طقوس رمضان تغيب عن دمشق بداعي (مكافحة الإرهاب)

1 حزيران (يونيو - جوان)، 2017

6 minutes

المصدر: رصد

عمد النظام وميليشياته إلى القيام بممارسات تهدف إلى تغييب عادات وطقوس روحانية يمارسها الدمشقيون لاستقبال شهر رمضان، كانوا توارثوها عن آبائهم وأجدادهم ولطالما تفاخروا بها خلال قرون ماضية.

دمشق كانت تستعد قبل عشرة أيامٍ وأكثر لإيفاء رمضان حقه من حفاوة الاستقبال، وما إن تثبت رؤية هلاله حتى يبادر سكانها إلى تهنئة بعضهم بعضاً في الطرقات وعلى أجهزة الهواتف، بينما تصدح مكبرات الصوت في المنازل والمحال التجارية بأناشيد دينية من وحي المناسبة أو آيات من القرآن الكريم، وسط تهافت الناس في الطرقات إلى المساجد لأداء صلاة التراويح.

لكن الوضع الآن، بحسب صحيفة الشرق الأوسط، اختلف جذرياً في أغلب أحياء دمشق في ظل الحرب التي تمر بها البلاد منذ أكثر من 6 سنوات، ومع إحكام النظام وميليشياته قبضتهم على العاصمة. جاء الإعلان مساء الجمعة الماضي في وسائل إعلام النظام أن أول أيام شهر رمضان هو يوم السبت، مختصراً وخجولاً، واختفت حفاوة الاستقبال في الطرقات والأسواق التجارية التي تنتشر فيها بكثافة عناصر الميليشيات بذريعة حفظ الأمن.

وأعرب صاحب متجر في سوق جنوب دمشق انتشر فيه العشرات من عناصر الميليشيات، عن انزعاجه من الأمر. وقال للصحيفة “بدرت منهم إشارات وتلميحات يفهم منها أنهم لا يريدون سماع أي أناشيد دينية. المصيبة أننا لا نستطيع فعل شيء. لا يوجد في اليد حيلة، وبقاء الوضع على هذا الحال سيشجعهم في قادم الأيام على منع الناس من الصلاة والصيام وذكر الله”.

مساجد فارغة

وكانت سوريا تضم أكثر من 23 مليون نسمة، نحو 80 في المائة منهم من السنة. وكان لافتا ليل الجمعة – السبت، اقتصار فترة الأناشيد الدينية التي تنطلق من مآذن المساجد قبل موعد الإمساك، على بضع دقائق، بعدما كانت قبل الحرب تمتد لأكثر من 30 دقيقة، على حين بات من النادر مشاهدة شخص يذهب إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، بعدما كانت المساجد تغص بالمصلين هذه الصلاة في فترة ما قبل الحرب.

وبينما عبر خطباء مساجد عن امتعاضهم لقلة عدد المصلين خلال صلاة الفجر وحضوا المصلين على أدائها في المساجد، أعرب رجل في العقد الخامس من عمره، عن ألمه الشديد بسبب ما وصلت إليه أحوال الناس. وقال: «إن ذهبت لأدائها قد لا أصل إلى المسجد، وإن وصلت وأديتها قد لا أعود إلى المنزل»، في إشارة إلى الخشية من اعتداءات عناصر الميليشيات المسلحة المنتشرين في مداخل الشوارع والأحياء بذريعة حمايتها من «الإرهاب» والذين يمضون الليل في تناول المشروبات الكحولية.

وشهدت أحياء دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام في السنوات القليلة الماضية كثيراً من حالات اختفاء أشخاص بعد خروجهم لأداء صلاة الفجر. كما تعرض كثير من المصلين وهم ذاهبون أو وهم عائدون من المساجد بعد صلاة الفجر إلى اعتداءات من قبل عناصر الميليشيات المسلحة.

مغلقة بعد الصلاة

ولوحظ حرص القائمين على خدمة المساجد على إغلاقها بعد وقت قصير جداً من انتهاء الصلاة، لأن «هناك تعليمات بذلك»، بحسب قول أحدهم، خلال جدل كبير وطويل حصل بينه وبين مصلٍ، أراد أن يمكث في المسجد للعبادة والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم كما كان الأمر قبل سنوات الحرب، عندما كانت المساجد تعج بالمصلين طوال النهار خلال شهر رمضان، ولا تغلق أبوابها إلا بعد انتهاء صلاة التراويح وحتى صلاة الفجر.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن أكثر ما يلفت الانتباه هو ازدياد تحرش عناصر الميليشيات بالمصلّين وهم في طريقهم إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، وإطلاق تلك العناصر عبارات استهزاء وسخرية تطال المسرعين في مشيتهم للوصول إلى المساجد، مثل: “أسرع…. راحت عليك”.

يحاربون الجلابية

ويحرص عناصر الميليشيات المنتشرة وبكثافة في محيط المساجد وأمامها على التدقيق وبشكل كبير في القادمين لأداء صلاتي الجمعة والتراويح، خصوصاً منهم من يرتدي ثوباً أبيض وقبعة بيضاء، وأحيانا يعمدون إلى تسجيل أسمائهم، والتأكد من أنهم من سكان الحي، مما أدى إلى تراجع كبير في أعداد المصلين الذين يرتدون الثوب الأبيض. وقال أحد المصلين: “لم يبق سوى وضع شروط للصلاة في المسجد من ضمنها منع ارتداء الجلابية (الثوب الأبيض)… هذه مسخرة”.

واعتاد كثيرون من السنّة ارتداء أثواب بيضاء أثناء الذهاب إلى المساجد، خصوصاً يوم الجمعة وفي المناسبات الدينية، لدرجة أن بعضهم بات يعدّها رمزاً لاتباع هذا المذهب في البلاد.

“يا نايم وحد الدايم”

وعلى عكس ما اعتاد عليه السوريون، بأن يستيقظوا على صوت “المسحراتي” خلال شهر رمضان المبارك، غاب هذا العام عن معظم الأحياء الدمشقية بسبب الأوضاع الأمنية، في حين حاول جاهداً أن يحافظ على بقائه بالأحياء الأكثر أمناً ولكن بمواعيد مبكرة من الليل بعض الأحيان، وبدت شوارع أحياء دمشق كالعباسيين ومشروع دمر والمزة وجديدة عرطوز، هذا العام  كئيبة وصامتة نتيجة افتقادها لصوت المسحر، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية التي منعت تواجده ليلاً، بالإضافة إلى خوف بعضهم من التجوال في وقت متأخر من الليل ما دفعهم للعمل في وقت مبكر للحفاظ على التراث ليس الا.

وعبرت ريم “أحد سكان المزة” عن أسفها لغياب المسحراتي في الأعوام السابقة عن أحياء المزة بأكملها قائلة: “الاستيقاظ على صوت المسحر هو من أجمل الطقوس الرمضانية، حيث ينتظره الأطفال بشغف كبير فجر كل يوم  ويرددون وراءه “يا نايم وحد الدايم”، “قوموا على سحوركم قوموا”.

[sociallocker] المصدر
[/sociallocker]