إيران: دولة الميليشيات وميليشيات الدولة


مشعل العدوي

مع وصول الخميني إلى إيران عائدًا من منفاه الباريسي، بدأ بتنفيذ أفكاره الشيطانية التي كان يُحضّر لها لسنوات طويلة قبل وصوله، وأول هذه الأفكار هي إنشاء ميليشيات عسكرية خاصة به، تأتمر بأمره وحده، وتنتهي بنهيه، فكان الحرس الثوري الإيراني (الباسدران)، وفكرة هذا الحرس هي خليط بين الثورة البوليفارية التي قادها غيفارا، وبين عصابات الهاغانا الصهيونية خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فأخذ من البوليفارية فكرة تصدير الثورة بالقوة المسلحة من أجل إقامة (حكومة عالمية عادلة)، وأخذ من الهاغانا فكرة القمع والتهجير والقتل وتوطيد الحكم في الداخل، ولكنه أخذ من الطرفين فكرة القائد الأوحد والتبعية المباشرة والولاء المُطلق.

تكمن خطورة الحرس الثوري الإيراني في أنه تنظيم عقائدي وأيديولوجي مؤمن بولاية الفقيه وتصدير الثورة وحمايتها، حسبما وضعها الخميني، ويتم تدريبه وتعليمه بشكل خاص، ويختار المرشد شخصيًا قياداته، فولاؤهم المطلق للثورة ومبادئها وأهدافها هو أساس الاختيار. ولا تقف مهماتهم عند حد الدفاع عن إيران، وإنما تمتد إلى حماية النظام، وتصفية المعارضة والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج.

بعد أن انقلب النظام على رفقاء الثورة، وفي مقدمتهم منظمة مجاهدي (خلق) وحزب تودة الشيوعي، لعب الحرس الثوري دورًا جديدًا في قمع هذه المنظمة، وجميع من شاركوا في الثورة ثم خرجوا عليها بسبب انقلاب الخميني عليهم وانفراده بأفكاره ومحاربة التيارات السياسية الأخرى، وكان الحرس الثوري أداته في قضائه وحربه على من عدّهم أعداء الثورة على الرغم من أنهم صنعوها معه.

كانت نظرة الخميني ثاقبة في تأسيس الحرس الثوري، فقد أدى أدوارًا مهمة كثيرة في حماية النظام الإيراني؛ إذ كان له دور كبير في الحرب العراقية – الإيرانية، وكذلك في تتبع تنظيمات ومجموعات المعارضة المختلفة داخل إيران وخارجها، في الشرق الأوسط ومختلف دول العالم، وفي مقدمتها تدريبات فروع “حزب الله” الذي نثرته إيران وسط الأقليات والجماعات الشيعية في العالم العربي مواليًا لها ومؤمنًا بولاية الفقيه، ومقدمًا الولاء لولايته على الانتماء الوطني، وفي أثناء الثورة السورية دعا خامنئي عناصر الحزب الثوري للتراجع عن النشاط في بلدان العالم المختلفة، والتركيز على منطقة الشرق الأوسط في كل من سورية والعراق واليمن ولبنان، والتحريض على دول الخليج العربي. يتكون جسم الحرس الثوري من قوتين أساسيتين هما “الباسيج” و”فيلق القدس”:

قوات الباسيج: وتتكون من الشباب المتطوعين من الخلفيات الريفية المتدينة المتعصبة، ويقودهم ضباط الحرس الثوري، ومهمتها قمع معارضة الداخل، وكان لها دور كبير في قمع الحركة الخضراء، وحركات المعارضة التي تمثل شعوب إيران وأقلياتها المختلفة، والنشاطات السياسية المعارضة لنظام ولاية الفقيه، حتى إن آمنت به مثل الحركة الخضراء. وينسب للباسيج خاصة دور كبير في تزوير الانتخابات الرئاسية، لمصلحة محمود أحمدي نجاد عام 2009، وكذلك في الانتخابات النيابية التي شهدتها إيران، أوائل آذار/ مارس 2012.

فيلق القدس: وتتركز مهمة فيلق القدس في تنفيذ العمليات في الخارج، وتدريب الميليشيات والقوات الموالية لإيران في المنطقة والعالم، وكان أحمد وحيدي أول قائد لقوات فيلق القدس، والذي كان يشغل منصب معاون رئيس الاستخبارات في فيلق حرس الثورة آنذاك، وبعد شغله المنصب الجديد، قال وحيدي إن الغرض من تشكيل هذه القوة هو خلق “الجيش الإسلامي العالمي”.

عمليًا قائد الحرس الثوري يقوم بمخاطبة كافة الوزارات في إيران بما فيها وزارة الدفاع من دون العودة لأي شخصية حكومية مدنية، فهو أقوى من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وكلامه هو كلام المرشد الأعلى، فلا يُردّ له طلب، ولا يجرؤ أحدٌ أيًا كان على مناقشته أو التلكؤ بتقديم ما يطلبه قائد الحرس الثوري، وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.

لبنان

بعد النجاح الكبير الذي حققه الحرس الثوري الإيراني داخل إيران وتوطيد حكم الولي الفقيه، بدأ بإنشاء خلايا تابعة له في دول المنطقة:

بداية من لبنان، حيث أُعلن عن تشكيل الحزب عام 1982 بشكل رسمي، ودعم مباشر من إيران، وكان قد سبق نشوء الحزب بيئة فكرية واجتماعية كان يقودها الشيخ محمد حسين فضل الله، وفي عام 1983، كانت أكبر عمليه لحزب الله في لبنان، حيث قام بنسف مقر القوات الأميركية-الفرنسية؛ ما أسفر عن سقوط 300 قتيل من صفوف القوات الأميركية والفرنسية، وفي 16 شباط/ فبراير 1985، صدر بيان عن الحزب يقول فيه: إن الحزب ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني “مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”. وبعدئذ بدأ الحزب بتشكيل أذرع سياسية وثقافية واقتصادية ليؤسس لدولة مستقلة ضمن الدولة اللبنانية، تتبع للقيادة الإيرانية وبدعم مباشر من حافظ الأسد، وللحزب مجلس سياسي وآخر تخطيطي وكتلة نواب ومجموعات تنفيذية وهيئة استشارية، وله مؤسساته الخاصة، ومنها: مؤسسة جهاد البناء، الهيئة الصحية الإسلامية، جمعية الإمداد الخيرية الإسلامية، مؤسسة الشهيد، المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، مؤسسة الجرحى، هيئة دعم المقاومة، وتعتبر كل مؤسسه بمكانة وزارة في مجال عملها، وفي المجال الإعلامي يمتلك مركز الإمام الخميني للدراسات، وجريدة العهد، وإذاعة النور، وتلفزيون المنار، والحزب الذي بدأ بميليشيا مسلحة بذريعة محاربة “إسرائيل”، يسيطر اليوم على لبنان من خلال أخذ لبنان بكامله رهينة، يهدد بتفجيرها في أي لحظة.

العراق:

في ثمانينيات القرن الماضي أنشأت إيران خلية (نصر) في إيران والبصرة، والتي تم حلها ودمجها مع الحرس الثوري لاحقًا بعد سقوط بغداد، وكانت مُشكّلة من عملاء عراقيين وضباط في الحرس الثوري الإيراني، ليتم تشكيل أول ميليشيات عراقية تتبع الحرس الثوري الإيراني، وكانت ميليشيات (بدر) التي يقودها العميل هادي العامري الذي قد كان فر من العراق لسورية، ومنها إلى إيران مطلع الثمانينيات، لينضم هناك رسميًا للحرس الثوري الإيراني، حيث قاد فيلق (بدر) المُشكّل من عناصر عراقية هاربة وعناصر إيرانية، وشارك بعدة عمليات حربيه ضد العراق ومنطقة الأهوار، وبعد سقوط بغداد عمل العامري لفترة قصيرة في السياسية، وكان لفيلق (بدر) 22 نائبًا في البرلمان، وبهذا سار على طريق “حزب الله” لبنان، ثم ما لبث أن تفرغ للعمل العسكري ليرأس ميليشيات الحشد الشيعي، المكونة من عدة ميليشيات تعمل جميعها بإمرته، ويعمل هو بإمرة الولي الفقيه بشكل مباشر دون العودة إلى أي شخصية عراقية أيًا كان منصبها أو مستواها، حتى بات الجيش العراقي الرسمي بلا قيمه مقارنةً بالحشد الشيعي، وذلك كون الجيش العراقي يحوي بين أعضائه وقادته عناصر لا تؤمن بالولي الفقيه، وبالتالي هي ليست محط ثقة إيران، ويُموّل هذا الحشد من نفط العراق المنهوب من طرف الميليشيات والساسة العراقيين.

سورية:

في سورية، وبعد اندلاع الثورة عام 2011، باشر “حزب الله” اللبناني بتنظيم خلاياه في الداخل السوري وتسليحهم في أماكن تواجدهم في كفريا والفوعة وبصرى الشام وقرفا، علمًا بأن الحزب كان منذ الثمانينيات ينشط في سورية بين أبناء الطائفة، وكان النشاط محصورًا في المجال الدعوي والتثقيفي وإيفاد بعض رجال الدين إلى قُم وبعض الطلاب للجامعات الإيرانية ليُشكّل هؤلاء جميعًا لاحقًا ومع اندلاع الثورة السورية نواة لميليشيات سورية تعمل بالتنسيق مع الميليشيات العراقية وتحت أمرة قاسم سليماني، ولكن لكون أعداد السوريين المواليين للولي الفقيه قليلة، سعوا لشراء أفراد من بعض الأقليات الأخرى وخاصةً من منطقة الساحل.

وجدت القيادة الإيرانية أن عملها على إنشاء ميليشيات أفضل من الاعتماد على الجيوش النظامية، وذلك لعدم إعطاء تدخلاتها في خارج إيران الصبغة الرسمية كجيش يمثل دولة، وفي ذلك يبقى المجال مفتوحًا أمام إيران للتنصل في حال واجهت ضغوطًا من أي طرف، وهذا ما فعلته في اليمن، وتحاول فعله في كل من البحرين والسعودية والكويت، إنها تريد تحويل دول المنطقة من دول إلى ميليشيات تتبع الولي الفقيه.




المصدر