مع تتابع النكسات ومرور خمسين عاماً.. ماذا تبقى من نكسة حزيران في نفوس العرب؟

5 يونيو، 2017

رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

تمر اليوم الذكرى الخمسون لحرب عام 1967، التي سماها العرب النكسة، لأنهم  خسروا فيها مزيداً من الأراضي لصالح إسرائيل بعد هزيمة كبيرة لحقت بهم خلال أيام ستة.

وشنّت إسرائيل في 5 من يونيو/ حزيران 1967، هجوماً على مصر والأردن، وسوريا، حيث تمكنت من احتلال شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان.

وامتدت الحرب من 5 إلى 10 يونيو/حزيران، وأدت إلى مقتل نحو 20 ألف عربي و800 إسرائيلي، وتدمير من 70 -80 بالمئة من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2-5 بالمئة في إسرائيل، وفق إحصائيات إسرائيلية.

وترتب على “النكسة”، وفق إحصائيات فلسطينية تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، معظمهم نزحوا إلى الأردن، ومحو قرى بأكملها وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية المحتلة.

كما تم تهجير نحو 100 ألف سوري من مرتفعات الجولان، ولم تنته تبعات حرب 1967 حتى اليوم، إذ ما تزال إسرائيل تحتلّ الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان لحدودها، فيما تحاصر قطاع غزة، براً وبحراً وجواً.

النكسة هزت العرب

ومنذ حرب حزيران حتى اليوم شهدت المنطقة تغيرات كثيرة، ونكسات كبيرة، كانت امتداداً لما حصل في تلك الحرب.

وبحسب الباحث والمفكر الفلسطيني محمد شاويش الذي قال لـ”السورية نت” إن “الهزيمة العسكرية الكبرى عام 1967 هزت الروح العربية من الأعماق. وكان العرب يومها منشدين إلى مشروع نهضة وآمال عظيمة صاحبت تخلصهم من الاستعمار المباشر، ولم تكن ثمة مواجهة عسكرية مستمرة مع المشروع الصهيوني من قبل، ولهذا كان يسود في صفوفهم الاستهتار بالقوة الصهيونية ومن وراءها من داعمين”.

ويضيف: “ثمة بعض الأدلة التاريخية على أن واقع القوة العسكرية الصهيونية لم يكن يخفى على عبد الناصر (الرئيس المصري جمال عبد الناصر) آنذاك، ولذلك كان يقول إنه ليست لديه خطة لتحرير فلسطين! لكن هذا لم يكن هو وجهة نظر مهوّشين (محرضين) في بلاد عربية أخرى، بعضهم كان أرعن قصير النظر مثل بعض بعثيي سوريا، والبعض الآخر كان أصلاً متواطئاً مع المحور الاستعماري الصهيوني وكان لا ينفك يستفز عبد الناصر ويعيّره بتقصيره في مواجهة ما يسمى إسرائيل، ومن هؤلاء بعض حكام العرب”.

ويوضح شاويش: “تضافر هؤلاء المزايدون معاً واستطاعوا في النهاية أن يجروا عبد الناصر بالفعل إلى اتخاذ إجراءات سهّلت للصهاينة تبرير العدوان في العالم. وقد نرى أن المزايدين لم يأتوا بلادنا بخير قط. لكن النكسة أظهرت للعرب ولعبد الناصر نفسه الوضعية المزرية للمؤسسة العسكرية المصرية، وقد قضى السنوات التي بقيت من حياته في إعادة بناء الجيش من الصفر على أسس قادت فيما بعد إلى التحسن الملموس في الأداء الذي رأيناه في حرب أكتوبر (تشرين)”.

وترى الدكتور براءة زيدان أستاذة التاريخ الحديث في حديثها لـ”السورية نت” أن عبد الناصر وقع في خطأ عندما تبنى القرارات السوفيتية، التي كانت أحد أسباب نكسة حزيران.

وبعد شرح مستفيض لتاريخ السياسة السوفيتية تجاه قضية فلسطين، وهو موضوع أطروحة قدمتها الدكتورة زيدان في جامعة دمشق قبل سنوات أضافت أن التاريخ يعيد نفسه اليوم وخاصة بالنسبة للسياسة الروسية في المنطقة، لكن بأشكال وظروف مختلفة، وتقول: “إن النكسة أساءت لنا ولتاريخنا ولشعوبنا العربية بشكل كبير، وها هو شعبنا العربي يدفع ثمناً باهظاً لتلك الهزيمة بشكل يومي ليستعيد كرامته”.

نكسة تبعتها نكسات

ومن وجهة نظر الأستاذة ميساء المدّرسة السورية والمقيمة بالنمسا فإن بشار الأسد ومن قبله أبيه حافظ الأسد لم يتركوا في حلوق جيلنا والأجيال التي تبعته أثراً لمرارة النكسة بين كل المرارات التي تغص فيها حلوقنا.

وتضيف في حديثها لـ”السورية نت”: “طبعاً لا أبرئ الاحتلال الصهيوني العنصري، لكن ألتفت لأجد السيسي الانقلابي المهرج من جهة وحال تونس المنهوبة بمخلفات نظام بن علي واليسار المتفرنس من جهة وسوريا والعراق واليمن وليبيا ومآسيها من جهة ثالثة لأجدنا جثة مثخنة بطعنات وجراح لم يبق فيها مكان لألم أي نكسة”.

أما الأستاذ عبد الكريم أنيس الكاتب السوري فيقول: “مرّ الآن نصف قرن من بعد النكسة العربية والإسلامية في فلسطين الجريحة، الجرح المفتوح لازال عصياً على العلاج، والظروف، الداخلية منها والخارجية، والذهنية التي تريد أن ترد الصاع للمجرمين الذين ساهموا بالنكسة لاتزال كما هي، بل لعلها أكثر سوءاً”.

ويرى أنيس في تصريحه لـ”السورية نت” أن “لا شيء يبشر إطلاقاً بصحوة ترد الحقوق، وتعيد ما هو مسلوب. المواطن المقهور والمسلوب الإرادة يمني النفس بالنصر وقد تنازل بفعل القهر والعسف عن القيادة لقواد جلّ انتصاراتهم كانت في محافل الوضاعة والوساخة، الدياثة وكسر حرية الإنسان في دول سمت نفسها بالدول الممانعة ورفعت لواء استرجاع ما هو مسلوب، فلسطين، فزاد الوضع اتساخاً بالطين”.

ويؤكد الباحث شاويش أنه “كان يمكن للنكسة أن تكون الهزة المطلوبة ليعود العرب ويتفهموا الثغرات في بنائهم الحضاري كله الذي جعل الهزيمة ممكنة، وقد ساروا جزئياً بالفعل في هذا الطريق ولو سيراً أعرج كانت تكبحه دوماً مكوّنات ما أسميه الوعي غير المناسب، لكن القوى الكبرى لم تكن تريد للعرب أن ينهضوا بل كانت تريد لهم ضربة تجعلهم يتبددون ولا تقوم لهم قائمة”.

ويضيف: “سلمت السلطة لقيادات عربية جديدة كانت تضمر القطيعة مع المبادئ النهضوية الكبرى التي وجهت العرب منذ مطلع القرن العشرين. وتمثل ذلك خصوصاً في انقلاب حافظ الأسد في تشرين الثاني عام 1970 وانقلاب السادات (..) وقد أسس هذان لسياسة داخلية قادت إلى تفكيك المنجزات الوطنية التي راكمها العرب في العقود السابقة”

ويتابع: “زاد الأمر سوءاً سياسة النهب للثروات الوطنية من قبل النخبة الحاكمة ونشر الإفقار مترافقاً مع تحول الحكام إلى حكام مطلقين تسبح الدعاية بحمدهم وكأنهم نوع جديد من الفراعنة الذين قال واحد منهم أنا ربكم الأعلى”.

ماذا عن اليوم؟

يقول الأستاذ عبد الكريم أنيس: اليوم “صرنا نود أن نعامل في أوطاننا وبلادنا وبين أهلينا فقط كمدنيين آمنين، وبالكاد هربنا بجلودنا وأصبحنا مشردين لاجئين مقهورين مكسورين، والنكسة باتت نكسات، وخيمة اللجوء صارت مخيمات وصرنا من أهل الشتات”.

أما المدّرسة ميساء فتقول: “نكسة حزيران صارت من ذكريات النعيم مقارنة بما وصل إليه حال العالم العربي وما يغرقه من مآس وابتلاءات وفظائع والغصة الكبرى حين يجري الواحد منا مقارنة بين إحصائيات ضحايا الاحتلال الصهيوني من بداية تاريخه وضحايا. الاحتلال الأسدي ليجد الأخير متفوقاً على إسرائيل في الوحشية والإجرام لا في القتل فقط بل حتى في التشريد والتنكيل ومعاملة المعتقلين حيث تبدو إسرائيل رحيمة متحضرة في هذه القضية بالذات (معاملة المعتقلين) قياساً بنظام الأسد”.

وبحسب الدكتورة براء فإن “العالم يمر اليوم بحالة مخاض شديد وإفرازات حرب حزيران وصلت لطبقات جديدة، ولا يزال الموقفان الصيني والروسي سيئين بالنسبة للعرب لكن نستطيع استغلالهما سياسياً وإن كان ماضيهما التاريخي ومواقفهما التكتيكتية معروفة”.

وتضيف: “ما وصلنا إليه اليوم من تشتت واقتتال سببه التاريخ المدسوس والموروث الثقافي المؤدلج الذي اندس لتاريخنا وصدقناه ولم نعد إلى حقائق أكثر أهمية تثبت عدالة قضيتنا”.

ويشير المفكر محمد شاويش في حديثه لـ”السورية نت” إلى الثورات العربية ويقول: “مع اندلاع الانتفاضات العربية الكبرى عام 2011 حل الانقسام السني الشيعي في الأذهان محل الانقسام الأصلي العربي الصهيوني أو يكاد يحل محله تماماً. وقد أعلن النظام الإيراني من قبل الأنظمة العربية وكثير من الجماهير العربية أيضاً عدواً جديداً أول غطى على العدو الصهيوني الموجود في خلفية الأحداث والذي يترك العرب يدمرون أنفسهم وهو يتفرج عليهم ويسير الأحداث من وراء ستار نفوذه الحاسم على دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة”.

ويضيف: “أعتقد أن السياسة الأمريكية في بلادنا خلافاً لبلاد العالم الأخرى تقررها الصهيونية ولا تسير حتى وفقاً لمقتضيات المصلحة القومية الأمريكية.”

وختم شاويش حديثه بالقول: “إن النكسة لم تكن مجرد معلومة نظرية من المعلومات لتنسى، بل هي واقعة على الأرض قد لا يتذكرها العربي لكنها تؤثر فيه كل يوم وكل ساعة، ولكن الحال العربية الآن يمكن وصفها بالانهيار، وفي هذه الحالة يكون الوضع أسوأ من أن يستطيع العرب أن يتذكروا شيئاً. وما الذي سيتذكره المصاب بالحمى؟ على الحمى أن تتوقف أولاً ليستطيع المريض أن يعود تدريجياً إلى وعيه ويعود ليفهم أين هو وما هو موقعه من العالم وما هو الحاضر الذي يجب عليه أن يغيّره وما المستقبل الذي عليه أن يعمل له”.

الجدير بالذكر أن آخر جولات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حصلت في إبريل/نيسان 2014، وقد توقفت المفاوضات منذ ذلك الحين جراء رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والقبول بحدود 1967 كأساس للتفاوض.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]