دفاعاً عن أي دراما سوريّة؟ الخطأ القاتل في فيديو «زين»… والأكراد يعدّون نجومهم

راشد عيسى يبدو أن التظاهرات في فنزويلا ستتحفنا لسنوات مقبلة بأجمل الصور ومقاطع الفيديو، على غرار ما فعلت التظاهرات الشعبية في سوريا. فيديو لموسيقي شاب يبكي بحرقة على كمنجته، التي كسرها ضابط بوحشية أثناء التظاهرات، حيث اعتاد العزف محاولاً تبديد شيء من وحشية وقسوة المشهد الدموي. بكى الشاب، فانتشر بكاؤه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن هناك من تطوع من أجل حملة للتبرع بكمنجة بديلة. مشهد ذكرني بغياث مطر، وعشرات المشاهد من التظاهرات السورية، ذلك الشاب الذي قتل بوحشية على يد النظام، بعد أن كان واجه الجنود بالورد وزجاجات الماء. لقد أثبتت السنوات الفائتة أن أنظمة الاستبداد الوحشي هذه لا تنفع معها الورود والموسيقى وكرات «البينغ البونغ» المتدحرجة من الجبل، أو القمصان البيضاء الموحدة، ونوافير الماء الملونة والفساتين الحمراء تقف وسط الطريق ترفع لافتات تقول «أوقفوا القتل»، أو عرائس يرتدين ثياب الزفاف ويطالبن كذلك بوطن حر خال من القتل.. يبدو أنها لغات لا تفهمها تلك الأنظمة، وليس من الواضح أن أحداً تعلّم الدرس. نكسة المسلسلات السورية مع بداية شهر رمضان، شهر المسلسلات، وتبيان خيط السوق الأبيض من الأسود، حيث ظهر أن المسلسلات السورية أصيبت بنكسة الكساد، تنادى سوريون إلى حملة للدفاع عن حق الدراما السورية في الحضور في السوق الخليجي، الذي يبدو أنه اتخذ قراره في تجاهل تلك الدراما، إنتاجاً وعرضاً. الحملة تزعمتها الممثلة شكران مرتجى، أشد المطبلين المعجبين بالنظام، ثم تلاها ممثلون كثر يدلون بآرائهم، بل وتورط فيها معارضون سوريون من محبي نظرية «الحفاظ على مؤسسات الدولة». يبدو أن هؤلاء نسوا أن الدراما السورية هي صنيعة النظام جملة وتفصيلاً، ليس تلك الصناعة الراسخة الأصيلة، التي تدار بتقاليد عمل مؤسساتية، بل بأمزجة وتوجيهات عليا. قد يقول ممثل أو تقني مغمور إنه لا يتلقى التوجيه من أحد ولا يشعر بأثر السياسة أمام عينيه. اعلم إذاً أنك لست سوى برغي في المكنة الهائلة يدار بقوة لقمة العيش، لا لوم طبعاً، ولكن دعك من حديث السياسة والحملات ما دمت مجرد حجر يدار كيفما اتفق. كيف يثور الناس دفاعاً عن دراما يتزعمها نجدت أنزور وجود سعيد ورشا وهشام شربتجي؟!   فيديو «زين» فقط لو أن إعلان زين (شركة اتصالات) الرمضاني السنوي الأخير لم يبدأ بتلك العبارة «سأخبر الله بكل شيء»، التي تقال على لسان طفل، والمأخوذة بدورها عن لسان طفل سوري! لكن الفيلم الإعلاني الغنائي (بطله ومغنيه حسين الجسمي) يستهل بتلك العبارة، ثم يتحدث عن موت قادم من جهة واحدة، هي التنظيمات الإسلامية الأصولية، ثم يورد صوراً لبعض التفجيرات التي ارتكبتها مثل تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، والكرادة في العراق، وحفل عرس في أحد فنادق عمان، وتفجيرات مواقف مشفى الدكتور سليمان فقيه في جدة. الخطأ كان في اعتبار «عمران السوري»، الطفل الذي ظهر مدمى الوجه في سيارة إسعاف إثر قصف للنظام السوري – الروسي في مدينة حلب، ضحية من ضحايا الإرهاب الأصولي، فيما يعرف الجميع أن المشهد كان إثر قصف للطيران. هذا تزوير فاضح، لا يمكن اعتباره خطأ بريئاً. بأي عين إذاً يدّعي الفيديو قول الحقيقة كلها؟ هذه الحقيقة – الفيديو، رغم أنه وصل إلى عتبة المليوني مشاهدة على «يوتيوب»، ربما لشهرة المغني، يصعب أن يستمع إليها أحد، لا لتزوير فيها فقط، بل كذلك لرداءة في التنفيذ، حيث كلمات الأغنية تليق بنص وعظي جامد أكثر من أن تليق بأغنية، وحيث اللحن غير المؤثر، وفوق ذلك الماكياج المنفّر لضحايا التفجيرات. إنه فيديو الفشل الذريع على المستويات كافة. فنانو «الضيعة» «دور الفنانين الكرد في تطور الدراما السورية». ليس هذا سؤالاً بقدر ما هو جواب، حملته إذاعة «آرتا» الكردية السورية على ضيوفها في إحدى حلقات برنامج «صباح الخير»، وظلت تعيد، وتثابر في طرح السؤال بصيغ أخرى، همها فقط أن تعدّ الأسماء على طريقة العاطلين عن العمل، بسام الملا، عبدالرحمن آل رشي، طلحت حمدي، خالد تاجا، كاريس بشار، عمر أوسو.. ومن لم تقدر عليه من الممثلين لتنسبه إلى الكرد ستجد له مكانة ما قريبة، كتلك الممثلة التي حملوها لقب «كنّتنا»، أي متزوجة من كردي. كان يمكن للنقاش أن يكون مثمراً أكثر، حول تجاهل الدراما السوريا لقضايا الناس المهمشين، كرد أو سواهم، حول طمس الثقافات والهويات المكونة للهوية الوطنية، وكيف كرست الدراما ذلك، أو كيف انصاعت ومثّلت شعارات دولة الحزب والمخابرات أصدق تمثيل. تسأل المذيعة شيرين ضيفها في الاستوديو المخرج والسيناريست سلام حسن «لولا هذه الوجوه الكردية ماذا كانت ستخسر الدراما السورية؟»، (وبالطبع فإن السؤال يتضمن الإجابة) ويأتي جواب الضيف من دون تردد «كانت ستخسر نفسها»! حلقة هي للتغني بوجوه كردية في الدراما السورية، حتى لو كان بعض تلك الوجوه غير دارٍ بالقضية برمتها. لا ننكر أن البرنامج حاول الاقتراب من أسئلة جوهرية، لكنه كان يغادرها على الفور ليذهب إلى التعداد والتغني بالأسماء، كما لو أنه يعيد عبارة شهيرة في تاريخ الاستبداد السوري: «من عنّا من الضيعة». كاتب من أسرة «القدس العربي»