دعوات شعبية وإعلامية لـ “تبييض” سجون الفصائل في شهر رمضان
31 مايو، 2017
أطلق ناشطون في محافظة إدلب، قبل أيام قليلة، حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي للضغط على الفصائل العسكرية لتبييض سجونها، وإخراج كافة المعتقلين والناشطين من أبناء الثورة السورية الذين احتُجزوا “لأسباب فصائلية، أو بسبب آرائهم الفكرية”، مع استثناء المجرمين من هذه الحملة.
وتأتي هذه الدعوة بعد تصاعد عمليات الاعتقال بين الفصائل من جهة، وملاحقة ناشطين إعلاميين من جهة أخرى، وذلك لأسباب تتعلق بتوجيه انتقادات لعمل هذه الفصائل.
انتهاكات
وسجل شهر أيار الحالي ارتفاعاً واضحاً في عمليات الاعتقال للناشطين الإعلاميين، كان أبرزهم غياث الرجب مدير مركز حلفايا الإعلامي، والناشط مناحي الأحمد في ريف حماه الشرقي، والناشط أحمد بكرو في سلقين، بالإضافة للإعلامي زكريا عطية في إدلب، فيما سجل ناشطون حالة اعتقال جماعية لأعضاء المجلس المحلي المُشكّل حديثاً في مدينة سلقين، ولم يتم إطلاق سراحهم إلا بعد تعهدهم بتعليق أعمالهم.
كما تواصلت عمليات الاعتقال على الحواجز بين مقاتلي الفصائل، رغم حالة التهدئة ووقف الأعمال القتالية، وكان من أبرز هذه العمليات مؤخراً اعتقال “هيئة تحرير الشام” رامي التاو لـ “جيش إدلب الحر” الملّقب سهيل أبو التاو، ومجموعة أخرى من مقاتلي “درع الفرات” بعد عودتهم إلى قراهم في إدلب، كما هاجمت قوة عسكرية تابعة لحركة “أحرار الشام الإسلامية” مقر “تجمع فاستقم كما أمرت” المنضوي داخل الحركة، واعتقلت قائده العسكري.
وكان من بين المَطالب التي أكدّ الناشطون ضرورة تلبيتها، إنشاء محكمة قضائية موحدة وعلنية يشرف عليها قضاة مستقلون، للنظر في جميع الدعاوى، والعمل على الإفراج عن جميع المعتقلين الذين لم يتورطوا بدماء الشعب السوري الثائر، إضافةً للسماح لكل المهجرين قسراً أو خوفاً من الاعتقال بالعودة لبلداتهم، وفتح صفحة جديدة تنهي جميع الخلافات السابقة، مؤكدين ضرورة متابعة الحملة بكل الوسائل السلمية المتاحة حتى تحقيق مطالبها بالكامل.
وحول أسباب هذه الحملة الإعلامية والنتائج المرجوة منها قال الناشط الإعلامي في إدلب حمادة الخطيب في تصريح لـ صدى الشام، إن الفكرة جاءت مع حلول شهر رمضان المبارك “للضغط على الفصائل لإطلاق سراح كافة المعتقلين الموجودين داخل السجون”، موضحاً أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء “محتجزون لأسباب تتعلق بانتماءاتهم الفصائلية وحسب، أو بسبب انتقادهم لسياسات فصيل معيّن”.
ورغم عدم تفاؤل الخطيب كثيراً بتجاوب الفصائل مع هذه الدعوات، فقد أكد أنهم حاولوا لفت الانتباه لهذه القضية، مشيراً في الوقت ذاته إلى إمكانية تصعيدها بخطوات سلمية في حال عدم استجابة الفصائل.
ونوّه الناشط إلى قضية أخرى وهي التهجير الذي يعاني منه بعض مقاتلي الجيش الحر والذين اضطروا للخروج من قراهم ومدنهم بعد ملاحقتهم من قبل بعض القوى الأمنية، حيث اعتقل بعضهم بعد عودتهم وبعضهم ما زال مفقوداً منذ أشهر طويلة.
من يتابع قضايا المعتقلين؟
لا توجد إحصاءات دقيقة حتى الآن لعدد المقاتلين الأسرى لدى الفصائل لكن بعض التقديرات تؤكد أنهم بالعشرات، لاسيما بعد حالة الاقتتال التي سادت هذا العام بين عدد من الفصائل.
وفي هذا السياق قال الناشط الإعلامي في مدينة كفرنبل بلال بيوش، لـ صدى الشام، إنه ليس هناك صبغة قانونية لهذه الاعتقالات ولا مبررات، “فالقوي ينهي الضعيف ويحتجزه دون أي محاكمات، وأحياناً تستمر هذه الاعتقالات لفترة طويلة”.
ووفق الناشط تنتهي بعض حالات الاعتقال باتفاق القوى المتصارعة على تبادل الأسرى، لكن في بعض الحالات لا يتوصل الطرفان لأي اتفاق ويبقى هؤلاء الأسرى لأشهر ما لم يتدخل أحد لاطلاق سراحهم.
ويقدم الناشط مثالاً عن مآلات الاعتقالات الفصائلية، إذ أنه سبقَ وجرى إعدام ما لا يقل عن 160 مقاتلاً من “جيش النصر” على أيدي تنظيم “جند الأقصى” قبل فرارهم نحو الرقة، وهي “إحدى الحالات التي شهدت نهاية مأساوية دون أي ذنب سوى انتمائهم لهذا الفصيل”.
ويؤكد بيوش أن جزءاً كبيراً من اعتقالات الناشطين تنتهي بإطلاق سراحهم لكن بعد إنذارهم بضرورة تعديل سلوكهم والكف عن الانتقادات التي يوجهونها، وهو ما يمكن اعتباره “محاربة للحريات ونقض لمبادىء الثورة التي قام بها الشعب السوري للحصول على حريته”، وفق تأكيده.
نموذج مما يحدث
يعتمد كل فصيل مسلح على محاكم تتبع له، وتمتلك القوى العسكرية الكبرى قوى أمنية تابعة لها، وسجون خاصة تحتفظ فيها بمن يتم اعتقالهم.
“كنتُ معصوب العينين حين أنزلوني من السيارة، لم أعرف أين أنا، وقد كانت الزنزانة المنفردة التي أدخلوني إليها أشبه بـ (قن) دجاج، هناك بقيت أياماً في الظلمة من دون طعام أو شراب أو حتى فرصة لدخول الحمام حتى شارفت على الموت”.
بهذه الكلمات وثق جميل عفيسي، طالب الحقوق المنقطع عن سنته الدراسية الأخيرة، والقائد العسكري للواء “شهداء معرة النعمان” التابع للجيش السوري الحر في عام 2014، اعتقاله في سجون “جبهة النصرة” آنذاك، والذي استمر لعام وثمانية أشهر، وفق قوله.
وتطرق الناشط والقائد العسكري السابق، في إحدى اللقاءات الصحفية التي سبق وأجراها، إلى جملة من الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل هذه السجون، حيث تنقّل خلال فترة اعتقاله بين عدد من السجون الأمنية والسرية، حسب قوله.
استجابة
في المقابل لقيت دعوات الناشطين بعض الاستجابات من قبل بعض الفصائل حيث أصدرت الهيئة القضائية في “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”المحكمة الشرعية” في مدينة كفرتخاريم، “ودار القضاء” في سلقين، عفواً عن المساجين الذين قضوا نصف المدّة في السجن بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك.
وقالت المحكمة الشرعية في كفرتخاريم في بيان صدر عنها: “عملاً بالمبادرة الطيبة التي قام بها الشيخ أبو عبد الرحمن الشامي، وتقديراً لشهر رمضان المبارك نعلن عن عفو عن السجناء الذين أمضوا نصف المدة المنصوص عنها لأحكامهم، ويستثنى من ذلك من هو محكوم عليه بالقصاص أو له بذمتهم حقوق مالية للعباد”.
ويأمل الناشطون أن تساهم حالة التهدئة الأخيرة في إدلب، ووقف الأعمال القتالية في حل المشاكل العالقة بين الفصائل، وإطلاق سراح جميع الموقوفين من جميع الأطراف، بينما يبقى توحيد القضاء في الأماكن المحررة هو الحل الأمثل لهذه الظاهرة.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]