلية النسائية وأطلق تعليقًا غير لائق عن ارتدائي إياها».

لم تتمكن أميرة مرزوق من العثور على عمل بسهولة لأنّها تحمل شهادة ثانوية، لذا قررت البدء في مشروعها الخاص. ولكن لأنّ لديها خمسة أطفال، فقد كان من الصعب استثمار أي ربح ضئيل في تجارتها الجديدة. قالت «واجهت النساء السوريات الكثير من التحديات. لقد بدأنا من الصفر، لكن كان بمقدورنا الصمود».
خلال الأشهر الستة الأخيرة، كانت سمر القاضي – وهي أم لطفلين – تعمل على إنتاج أنواع مختلفة من المنظفات، وتقوم ببيعها إلى ربات البيوت والمطاعم والمتاجر. صرحت القاضي لميدل إيست آي بالقول «لم أتخيل قط أنني سأصبح أرملة. ولم أضطر إلى العمل في السابق وكانت حياتي في سوريا فارهة إلى حد بعيد. كنتُ نادرًا ما أذهب لشراء الحاجيات من البقالة».

بعد وفاة زوجها من ذبحة صدرية قبل سنة ونصف في مصر، بدأت سمر العمل مُدرسة. وبعد مرور بعض الوقت، كانت بحاجة إلى أن تكون متاحة أكثر لأطفالها وبدأت مشروع الطبخ الخاص بها من المنزل. في نهاية المطاف، أدركت أن صناعة الأغذية السورية كانت تنافسية للغاية وبدأت في إنتاج المنظفات ومنتجات العناية بالبشرة. قالت سمر «هناك لحظات تشعر فيها أنّك تحفر الحديد. لكن عليك أن تنساها سريعًا».

 

أوقات عصيبة

 

إن الحالة المتدهورة بالفعل للاقتصاد المصري وارتفاع الأسعار تضيف طبقة أخرى من العقبات أمام المرأة العاملة. وحتى بعد تقديم طلب للحصول على منحة من مؤسسة الغد للإغاثة السورية – وهي منظمة غير حكومية محلية – التي تقدم الدعم للسوريين، تلقت مها السيد 4000 جنيه فقط (221 دولارًا) لمساعدتها على دعم أعمالها بعد إطلاقها.

تقول مها «هذا المبلغ لا يكفي لشراء مقاعد حتى. أنا أدين بالمال لبعض الناس، وقد تضاعفت تكاليف منتجات الشعر ضعفين أو ثلاثة. تأتي أيام تغطي فيها عميلتان مصاريفي الشهرية، ثمّ تمر ثلاثة أسابيع لا أجني فيها شيئًا. وفي هذه الأيام، بالكاد أجني ما يغطي إيجار المتجر».

لكن والدتها – التي فرّت من سوريا منذ شهر بعد أن استوفت مها جميع الإجراءات البيروقراطية لتوثيق أوراقها باعتبارها لاجئة في مصر – تقول إنها فخورة بابنتها. «أشعر بالسعادة لأنّها حققت حلمها. لقد عانت كثيرًا كي تصل إلى هذه النقطة». تقول الأم في رضى وهي تجلس بجوار ابنتها.

طموحات مستقبلية

 

تقيم أميرة مرزوق ورش عمل مجانية للنساء لنقل مهاراتها وخبرتها لمساعدتهنّ على تجاوز الصعاب التي واجهتها. تقول أميرة «لدي هدف يتمثّل في توظيف النساء اللاتي لا يحصلن على دعم مالي ولا يحملن شهادات عليا. لأنني عانيت في هذا الصدد. لم يكن في وسعي الحصول على وظيفة، لكنني الآن أساعد 150 عائلة».

تقول هؤلاء النساء إنّهن يستطعن تحقيق أي شيء والسماء هي حدهنّ. وقعت أميرة مرزوق بالفعل عقدًا لإنتاج صناديق لشركة عطور محلية. وقالت «إن هدفي هو التنافس مع الصين». تسعى مها السيد إلى توسيع متجرها. وتفكر مرام أحمد في افتتاح صالة ألعاب رياضية، وبدأت سمر القاضي في بيع منتجات العناية بالبشرة التي تعدها في المنزل.

تقول سمر وهي تتفكر في معاناة النساء السوريات «باتت المرأة هي الأم والأب. وحتى لو تواجد الزوج، فهي من تحمل العبء. تعيّن علينا أن نقوي من أنفسنا. لكننا لم ننس أنوثتنا، بل على العكس، فهذا جزء منها. لقد أظهرت لنا هذه التجارب مدى قوتنا بفضل الله».

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام