غرابيب سود.. مكافحة الإرهاب أم خدمته؟
7 يونيو، 2017
لم يختلف موسم الدراما هذا العام، عمّا سبقه من أعوامٍ سابقة إلّا بتصاعد وتيرة الأعمال المؤدلجة والموجّهة، والذي قابله انخفاض في جودة المُنتج، ليجد المشاهدون أنفسهم أمام مسلسلات باتت تحاكي أفكاراً مستهلكة ولا تقدّم أي جديد، سوى “الوجوه الصاعدة” التي لا يكاد يمضي يوم إلّا ونشهد ظهور وجه جديد منها.
وبعيداً عن الدراما السورية والأزمات التي تعانيها، فإن مسلسل “غرابيب سود” المُنتج عربياً والذي يجسّد نمط الحياة لدى ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يشكل نموذجاً للمرحلة التي وصلت إليها الدراما العربية، وما يرافقها من مهاترات وتجاذبات، أسوأ ما فيها أنها توحي بأهمية فنية غير موجودة.
عقيدة مَن؟
بعد عرض أكثر من 10 حلقات من المسلسل، بات لدى المتابع انطباعات واضحة وفكرة جليّة عن هذا المسلسل، الذي اعتبر النقّاد أنه يخدم تنظيم “داعش” وأفكاره أكثر مما يحاربه.
وعلى الرغم من أن أهداف المسلسل المعلنة هي محاربة التنظيم، إلّا أن ما يفعله المسلسل هو العكس، سواء عن قصد أو غير قصد.
وتقول الجهات الممولة لهذا المشروع إن هدفها هو مكافحة الإرهاب والتطرف، لكن المسلسل فعلياً لا يركّز على التنظيم بقدر ما يعمم أحكاماً على الإسلام.
وتتجلّى الخدمات التي يقدّمها المسلسل للتنظيم في أن الأفكار التي يضخها تعكس إلى حدٍ بعيد تصوراً مفاده، أن الفكر الذي ينتهجه التنظيم ما هو إلّا نتائج كافة المجتمعات الإسلامية التي تبارك عمليات الذبح والقتل والاغتصاب وتقييد الحريات، وبما أن المسلسل يتحدّث عن مفاهيم أساسية تمس المجتمع فإنه لا يُمكن فصلها عن ممارسات التنظيم إطلاقاً، وهنا تكمن الطامة الكبرى.
ورغم أن أحداث “غرابيب سود” تحاول نظرياّ “تفكيك العقيدة المتطرفة” للتنظيم إلّا أنّها اتجهت نحو المسلّمات في المجتمع المسلم، واستهدفت العقيدة الإسلامية بذاتها، فضلاً عن استخدام اللغة العربية الفصحى بما يساعد أيضاً على تعميم ما يجري من أحداث درامية على الوطن العربي وسكانه.
نقد أم ترويج؟
“جنس جنس جنس” تركيز ما بعده تركيز على هذا الجانب يلخّص العقدة الرئيسية التي بُني عليها العمل، إذ تسيطر المَشاهد التي تتمحور حول هذا الموضوع على معظم مشاهد المسلسل القائم على فكرة أن الجنس هو كل ما يريده تنظيم “داعش” في هذه الحياة.
ولم يقتصر “غرابيب سود” على التطرق لما يتعلق بالجنس الطبيعي بين المرأة والرجل، بل يعرض أيضاً مظاهر أقرب ما تكون إلى “البيدوفيليا” عبر إظهار عمليات اغتصاب للأطفال. ولا تكاد تمر دقائق طويلة في أحداث المسلسل دون محتوى يلمح إلى الجنس أو يدور في فلكه.
في أحد المشاهد يظهر أمير في التنظيم وهو يخاطب ثلاث نساء يلبسنَ البرقع، يُخبرهن بأن هناك مجموعة من الرجال سيأتون لممارسة الجنس معهنَّ، فيما تُبدي النسوة فرحة عارمة أمام هذا الموقف بطريقة تثير التساؤلات عن الغاية من وراء هذا المشهد!
هذه “الثيمة” في المسلسل لم تكن عبارة عن قصص عابرة تشير إلى تعطش ما لدى عناصر التنظيم، بل كان تأسيساً تُبنى عليه بقية الأحداث والوقائع، لذلك لم تكن تشتثني الممارسات الجنسية الأطفال في المسلسل.
لكن الأمر الأكثر لفتاً للنظر في الموضوع هو تسويق هذا العمل الدرامي غير المسبوق لدعاية “جهاد النكاح”، وهي دعاية أنتجتها المطابخ الأمنية للنظام السوري، وموّلتها إيران عبر أذرعها الإعلامية لتنتشر بسرعةٍ كبيرة، وهو ما يجعل الشبهات تزيد حول هذه العمل الأضخم عربياً كما وصفه أهل المهنة.
في مواجهة الجمهور
أثار المسلسل سخطاً واسعاً من قبل المتابعين سواء السوريين منهم أو العرب بالعموم.
وتمثّلت ردة الفعل الغاضبة هذه، بوسمٍ أطلقه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار#غرابيب_سود، ودعا فيه ناشطون إلى مقاطعة المسلسل وفضحه، حيث شهد المسلسل من خلال هذا الهاشتاغ سلسلة عمليات نقد واسعة، فمنهم من اعتبر أن المسلسل إساءةً لشخصية “المرأة المسلمة السنية” تحديداً دون غيرها، عبر تقديمها على أنّها متعطّشة للجنس بشكلٍ كبير. فيما رأى آخرون أن المسلسل يسيء إلى العقائد الدينية الأساسية التي لا علاقة لها إطلاقاً بتنظيم “داعش”، فهو يقوم بتسطيح القضايا وإظهار أي شخص متديّن أو حافظ للقرآن على أنه غير متوازن نفسياً، إضافةً إلى اعتباره إرهابياً يعشق القتل.
ولاقى الوسم نشاطاً كبيراً وعدداً هائلاً من التغريدات، التي لم يسلم منها المسلسل أو الممثّلون أو المخرج والكاتب وشركة الإنتاج وكل من له علاقة بهذا العمل.
وكتب الإعلامي السوري موسى العمر عبر صفحته على تويتر: “إذا كنت تريد التصدي لـ “داعش”، لكن ليس بتشويه ديني وإسلامي لأنه عقدي حساس، لا تشوه الدين الإسلامي بهذه الطريقة لأن الدين الإسلامي أنقى من هذه الأفكار.
وفي هذا السياق اتهم مغرّدون آخرون الطاقم القائم على المسلسل بأنه من الموالين لإيران التي تحاول تصدير هذا النوع من الدراما، حيث نشر ناشطون أسماء القائمين على الشركة المنتجة ومدير تلفزيون MBC، والممثّل الأول والممثّلة الأولى ومدير الإنتاج، وقالوا إنهم من التابعين لإيران ويحاولون نشر أفكار هذا المسلسل في المنطقة.
وللمفارقة فإن إحدى التغريدات قالت: إنه “قبل أعوام قليلة أوقفت mbc عرض مسلسل خليجي لأنه تناول “زواج المتعة” خشية إثارة الحساسيات لدى الشيعة، اليوم القناة ذاتها تفتري على المسلمين السنة بنكاح الجهاد في “غرابيب سود”. دون أن تخشى من عواقب ذلك. فأي حكمة وأي إدارة؟”.
أكثر من 10 ملايين دولار
في ظل غياب رقم دقيق لتكلفة هذا المسلسل، فإن أوساطاً مطلعة تشير إلى أنها تجاوزت 10 ملايين دولار أمريكي.
ويقول المتحدث باسم تلفزيون “MBC” القناة التي احتكرت البث: “إن فريق الكتابة والإعداد أجرى أبحاثاً طويلة، وإن تحضير العمل تطلّب أكثر من سنة، والتصوير استغرق أكثر من ستة أشهر”.
وأضاف: “أردنا قصصاً حقيقية مؤثرة تلامس وجدان الناس وتعكس الصورة البشعة للإرهاب والطرق التي يعتمدها”.
من جهته يشير المدير العام للشركة المنتجة، فادي إسماعيل إلى أن المشاهد الجاذبة والصادمة في المسلسل قد تعجب المشاهد أو قد ينفر منها، لكنه لن يستطيع أن يشيح بنظره عنها”، مبيّناً أن العمل يجسّد الدراما في أقوى ما يمكن أن تعطيه للمشاهد”.
ويُشار إلى أن “غرابيب سود” ليس التجربة الدرامية الأولى التي تهاجم التنظيم لكنها كانت الأكثر مباشرة، بعد المسلسل الكوميدي العراقي “دولة الخرافة” والذي كانت MBC قد عرضت بعض حلقاته، فضلاً عن المسلسل الخليجي الكوميدي “سيلفي” للممثّل ناصر القصبي، والذي يسرد أحداثاُ تتعلّق بالحياة اليومية للتنظيم، ومن ضمنه حلقةً تناولت قصة ربّ عائلة سعودي حاول الذهاب إلى مناطق سيطرة “داعش” في سوريا لإعادة ابنه الجهادي إلى وطنه، وبعد عرض الحلقة، تلقى الممثل السعودي ناصر القصبي تهديدات بالقتل عبر الإنترنت.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]