آخر أيام (داعش) في الرقة دون جلبة
4 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
إبراهيم العبد لله
توشك معركة السيطرة على مدينة الرقة أن تصل إلى نهايتها، ويكاد وجود تنظيم (داعش) ينحسر عنها ويتلاشى بسرعة ودون جلبة كبيرة على الأرض، كما ظهر فيها ذات يوم من العام 2013. معارك الأيام القليلة السابقة بين التنظيم من جهة وميليشيات “سورية الديمقراطية” (قسد) من جهة ثانية كانت بدورها سريعة، وانتهى معظمها بعقد اتفاقات تنص على خروج مقاتلي (داعش) بأسلحتهم الخفيفة جنوبًا نحو البادية السورية، هذا ما جرى بالنسبة إلى عناصر (داعش) في الطبقة قبل نحو ثلاثة أسابيع، ويجري الخميس وأمس الجمعة، في منطقتَي سد “تشرين” وبلدة “المنصورة”، في ريف الرقة الغربي ـ الجنوبي، على الأقل.
التقدم العسكري السهل والمضطرد نحو الرقة، وفتح مسارب لتسلل مقاتلي تنظيم (داعش) نحو البادية عبر اتفاقات محلية وجزئية بتيسير وجهاء محليين، خلال الأيام القليلة الماضية، لم يخفف من شدة القصف اليومي على أحياء المدينة، سواء عبر مدفعية ميليشيات (قسد) أو عبر طيران التحالف. إذ تُسجل حركة دائبة لطيران التحالف فوق المدينة وأرياف المركز، وغارات على أطراف المدينة الشرقية والشمالية والغربية، من حيث تتقدم القوات المُهاجمة، كما تُطلق (قسد) قذائف الهاون بصورة متقطعة على أحياء المدينة. هذا القصف، الذي يبدو غير مبرر عسكريًا، يُوقع يوميًا عشرات الشهداء والجرحى، ويدفع من تبقى من سكان المدينة واللاجئين إليها إلى اجتراح أساليب عشوائية للهرب منها عبر حقول الألغام وخطوط الجبهة؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى حوادث يومية يذهب ضحيتها رجال ونساء وأطفال من طالبي النجاة الذين يقصدون ريف المحافظة الشمالي.
آخر قريتين انسحب منهما مقاتلو تنظيم (داعش) نحو بادية الشام أمس (الجمعة) لتنتقلا إلى عهدة (قسد) بعدها بساعات هما قريتا “السحل الغربي والشرقي” في ريف الرقة الغربي ـ الجنوبي. وقرية السحل الغربي هي مسقط رأس علي موسى الشواخ، المعروف بلقبَي “أبي لقمان، وأبي أيوب”، والي التنظيم على الرقة، وواحد من أكثر قياديي التنظيم المحليين عنفًا ودموية. هذا الانتقال يحمل رمزية خاصة في سياق حياة التنظيم ومنتسبيه من أبناء المنطقة، ويفتح الباب أمام الامتحان الفعلي للأميركيين وأدواتهم في (قسد) في ما يخص التعامل السياسي والأمني مع الدوائر والمجموعات العشائرية التي شكّلت العمود الفقري للتنظيم خلال سنوات سيطرته على الرقة. إذ يعمل الأكراد وفق تصور أميركي، كان قد صاغه تقرير “معهد واشنطن”، يرى وجوب التعامل بواقعية مع العشائر التي انخرط أفراد كثر منها في التنظيم، وخاصة تلك التي ينتمي إليها قادة التنظيم في الرقة وريفها، واحتواء أفراد هذه العشائر في العملية السياسية والأمنية تحت قيادة الأكراد، خاصة أن هذه الدوائر العشائرية لا تحمل رؤية أو برنامجًا سياسيًا وتُعادي وتُنافس الواحدة منها الأخرى مما يسهل إدراجها في عملية سياسية لا تعرف نهاياتها البعيدة، ما دامت ضمنت مصالح بعض الوجهاء القادرين على تمثيل هذه الدوائر والمجموعات العشائرية.
وعشيرة “العجيل” التي ينتمي إليها “أبو لقمان”، إلى جانب عشائر “البريج والبياطرة والنعيم” هي العشائر التي يرشحها تقرير معهد واشنطن لشراكة فعالة مع ميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية لإدارة الرقة، بعد انحسار سيطرة (داعش) عنها، كما لصياغة سياسات تحول دون عودة التنظيم إلى الرقة. حسب تقرير المعهد.
ما له رمزيته وأهميته أيضًا، في سياق ما يجري في الرقة وحولها، أن الفارين من جحيم المعارك يقصدون الريف الشمالي للمحافظة، حيث لـ “الوحدات” الكردية سيطرة مطلقة، وحيث للأميركيين حضور وقواعد عسكرية، بينما يتجه مقاتلو تنظيم (داعش) إلى الجنوب، إلى البادية السورية المفتوحة على حدود العراق والأردن ومن ورائها العربية السعودية، والقريبة أيضًا من حمص وحماة والسلمية والسويداء. الأيام القادمة والخطوة التالية للتنظيم هما وحدهما ما سيكشف إن كانت بادية الشام ستكون لعناصر (داعش) تيهًا ومخبأً، كما كانت “تورا بورا” لطالبان، أم ستكون بدايةً لانطلاقة جديدة ووهم جديد.
[sociallocker] [/sociallocker]