الكفالة في لبنان.. نظام مجحف ينتهي باحتيال أو اعتقال
7 يونيو، 2017
لا تتوقّف مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان على تصاعد الخطاب العنصري ضدهم والوضع الاقتصادي المتردّي عموماً، بل بات السوري مُلاحقاً هناك بطريقة تشبه إلى حدٍ بعيد ملاحقات نظام الأسد لمعارضيه. ليس تهمة التظاهر ولا القيام بنشاط سياسي ما هو ما يُعرّض السوري للملاحقة في لبنان، بل التخلّف عمّا بات معروفاً بـ “نظام الكفالة” اللبناني، والذي بات هاجساً يؤرق معظم السوريين في بلاد “الأرز”.
متطلبات
منذ أن تم وضع نظام الكفالة بالنسبة للسوريين الساعين للدخول والإقامة في لبنان، باتت مسألة الوجود القانوني للسوريين هناك بالغة الصعوبة، إضافةً إلى كونها مكلفةً بشكل كبير، حيث فرضت السلطات اللبنانية في نهاية عام 2014، شروطاً جديدة للدخول إليها، وطالبت بتقديم وثائق تبين سبب دخول السوري إلى لبنان في حال كان مؤقّتاً، أو البحث عن مواطن لبناني يقوم بكفالته بشكل سنوي.
وحسب المعلومات التي توفرت لـ “صدى الشام” فإن استخراج الكفالة في لبنان يتطلّب الاتفاق مع مواطن لبناني ليقوم بكفالة السوري، مقابل مبلغٍ يتراوح بين 200 – 400 دولار سنوياً، ويُضاف إليها 200 دولار رسوم وأوراق تُدفع للأمن العام اللبناني ليصبح المبلغ حوالي 500 دولار كحدٍ أدنى، إذ إنه مرشح للارتفاع إذا طلب الكفيل مبالغ إضافية.
ويشكل توفير هذا المبلغ عائقاً بالنسبة للكثير من السوريين الذين يعيشيون على المساعدات والأجور المتدنّية في أعمالهم، في مقابل الأسعار المرتفعة للسلع.
مخالفون بالجملة
بعد الدخول إلى لبنان واستخراج الكفالة بأوراقها المعقّدة ومبالغها الطائلة، فإنك تحتاج لتكرار العملية ودفع المبلغ ذاته لتجديدها في كل عام، وهو الأمر الذي جعل كثيراً من السوريين هناك ملاحقين كونهم لا يملكون وثائق قانونية بحكم عدم قيامهم بالتجديد.
فشلت كل محاولات أحمد أكتع، المواطن السوري المنحدر من مدينة حلب والمقيم في بيروت لتجديد كفالته وكفالة عائلته، أملاً منه في الحفاظ على وضعه القانوني في لبنان.
يقول أكتع لـ صدى الشام إنه يعمل بمبلغ 700 دولار أمريكي في بيروت ويقوم بالإنفاق على عائلته كاملاً منها، ويضيف: “راتبي الشهري لا يكاد يكفي لتأمين إيجار المنزل والمصاريف الأساسية كالطعام والشراب والفواتير، حتى طفلي لا أقوم بتدريسه في المدارس اللبنانية”.
ويوضح أكتع أنه إذا فكّر مجرّد تفكيرٍ بإجراءات تجديد الكفالة له ولزوجته وابنه فإنه سيضطر لدفع مبلغ 1500 دولار أمريكي، وهو ما يزيد عن مجموع راتب شهرين بالنسبة له.
وعلى غرار أحمد أكتع، فإن متوسط الرواتب للسوريين في لبنان لا يكفي في معظم الأحوال لتأمين الاحتياجات الأساسية، وبالتالي فإن التخلف عن القيام بإجراءات الكفالة ليس حكراً على أكتع، وإنما على السواد الأعظم من السوريين.
ضحايا
لا يتوقّف الأمر عند رسوم الكفالة المرتفعة، بل إنك قد تضطر للدفع دون أن تحصل على هذه الكفالة، وهو ما واجهه عدد من السوريين في لبنان، حيث تعرّضوا لعمليات نصبٍ واحتيال خلال محاولتهم استخراج الكفالة للمرّة الأولى أو حتى تجديدها، وبما أن المعاملات القانونية تتم في جزء كبير منها عبر مواطنين لبنانيين عاديين فإن باب الاستغلال والاحتيال يصبح مفتوحاً ومتاحاً للجميع.
“دفعت 1500 دولار لكفيلٍ لبناني على أن يقوم بكفالتي مع أفراد أسرتي الثلاثة، فأخذ الأموال وبدأ بتأجيل موعد إنجاز معاملة الكفالة، حتى أخبرنا أنه لن يقوم بكفالتنا أو كفالة أي أسرة سورية أخرى بعد أن حصل على الأموال”، هذا ما قاله الشاب السوري عبد الله، الذي يقيم في بيروت منذ منتصف عام 2015.
وأضاف متحدثاً لـ صدى الشام: “بالتأكيد لم أتقدّم بأي شكوى ضده، لأن الشرطة والقضاء وكل الجهات الأخرى ستقف معه ضدي ومن الممكن أن يقوموا بترحيلي”.
الحالة ذاتها واجهتها “أم رياض” وهي امرأة سورية تعيش في جنوبي لبنان، لكن الكفيل اللبناني أخبرها بضرورة التوجّه إلى العاصمة بيروت ليذهب معها إلى مقر الأمن العام، وبعد وصولها إلى بيروت لم تعثر على أي أثرٍ له.
ضرب مبرّح
“شهدت ُبأم عيني عدّة عناصر من الأمن اللبناني يعتقلون كل سوريٍ لا يحمل كفالةٍ بتاريخ جديد” هذا ما قالته أم رياض، مشيرةً إلى أن الأمن اللبناني اعتقلوا حفيدها بسبب عدم امتلاكه للكفالة، قائلةً: “لقد قاموا بضربه وإهانته في وسط السوق وأمام كل الناس ثم اقتادوه إلى السجن ولم يقوموا بإخراجه حتّى جدّد كفالته مرّةً أخرى”.
أما مهنّد، الشاب السوري الذي يعمل كحلّاق في ضواحي بيروت، فقد تعرض لضربٍ مبرح من قبل عناصر الأمن اللبناني، يقول مهنّد لـ صدى الشام: “لقد تغيّر الوضع كثيراً في لبنان، بتنا الآن نشاهد دورياتٍ وحواجز طيارة ونقاط تفتيشٍ كما كان في سوريا”، موضحاً أن جميعها تقوم بالعمل على البحث عن السوريين المخالفين لمعايير الكفالة.
وأضاف أنه حينما تم القبض عليه بحجّة عدم امتلاكه كفالةً بتاريخٍ جديد، اقتادوه إلى أحد الأفرع الأمنية وقاموا بضربه ضرباً مبرحاً.
وأمام هذه الانتهاكات، كان دور الأمم المتحدة سلبياً للغاية في معالجة هذه الظاهرة، فبحسب مصادر موثوقة، فإن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقوم بالتدخّل وحماية اللاجئ السوري المخالف للكفالة ولكن عليه قبل ذلك أن يتعهّد بألّا يعمل على الأراضي اللبنانية”.
وبما أن العمل أمر ضروري لتحصيل قوت معظم السوريين، فإنه من غير الممكن أن يقبل أحد بهذه الشروط التي وضعتها المفوضية، والتي أقل ما يقال عنها أنها تعجيزية، ليبقى السوريون في لبنان تحت رحمة رسوم الكفالة الباهظة والملاحقة الأمنية.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]