العدالة الإسبانية تستفيق على هول أملاك رفعت الأسد


ميسون جميل شقير

لم تزل قضية ميناء بوريا بونوس الذي كان يمتلكه رفعت الأسد في شواطئ ملقا في اسبانيا، تشغل الصحافة الاسبانية التي تتابع عن كثب مجريات القضية التي كانت قد أثيرت حول أهم أماكن السياحة الاسبانية وامتلاكها من قبل شخص متهم بجرائم حرب وسرقة أموال الخزينة السورية العامة ومحاولة اقامة امبراطورية اقتصادية في كل من اسبانيا وفرنسا.

نحو ثلاثة وثلاثين مليون متر مربع هي مساحة الأراضي التي يمتلكها رفعت الأسد في سواحل ماربيا التي وصفت بانها أجمل مناطق العالم، وبانها “ساحل الشمس” “كوسا ديل سول” كما يسمونها الآن أو “ضوء القمر” كما أطلق عليها الفينقيون القدماء، فهي السواحل التابعة لمدينة ملقا الساحرة، وهي تلك الأراضي التي يعبرها نهر “غوادايسا”، والتي يمتد غطاؤها النباتي فوق صخرة بركانية كبيرة، وهي المنطقة التي تحتوي على أنواع من الأسماك الفريدة من نوعها مثل أسماك الراهب،

ان الأراضي التي كان يمتلكها رفعت الأسد في اسبانيا هي أراضي لم تزل تحافظ على قيمتها البيئية. فهي أراضي تزدهر فيها أشجار الشوح الإسباني والفلين. وتحتل هذه الأراضي ثلث بلدية بينافيس، التي تقع في مقاطعة ملقا التابعة لمنطقة أندلوسيا جنوبي إسبانيا.

اليوم وبعد أكثر من أربعين عاما، وبعد أكثر من مليون شهيد سوري، تفتح قضية رفعت الأسد وأملاكه في أوربا ويبدأ الاعلام الأوربي بالتأكيد على اندهاشه من قيمة هذه الأملاك، فوفقاً لتصريحات قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية، خوسيه دي لا ماتا، فإنه “في هذه المدينة التي تقع على سواحل شاطئ الشمس”كوستا ديل سول”، والمجاورة لمدينة ماربيا الفاخرة التي تحولت إلى نموذج للترف الاسطوري؛ يمتلك رفعت بعض الأراضي الأكثر تميزاً، ويطمح لبناء “مدينة سورية”، في كنف الحذر والسرية.  وقد بين القرار الصادر عن المحكمة الإسبانية أن السلطات حجزت 16 عقاراً تابعاً لرفعت الأسد، تقدر قيمتها بحوالي 691 مليون يورو في كل من مدينة ماربيا، ومدينة مارينا الرياضية الفاخرة في ميناء بويرتو بانوس الذي يتميز بطابع المنشآت السياحية، والذي يعتبر من أكثر المناطق تميزاً في كوستا ديل سول. ويضم ملاعب ضخمة، وملاعب غولف، وينظم زيارات ترفيهية إلى مشارف مضيق جبل طارق.

وبحسب القضاء الاسباني فقد كان رفعت الأسد، البالغ من العمر 79 سنة، “يخطط لبناء وانشاء مجمع سكني ضخم وذلك ليتحول الى موقع للمتنفذين العلويين في سورية”. وكان يهدف تحويل هذه المنطقة من الأراضي ذات القيمة البيئية العالية إلى منطقة حضرية خاصة؛ وتجدر الإشارة إلى أن المناطق التي يسيطر عليها رفعت الأسد، سبق أن تم تسجيلها كمناطق ذات مصلحة عامة، حسب التصنيف الأوروبي. ويعني ذلك أنها مناطق بيئية يجب الحفاظ عليها كما هي دون تخريب الوضع البيئي فيها.

كما أن الحكومة الأندلسية كانت قد أدرجت كل هذه العقارات ضمن المناطق ذات الحماية الخاصة. أي هي ضمن الأمكنة التي لا يسمح فيها بقطع الأشجار مثلًا ولا بتحويل كافة الأراضي إلى مباني إسمنتية، ولكن يسمح بالاستملاك الشخصي بشرط الإبقاء على نفس الوضع البيئي.

نعم بعد كل هذه السنوات، وبعد كل ما خسره السوريون من بلادهم وأحلامهم، يستيقظ قليلا الضمير العالمي ويتم حجز كافة أملاك رفعت الموجودة في إسبانيا كما أكد القاضي دي لا ماتا.

واليوم يكتشف القضاء الاسباني أن المصدر الأساسي لثروة رفعت الأسد، هو الأموال المنهوبة من خزائن الدولة السورية، التي قدمها له أخوه حافظ الأسد قبل إرساله إلى المنفى، والتي تقدر بحوالي 300 مليون يورو. ذلك ما أوردته الصحافة الإسبانية (البايس والموندو) اذ تم تقييم قيمة الأراضي والعقارات التي امتلكها رفعت الأسد في كل من فرنسا وإسبانيا وحساب قيمتها يوم اشتراها.

من قلب كل سوري، من حياة كل طفل، ومن حيرة كل أب حين ينتهي معاشه التافه (مهما كانت شهادته العلمية في أول الشهر)، ولا يعرف من أين سيكمل شهره، من غياب مشاريع تنموية حقيقية تغير البلد، وتحولها الى بلد عامر ومنفتح، والى بلد سياحي أول بكل ما يمتلك من عراقة حضارية لا مثيل لها في العالم، من بيوت دمشق التي يزيد عمرها عن خمسة آلاف سنة، من حلم كل سوري، من كل هذا سرق حافظ الأسد تاريخنا وتلك الأموال الطائلة وقدمها لشقيقه السفاح رفعت كي يشتري بها صمته ومغادرته للبلد، ومن كل هذا بنى رفعت الأسد امبراطوريته في كل من فرنسا واسبانيا، ومن كل هذا اشترى رفعت ساحل بويرتا بانوس كاملا وأراض لا تقدر قيمتها المادية والبيئية، وعرف كيف يستغل مناطق البحر والشمس والسياحه ليزور التاريخ، وليشتري بالأموال السورية المهربة الجزء الكبير من أول ساحل وصل الى طارق بن زياد.

منتجع ماربيا الجميل الذي كان رفعت يمتلك أكثر من ثلثيه، هو مكان غني بالتناغم الجغرافي الطبيعي المدهش مع التاريخ المتنوع والذي ما زالت ترتسم عليه آثار أقدام التجار والجيوش والحكام من فنيقيا واليونان والرومان والقوط والعرب، والذي تحول الى أهم أماكن العالم سياحة بفضل الأموال التي هربها النظام السوري من سورية والأموال التي هربها الموالون له من لبنان أثناء الوجود السوري فيها.




المصدر