‘اللواء محمد الحاج علي: الجيش السوري لم يكن مهيئًا لحرب حزيران’
5 يونيو، 2017
آلاء عوض
أكد اللواء المنشق محمد حسين الحاج علي، في حديث خاص لـ (جيرون) أن واقع القوات المسلحة السورية الواهن، قبل حرب حزيران/ يونيو، كان من أبرز أسباب الهزيمة، في إشارة إلى أن الأركان السورية كانت خارجةً من أزمة الانقلابات التي أفضت بدورها إلى تفكيك كتل الجيش، وأضاف: “سبقت الحربَ مشكلاتٌ كبيرة حالت دون أن يكون الجيش جاهزًا لخوض حرب مع العدو الإسرائيلي، فمنذ انقلاب حسني الزعيم عام 1949 انصرفت القيادات العسكرية للصراعات السياسية، وحدث بعدئذ عدة انقلابات؛ أدت إلى استهلاك الخبرات العسكرية الموجودة من خلال التسريح والطرد والسجن والإعدامات بحق قيادات رفيعة، وسيطرت عقلية الشللية والشك والريبة والتعيين حسب الولاء، وليس حسب الكفاية، وتسرّح آلاف من الضباط وصف الضباط المؤهلين بدورات عسكرية عالية، يضاف له ضعف الكفاءة القتالية للعسكريين الموجودين المتبقين، وضعف التأهيل العسكري للقيادات بمختلف مستوياتهم، من القائد العام وصولًا إلى الجندي”.
وأشار اللواء الحاج علي، إلى أسباب أخرى قادت للهزيمة: “لم يكن هناك تدريبٌ كاف لتشكيلات الجيش السوري، لم تُسبك المعرفة والخبرات ما بين العسكريين ضمن الوحدة الواحدة من أجل القتال، كما أن كفاية الأسلحة السورية كانت أقل بكثير من الأسلحة الإسرائيلية، علاوة على ضعف التنسيق بين مختلف صنوف القوات، وضعف القيادة والسيطرة على القوات، وخاصة وسائط الاتصال بين هذه القيادات في الوقت الذي كان ينبغي أن تتضافر كافة جهود الأسلحة لإنجاز المهمة”.
ويرى اللواء أن التركيب العسكري للقوات المسلحة السورية، في إبان الحرب، كان على النحو التالي: “كانت القوات السورية المسلحة تتألف من 5 ألوية مشاة عاملة، ولواءين دبابات، 4 ألوية مشاة احتياطية، لواءين جويين، و8 أفواج دفاع جوي، وعدد الطائرات القتالية التي كانت موجودة في سورية، آنذاك، كان 75 طائرة، من طراز ميغ 19 وميغ 21، وكان يوجد 5 مطارات تنطلق منها الطائرات، إضافة إلى طيارين مخضرمين، وفي اليوم الأول من الحرب 6 حزيران/ يونيو 1967 دُمّرت نسبة 75 بالمئة منها ما يعادل 55 طائرة، ودُمّرت المدرجات بالكامل، ونُقل ما تبقى منها إلى مطارات حلب ودير الزور، إذًا فقدت القوات المسلحة السورية كامل العتاد الجوي، وغدا الطيران الإسرائيلي حرًا طليقًا، يتصرف كما يشاء في سماء سورية”.
مُجريات الحرب
وفي تفصيل مجريات المعركة، قال الحاج علي: “انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم، ووجهت ضربة مركزية على الجبهة المصرية، وأخرى ثانوية على الجبهة الأردنية، وبعد انهيار الجيش المصري والأردني، اتجهت نحو الجبهة السورية، وكان من المفروض على القوات السورية استثمار انشغال القوات الإسرائيلية بتصفيتها للجبهتين المصرية والأردنية، إلا أن القوات تلك لم تكن مستعدة للخوض في حرب، ولم يكن لديها خطط عسكرية للهجوم على الإسرائيليين في فلسطين، إذ لم يكن هناك وسائط عبور لنهر الأردن، ما ينمّ عن غياب الخطط والنيات والاستعدادات للهجوم”.
أضاف: “في صباح 9 حزيران/ يونيو شكلت (إسرائيل) 3 مجموعات قتالية (مجموعة الشمال، المجموعة الوسطى، المجموعة الجنوبية) وشكّل التفوق الجوي الإسرائيلي والسيطرة الجوية المطلقة للطيران الإسرائيلي عاملًا رئيسًا في حسم الدور، انتقلت القوات الإسرائيلية للهجوم على الاتجاه السوري بعد تمهيد ناري كثيف، بواسطة الطيران على كامل جبهة الجولان، أطلقت عليها اسم (عملية المطرقة) في أقصى شمال فلسطين، وكان تقدمها بطيئًا ومحدودًا بفضل مقاومة الجيش السوري، إلى أن انسحبت هذه القوات جميعها، في ليل 10 حزيران/ يونيو، من دون أن يعلم أحد أسباب انسحابها”، ويعتقد اللواء أن هذا الانسحاب “كان نتيجة اتفاق بين القيادة العامة والقيادات الميدانية على الأرض، ونتيجته لم يجد الإسرائيليون صباح العاشر من حزيران أي قواتٍ تصد هجومهم؛ فتمكنوا في يوم واحد من احتلال الجولان كله”.
في سياق متصل، أشار الحاج علي إلى أن صدور البيان رقم 66 عن وزارة الدفاع الذي أعلن سقوط القنيطرة كان من أبرز معالم التواطئ لهذه الهزيمة؛ لأن القوات الإسرائيلية، في ذلك الوقت، كانت بعيدة عن القنيطرة ما يزيد عن 8 كلم. “البيان مريب، ويدفع إلى الشك في وطنية من أصدره، ويوحي بعمالة واتفاق، ولا سيما أن الأسباب الفعلية لهذا الانسحاب لم يُعلن عنها، وصدر من دون تواصل مع قيادة الجبهة التي كانت موجودة في القنيطرة وقتئذ، والتي أكدت بعد فترة وجيزة أن القوات الإسرائيلية كانت بعيدة، ولم تتقدم حين صدور البيان”.
لافتًا إلى أن حافظ الأسد “يدّعي أن ضباطًا من الجبهة تواصلوا معه وأخبروه أن القنيطرة سقطت، إلا أن هذا العمل ليس عسكريًا بالمطلق، وخصوصًا أنه وزير الدفاع وقائد الجيش، وتقع على عاتقه مسؤولية كبيرة، وتشترك معه في هذه المسؤولية القيادة البعثية آنذاك، لأنها لم تحاسب أحدًا على هذه الجريمة”.
الارتدادات وبقايا الجيش
شدد اللواء المنشق أن ارتدادات هزيمة حزيران كانت كبيرة جدًا، وتركت أثرًا عميقًا على هيئة الأركان السورية، وقال: “فقدت القيادات العسكرية ثقتها بنفسها وبالقيادة، ومن ثمّ أثرت في مستويات التدريب والتأهيل داخل صفوف الجيش، وأصاب العسكريين عجز نفسي وشعور بعدم القدرة على مواجهة “إسرائيل” في الحروب القادمة، وانعكس على دواخلهم، وانعدمت الثقة بالقيادة، وتزعزعت الثقة ما بين القيادة والمنفذين في الميدان، خاصة أن قسمًا كبيرًا من الجنود لم يرَ العدو أمامه، وانسحب من دون أن يقاتل”.
وعن الجيش السوري وما تبقى منه، قال: “منذ استلام حافظ الأسد وزارةَ الدفاع لم يبقَ من الجيش السوري شيء، أصبح جيشًا لعائلة الأسد، وليس للدفاع عن سورية، وأكبر دليل على ذلك تنصيب 8 فرق حول مدينة دمشق، في حين أن العدو في الجولان، إذًا هو سخّر هذه الفرق لحمايته وليس للدفاع عن الوطن السوري، ما من مبرر لوجود هذه الفرق الكثيرة على تخوم دمشق والعدو في مكان آخر”.
لافتًا إلى أن كتلة هذا الجيش بعد الثورة اندثرت كليًا “بعد الدمار والخراب الفكري والاجتماعي والنفسي والأخلاقي للقوات المسلحة واستخدامها من قبل النظام أذرعًا لقتل الشعب، ونشوء شرخ عمودي بين الشعب السوري. ما بين موالٍ للأسد بالقوة ومعارض بقوة، انفض الجيش”. معتبرًا أن “سورية كانت بالأساس مُهيأة لهذا الانحلال العسكري والسياسي؛ فبعد 50 عامًا من حكم عائلة الأسد كان لا بد من تهاوي الجيش السوري الذي غدا مواليًا لعائلة الأسد لا للوطن، وكل ذلك حصل وفق خطةٍ، كانت بدايتها تسلّم حافظ الأسد لوزارة الدفاع عام 1966”.
[sociallocker] [/sociallocker]