نحن وقطر المشيطنة


نزار السهلي

إشكالية قطر ليست جديدة؛ ذلك بأنها عقدةُ كثيرٍ من الدول في منطقة الخليج والإقليم. تضخمت تلك الإشكالية، منذ أكثر من عقدين، إلى أن وصلت ذروتها مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وقد ارتبط كثيرٌ من النعوت والأوصاف بسياسات الدوحة ودورها في المنطقة والعالم، بدءًا بتسمية “إمبراطورية الجزيرة”، إلى “الدولة المجهرية” التي أصبح لسياستها دورٌ محوري في كثير من قضايا المنطقة، على حساب تراجع كثيرٍ من السياسات التي يُفترض أن تلعبها دول كبرى في منطقة الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية، وعلى حساب تراجع سياسة مصر أيضًا، وانحدارها في عهد انقلاب عبد الفتاح السيسي.

خلال سبعة أعوام، تردد اسم قطر كلاعبٍ مهم تارة، وأخرى كـ “متآمر” في كثير من ملفات المنطقة. ولم تكن استضافة قادة (حماس) الإشكاليةَ والخلاف الأول مع عدة دول، مع أن هذا الملف يندرج في سلّم أولويات سهام النقد والهجوم على الدوحة، من محاور عربية ودولية، فقد جاءت مرحلة الثورات بذروتها السورية لتفتح الباب واسعًا أمام تباينات وتناقضات حادة، بلغت ذروتها في القطع الحاد للعلاقات الديبلوماسية من ثلاث دول خليجية محيطة بها، ومحاولة فرض ما يشبه الحصار على قطر، بذرائع عدة جوبهت بالرفض والنفي الرسمي لتلك المزاعم، ذرائع تمسكت بها كلٌّ من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، بعدَ حملة تحريض محمومة ضد الدوحة، في وسائل إعلام عربية ودولية.

في تلك الأثناء استطاعت الدوحة أن تلمس بعمق خاصيةَ دورها ومكانتها، بالرد على الهجمة المبيتة، من خلال التأكيد على “وفائها لمبادئ مجلس التعاون الخليجي، والإعراب عن الأسف العميق من خطوة البلدان الثلاث”. هذه الرؤية لا تعني نفي الأسباب الحقيقية الكامنة خلف التصعيد مع دولة قطر، خصوصًا إذا قلنا، بوضوح وشفافية إن “صلابة” الهجوم والأزمة تتعلق بملفين شائكين، هما الثورتان السورية والفلسطينية، وقد تمثل دور قطر بالراعي الأساس، في دعم هاتين الثورتين اللتين تخضعان لضغوط هائلة من المجتمع الدولي كله، وما تأكد وتعمق في السنوات الأربع الماضية، من قيادة الثورات المضادة في مصر وسورية وليبيا، يؤكدُ الأهداف التي بُنيت عليها جملة الافتراءات المشيطنة للدوحة على هذا الصعيد.

تسريبات العتيبة، وعلاقة محمد دحلان بمحمد بن زايد، وبعبد الفتاح السيسي، وعلاقة الأخير بخليفة حفتر، جاءت لقلب المشهد رأسا على عقب، وقد أعدّوا العدة لتكون الهجمة منسقة ومرتبة، وهو ما تمّ صبيحة الخامس من حزيران/ يونيو 2017.

المواقف ليست تجريبية أو ذرائعية فحسب، بقدر ما تريد رسمَ ملامح جديدة للأدوار والسياسات، في ما يتعلق منها بمنطقة الخليج، بمحاولة إعادة قطر إلى “حجمها الطبيعي” كما تشدقت صُحف السيسي عشية الهجمة، وكما صرح محمد دحلان، أي طالما توفرت الخلفية التي تؤسس للانقضاض على قطر ودورها، ليكون متاحًا تمرير كثير من المسائل التي يعتقد “الحلف المعادي” للدوحة أنها تشكل عقدةً في مواقفها في ما يخص كثيرًا من الملفات، هذا من ناحية المضمون، أما من ناحية الشكل فكثيرٌ من الدول ترى أنّ سبب تراجع سياساتها هو تصدّرُ الدوحة للمشهد السياسي لسنوات طويلة، وترى أن الوقت قد حان للحساب و”دفع الثمن”؛ لذلك نشهد حملة من الشماتة الرخيصة، بدأتها الماكينة الوقحة ذاتها التي فبركت وزوّرت مزاعم الهجمة.

منطق القطيعة مع قطر وسياساتها، ونفي كل النتائج أو جزء مما نعيشه اليوم، يبدو وكأنه جاء نتاجًا لكل التراكمات السلبية والمدمرة، لنظرة البعض العربي إلى الآخر العربي، ليصل إلى التحول النوعي المضاد الذي نشهده اليوم حتى من دول تنتمي  للمنظومة الخليجية ذاتها، هذا التحول المضاد يؤكد أننا نعيش تفاعل هزائم وفشل بناء الدولة والمجتمع في الأنظمة العربية، وانكسار مشروعاتها إلى حالة من التردي والهبوط المدمر، لم تعد أدوات ضغط الحرمان والفقر والجوع والتخلف والاستبداد مرتبطةً بإشعال النزاعات والفتن فحسب، بل ثمة شرور أخرى، بدأ إلصاقها عنوة بالدوحة.




المصدر