‘نيو يورك تايمز: ما يمكن أن تعلمنا الثورة الروسية عن ترامب’
4 يونيو، 2017
أحمد عيشة
وصول لينين إلى محطة فنلندا في بتروغراد. سمحت السلطات الألمانية لـ لينين بعبور ألمانيا، في طريقه إلى بتروغراد، في قطار مغلق. صور جيتي
قراءتنا هذه الأيام مليئة بالذكريات السنوية، والفضائح. هذا العام، حشدٌ من الكتب الجديدة المتعلقة بالذكرى المئوية للثورة الروسية يجتاح المكتبات. وعلى جبهة الفضيحة، لا يكاد يمر يومٌ واحد من دون إهانة مثيرة وجديدة ومربكة ومزعجة لإدارة ترامب.
هل يمكن للكتب المنشورة حديثًا، حول الثورة البلشفية، أنْ تساعدنا في فهم فضائح الرئيس ترامب التي تركّز على روسيا؟ من الممكن أن نتفاجأ.
يعدّ العديد من الكتابات المعاصرة ثورةَ 1917، أكثر قليلًا من مؤامرةٍ ألمانية، وهذا الرأي منتشرٌ بخاصةٍ الآن في روسيا نفسها، حيث “الثورة” تُعدّ كلمةً قذرة. نادرًا ما يكون الناس سعداء لشرح الثورات باستخدام المنطق السياسي المألوف، حيث تُفسر أحداث التاريخ المتغيرة على أنها أمرٌ حتمي، مثل مشيئة الله، أو تدخّل قوة أجنبية. ومع انهيار الشيوعية، فإن العديد من الحكايات الشعبية عن الثورة الروسية حوّلت اهتمامها الآن من صعود الجماهير نحو سرديات التجسس التي تُظهر كيف أنّ الألمان- كما قال ونستون تشرشل- “نقلوا لينين في شاحنةٍ مغلقة، مثل عصية الطاعون، من سويسرا إلى روسيا”.
الآن، كما يعدّ كثيرٌ من الناس انتصار السيد ترامب في الانتخابات ليس أكثر من نتيجةٍ لمؤامرة روسية، إذا فهمنا لماذا ساعد الألمان البلاشفة في عام 1917، وما حدث بعد ذلك، يمكننا التوصل إلى فهمٍ أفضل، لمَ قد تكون موسكو انجذبت لمساعدة حملة ترامب، في عام 2016، وما يمكننا أن نتوقع بعد ذلك؟
تشير مقارنة عام 1917، إلى أنَّ روسيا تدخلت في السياسة الأميركية، لأنهم كانوا يكرهون هيلاري كلينتون أكثر من دونالد ترامب. وبالتأكيد، فإنَّ ألمانيا القيصر، لم تكن متعاطفةً مع أحلام فلاديمير لينين الثورية. لو أنَّ المنشق البلشفي كان ألمانيًّا، لكانت السلطات قد ألقته في السجن، لكن لينين كان روسيًا، حيث أدركت القيادة الألمانية العليا أنَّ ثورة روسيا مفيدةٌ لألمانيا في الحرب. وبالمثل، يبدو أنَّ هدف موسكو الرئيس في عام 2016، كان تشويشًا كبيرًا أكثر من أيّ شيء آخر. إنَّ التشديد بلا مبرر، على الروابط الأيديولوجية أو غيرها من العلاقات بين الكرملين والرئيس الأميركي، سيكون أمرًا مضللًا.
كما يعلمنا تاريخ روسيا أنّه بالنسبة إلى سياسيّ ثوري مثل لينين، فإنَّ العدو الحقيقي داخلي. في نفس الطريقة التي رأت فيها ألمانيا البلاشفة، كأدواتٍ لتحقيق أهداف الحرب الألمانية، رأى لينين ألمانيا أداةً لتحقيق ثورته. شيءٌ مماثل على الأرجح، وصحيح بالنسبة إلى السيد ترامب. فعلى الرغم من أنّه من غير المحتمل أن يتآمر الرئيس شخصيًا مع الروس، فإنّه ربما لم يعترض على الآخرين الذين يستفيدون من دعم روسيا لكي يفوز. إنَّ الأولوية الأخرى الوحيدة للسيد ترامب بمعزل عن “أميركا أولا” هي “النصر الانتخابي أولًا”.
هذا يجعلني أعتقدُ أنّه على عكس مخاوف كثيرٍ من نقاد السيد ترامب، حتى لو كان الرئيس وحملته تعاونا فعليًا، عن قصدٍ أو عن غير قصدٍ، مع موسكو خلال الانتخابات، فهذا لا يعني، بأيّ حالٍ من الأحوال، أنَّ الإدارة الجديدة ستكون وديةً مع روسيا، أو مسيطرًا عليها من قبلها. من بين أمور أخرى، بالنسبة إلى روسيا، حتى تسيطر على السيد ترامب، يجب على الرئيس أن يكون على درجةً خاصة من ضبط النفس، وهو لا يملكها. ومن المفارقات أنَّ تدّخل روسيا المزعوم في الانتخابات الأميركية، لصالح السيد ترامب، يجعل التعاون بين الولايات المتحدة، وروسيا أقلَّ احتمالًا. إنَّ خوف البيت الأبيض، من أنْ يُنظر إليه على أنّه متساهلٌ مع موسكو، يقلّل من استعداده للعمل مع روسيا، وقد يصبح هذا بالفعل السمة المميزة للسياسة الخارجية للإدارة.
على الديمقراطيين أن يتعلموا على وجه الخصوص درسًا آخر من عام 1917، وأن يتخلوا عن أحلامهم الاتهامية: إنّ كشف العلاقة الروسية المزعومة للسيد ترامب، لن يؤدي إلى نزع الشرعية عن الرئيس تلقائيًا. كانت قصة مسار لينين إلى السلطة عن طريق عربةٍ مغلقة مختومة معروفة للجمهور الروسي، إلى درجة أنْ أصدرت الحكومة المؤقتة أمرًا بالقبض على زعيم البلاشفة، ولكن لم يكن هذا كافيًا للاستخفاف به، أو بالثورة من قبل أنصاره.
في جوٍّ من الاستقطاب السياسي الراديكالي يكتسب الزعماء الثقة ليس لما هم عليه، ولكن لمن هم أعداؤهم. وفي نظر العديد من الجمهوريين، الرئيس ترامب قد يكون له الطبع الخاطئ، ولكنه يمتلك الأعداء الحقيقيين.
قد تكون قصة عام 1917 مفيدةً لرئيس الكرملين فلاديمير بوتين أيضًا. إنَّ استراتيجية ألمانيا لمساعدة القوات الثورية في روسيا لإنجاز الأهداف الجيوسياسية الألمانية، كان لها نهاية غير سعيدة: الثورة في روسيا خلّصت البلاد من الحرب العالمية الأولى، لكنها نشرت الحمى الثورية في جميع أنحاء أوروبا، وجلبت الحرب الأهلية إلى ألمانيا.
تواجه روسيا بوتين خطرًا مماثلًا، إذ يشير تقريرٌ، صدر مؤخرًا عن مركز أبحاث قريب من الكرملين مكرس لظهور الشعبوية التكنولوجية، إلى أنَّ الموجة الشعبوية الرائجة في جميع الديمقراطيات الغربية، يمكن أنْ تصل قريبًا إلى روسيا، وتصبح تهديدًا خطيرًا للنظام السياسي في البلاد، خلال الدورة الانتخابية المقبلة.
إنَّ السخرية، من الوضع الحالي، هي أنه بعد مضي قرنٍ على الثورة البلشفية، تخاطر موسكو بتكرار الخطأ نفسه الذي قامت به ألمانيا عام 1917، وهو: الاعتقاد بأنّ الثورات يمكن أن تكون حليفًا موثوقًا في تحقيق النتائج الجيوسياسية. النقطة التي يخشى الأميركيون من خسارتها هي أنّ الثورة الحالية في واشنطن لا يمكن تفسيرها ببساطةٍ كنتيجة لتدخل روسيا. كانت أولًا، وقبل كلَّ شيء، محليةَّ الصنع.
اسم المقالة الأصلية What the Russian Revolution Can Teach Us About Trump الكاتب إيفان كراستيف، Ivan Krastev مكان وتاريخ النشر نيو يورك تايمز،The New York Times، 31/05/2017 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/05/31/opinion/russian-revolution-1917-donald-trump.html?em_pos=small&emc=edit_ty_20170601&nl=opinion-today&nl_art=8&nlid=77714386&ref=headline&te=1&_r=0 ترجمة أحمد عيشة
[sociallocker] [/sociallocker]