حركة المقاومة السرية في الجولان المحتل
5 يونيو، 2017
أيمن أبو جبل
تأسست حركة المقاومة السرية السورية في الجولان المحتل، في الأول من حزيران/ يونيو 1984، وكانت امتدادًا نضاليًا ورافدًا تاريخيًا وسياسيًا لمسيرة الحركة الوطنية السورية في الجولان التي شقت طريقها في الزمن النضالي الصعب، منذ أن وطئت أقدام الإسرائيليين أرضَ الجولان.
توجت الحركة انطلاقتها، بعد عامٍ من العمل السري، من دون أي دعم أو إسناد من أي جهة كانت، في عملية جريئة دمّرت خلالها مستودعَ أسلحة لقوات الجيش الإسرائيلي في منطقة “بئر الحديد ” قرب بقعاثا؛ وأسفرت العملية عن إصابة أحد جنود الاحتلال من جرّاء انفجار لغم أرضي، كانت إحدى الخلايا قد زرعته في محيط المستودع.
كشفت السلطات الإسرائيلية التنظيم في آب/ أغسطس 1985 واعتقلت جميع أعضائه (عشرة شبان) وعدّت أجهزة الأمن الإسرائيلي كشفَها التنظيم انتصارًا. فقد سبق للمقاومة أن نفذت العديد من العمليات بدءًا من رفع العلم السوري، وتفكيك وزراعة ألغام مضادة للأفراد والدبابات، والاستيلاء على عشرات القنابل اليدوية والدخانية من المخازن العسكرية، إضافة إلى إحراق وتفجير قذائف الدبابات في منطقة بئر الحديد.
حققت المقاومة الوطنية السورية في الجولان إنجازاتٍ قيمة في مسيرة الكفاح الوطني، أبرزها استمرارية العمل الوطني والنضالي ضد السلطات الإسرائيلية، وارتقاء عمل المقاومة الوطنية إلى الجانب العسكري المنظم، وانتهاج الكفاح العسكري وسيلة في النضال الوطني ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجولان المحتل، بعد ضرب العديد من الأطر والشبكات السرية، خلال السنوات التي سبقتها، واعتقال معظم أفرادها.
استطاعت المقاومة السرّية حمل راية الكفاح عسكريًا لفترة زمنية قصيرة، في عُرف العمل السري المقاوم، وكانت مصدر قلقٍ لأجهزة الأمن الإسرائيلية التي ركزت جلّ اهتمامها وعمل عملائها من أجل الكشف عن الجهة التي تقف وراء الأعمال العسكرية، في تفكيك وزراعة الألغام والاستيلاء على القنابل اليدوية في مخزن مستوطنة “نفي أتيب” وتفجير المخزن.
في منتصف الثمانينيات، نفذت سلطات الاحتلال حملات اعتقال عشوائية ومسعورة في صفوف الوطنيين في بقعاثا ومجدل شمس ومسعدة، واستطاعت مراقبة تسلسل بعض العمليات والوصول إلى خيوط أولية، تمثلت في اعتقال عضوين في خلية سرية، كانت تعمل ضمن صفوف حركة المقاومة السرية، ومن ثم تمكّنت من الكشف عن جميع أعضاء الحركة واعتقالهم تباعًا، وأُصدرت أحكام جائرة بحقهم، راوحت بين أربعة سنوات وحتى 27 عامًا.
في المعتقل، بعد مرحلة التحقيق، عملت الحركة على إعادة بلورة التنظيم سياسيًا، في ظل ظروف المعتقل، كهوية سياسية تعبر عن الأسرى العرب السوريين في سجون الاحتلال؛ فكان لا بد من البدء في عمليات تثقيفية لصقل الشخصية السورية، بأبعاد فكرية وسياسية وعقائدية، تستطيع أولًا مواجهة الظروف الجديدة التي أفرزتها شروط السجن والاعتقال، وتعبّر ولو بالحد الأدنى عن الهوية السورية داخل المعتقلات الإسرائيلية، إلى جانب الهوية الوطنية الفلسطينية المتمثلة بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية. وبعد معارك طويلة خاضها أسرى الجولان العرب السوريين مع بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل إبراز واستعادة وجود وتمثيل الهوية الوطنية الممثلة للساحة السورية في المعتقلات الإسرائيلية، تلك الهوية التي دافع عنها رواد الحركة الاعتقالية السورية من أبناء الجولان، منذ منتصف السبعينيات حتى منتصف الثمانينيات، استطاعت حركة المقاومة السرية أن تكون جزءًا أساسًا في معارك الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية، ورافدًا مهمًا من روافدها الوطنية والنضالية، وذلك من خلال الدور الكبير الذي لعبه أفرادها في نضال الأسرى والمعتقلين، بالإضرابات العديدة المفتوحة عن الطعام، ومواجهة إدارة القمع في مصلحة السجون وأجهزة استخباراتها، وخوض معارك نضالية وسياسية عديدة لتحسين شروط الاعتقال وظروفه، والوقوف بحزم أمام أي تفريط أو مساومة على حقوق وإنجازات الأسرى، بالمشاركة التامة في صنع واتخاذ القرارات النضالية والاعتقالية، في ضبط الحياة الداخلية للأسرى من جهة، ووضع برامج المواجهة والصمود ضد سياسة السلطات الإسرائيلية وانتهاكاتها وإجراءاتها القمعية التي تصب في تجريد المناضلين من قيمهم السياسية والوطنية، وإفراغ محتواهم الإنساني والأخلاقي والاجتماعي تجاه قضايا شعبهم في الأرض المحتلة.
إن تجربة السجن والاعتقال تتطلب، من أجل تجاوزها، العديدَ من عوامل الصمود، وأهمها توفر القناعة النضالية بالقيمة الإنسانية والأخلاقية للإنسان وقضيته الوطنية، والعمل من أجل رفدها بالمزيد من الركائز المعنوية والروحية التي وفرتها للأسرى السوريين الحركة الوطنية السورية في الجولان المحتل من خلال مسيرتها الكفاحية ضد السلطات الإسرائيلية، وكانت رافدًا من روافد صمود الأسرى في معاركهم الاعتقالية، وشكلت العلاقة العضوية ما بين الداخل والخارج معادلة الصمود البطولية التي يفتخر بها أبناء الجولان، وكل مناضلي الحرية في الأرض المحتلة وخارجها.
إن معادلة الصمود تلك ما زالت مجبولة بآهات وأوجاع وأمراض عشرات الأسرى المحررين، وبشهيدين جولانيين مضىيا (هايل أبو زيد، وسيطان الولي).
[sociallocker] [/sociallocker]