محاور عديدة يطرحها باحثون سوريون في ندوة برلين حول نكبة حزيران

10 حزيران (يونيو - جوان)، 2017
12 minutes

جيرون

انطلقت في برلين بألمانيا اليوم ندوة حوارية مفتوحة بعنوان (نصف قرن على حرب حزيران/ يونيو 1967)، أقامها مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، بمشاركة أكثر من 20 باحثًا سوريًا وعربيًا.

ونوقشت، خلال الندوة التي حضرها جمهور كبير من السوريين والعرب المقيمين في ألمانيا، جملةٌ من القضايا المتعلقة بالنكبة العربية الكبرى، أسبابها ونتائجها وتبعاتها، وسياسات النظام السوري تجاه سكان الجولان المحتل، والتكاليف السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، وسياسات “إسرائيل” لقضم الأراضي العربية المحتلة، والصمت الدولي حيالها، والدور الأميركي في دعمها.

الافتتاح:

وفي افتتاحه للندوة، اعتبر حازم نهار، المدير العام لمركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، أن الهزيمة المزمنة والمستمرة أمام “إسرائيل” هي نتيجة طبيعية لأنظمة هيأت باستمرار مناخًا ملائمًا لولادة هزائم جديدة؛ فقد شكَّلت أنظمة الاستبداد -وما تزال- الأرضية المولِّدة لجميع الهزائم عبر قهرها لشعوبها ونهب ثرواتها وإنتاج الخراب في المستويات كافة؛ وقال: “إن من يهزم شعبه غير معني بالتأكيد بهزيمة الأعداء”، ورأى أن الأسوأ من هزيمة حزيران/ يونيو كان الوعي الزائف والمضلِّل الذي أنتج الهزيمة، خصوصًا وعي الأنظمة الحاكمة والحركات القومية والشيوعية العربية.

وقال: إن نهج النظام في سورية ارتكز على عدة ركائز، أولها التشدد في “احترام” حدود “إسرائيل” (اتفاقية فصل القوات عام 1974) و”الاحتفاظ بحق الرد” في كل مرة تقوم فيها “إسرائيل” بالعدوان على سورية، والتهديد الكلامي بفتح جبهة الجولان في كل مرة يتعرض فيها النظام إلى التهديد، وثانيها بناء جيش كبير مترهل تحت شعار “التوازن الاستراتيجي”، وتحويله من جيش وطني إلى جيش في خدمة استمرار النظام فحسب، وثالثها بناء تحالفات سياسية متعارضة، مع روسيا والولايات المتحدة، ومع إيران ودول الخليج، تمنحه المرونة واللعب على التوازنات بقصد الاستمرار، ورابعها النزاع مع “الأنظمة القومية” المستبدة الأخرى بهدف احتكار “الشرعية القومية”، وخامسها محاولة الهيمنة على ورقة منظمة التحرير الفلسطينية، بما يتيح له المقايضة في السوق الدولي، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة أطرافها، وسادسها إنشاء حركات وجماعات مذهبية متطرفة يمكن استخدامها كأوراق، سواء تلك التي يطلق عليها اسم “المقاومة” أو “الحركات الأصولية”، بهدف تخويف البلدان المجاورة ودرء المخاطر عن النظام، وسابعها تغطية السلوكيات السابقة بالمبالغة الإعلامية والكلامية حول نهجه “الممانع” و”المقاوم”.

وواصل قائلًا: إن إزالة آثار عدوان حزيران لا تتحقق بالسلاح وحده، فإذا لم تكن الجيوش الوطنية تعكس في قوتها واقعًا اجتماعيًا صلبًا وقويًا، فإنها تصبح في أحسن الأحوال قشرة من حديد يسهل كسرها، فكيف إذا كانت الجيوش المبنية غير وطنية كما ظهر، بعد ربيع 2011؟ فالمعركة مع “إسرائيل” تعتمد بصورة رئيسة على تقدم الإنسان نفسه، وبناء دولة جميع المواطنين، ومفتاح ذلك إزالة الأنظمة التي أنتجت هزيمة حزيران ورعتها ونمّتها، طوال نصف قرن.

وأشار إلى أن سياسة النظام السوري تجاه الجولان ارتكزت، طوال نصف قرن، على أربعة أعمدة رئيسة: الظلم، التجهيل، التهجير، المتاجرة؛ أي ظلم أهله سياسيًا واقتصاديًا، وتجهيل السوريين بقضية الجولان وبأهله، وتهجيرهم من أماكن إقامتهم في ريف دمشق بعد انطلاق الثورة السورية، والمتاجرة بقضية الجولان داخليًا وخارجيًا؛ داخليًا لقمع المعارضين، وخارجيًا للمقايضة وابتزاز الآخرين ماليًا وسياسيًا.

وشدد على عدم وجود قضية وطنية سورية من دون وجود الدولة الوطنية السورية، الدولة الديمقراطية، دولة المواطنة واحترام حقوق الإنسان؛ وختم بالتشديد على أن الجولان كان سوريًا، وسيكون ويبقى سوريًا مهما طال الزمن.

من جانبه قال نزار أيوب: إن من بقي في الجولان من أهلها الأصليين لا يتجاوز 4 في المئة من الإجمالي، كانوا يأملون بعودة الجولان للوطن الأم، وبعد الثورة صارت هناك حرب على الهويات، وطُرحت الكثير من الأسئلة حول حاضر ومستقبل الجولان وحاضر ومستقبل سورية عمومًا، مشيرًا إلى أن تقسيم سورية هو مهم وأساسي بالنسبة لـ “إسرائيل” لتستطيع الاستئثار بالجولان نهائيًا.

وشرح أيوب عن نشاطات صالون الجولان التابع لمركز (حرمون)، وأهميته لإحياء قضية الجولان وتسليط الضوء على الصراع السوري الإسرائيلي، وأشاد بمستوى التفاعل من قبل أهالي الجولان ومواكبتهم ما يجري في سورية.

الجلسة الأولى

خلال الجلسة الأولى التي ترأسها محمود يزبك، تحدّث ميشيل كيلو عن أسباب ونتائج هزيمة حزيران، وأشار إلى وجود ثلاثة عوامل تضافرت وأدت لترتيب ضربة كبرى للعرب تُخرجهم من أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية، والمحاولات السياسية من أجل تنظيم خروج عربي من واقع متخلف متأخر تاريخيًا تحكمه قوى وأفكار وأشخاص ليست مناسبة للنهوض، وتحكمه عودة الجماهير لساحة السياسة، ووجوه جدية طرحت أفكارًا متقدمة، والتقى ذلك ببنية النظام العربي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، كما تحدث عن البيئة الدولية التي أدت لهذه النقلة الكبرى التي أخرجت العرب من أن رهان على الخروج من واقعهم والتحرر.

وتحدث كذلك عن الأنظمة العربية في مصر وسورية والعراق، والظروف المُهيّئة للحرب، وطريقة التعامل المستهترة للنظام السوري والمصري مع هذه المقدمات، وألمح إلى وجود رعونة وسقوط في هذه الأنظمة.

من جهته، تحدث يوسف سلامة عن الركود التاريخي والهزائم العربية، وحاول تحليل هزيمة حزيران فلسفيًا، في سياق تحليلها بأكثر من منهج، للكشف عن جوانب أكثر عمقًا للظاهرة الواحدة، نافيًا إمكانية وجود عامل واحد لتفسير هزيمة أمة كاملة، معتبرًا أن هزيمة حزيران هي سلسلة من هائم متواصلة وطويلة من الهزائم التي واجهها العالم العربي. وأشار كذلك إلى ضرورة كسر المنظومات القديمة وخلق منظومات تؤدي لإيجاد الإنسان الحر والمجتمع الديمقراطي، وهذه المنظومات برأيه هي المدخل لتجاوز آثار مرحلة حرب حزيران.

أما اللواء محمد الحاج علي، فقد تحدّث عن أسباب سقوط الجولان وسير العمليات العسكرية فيه، وتناول العمليات العسكرية على الجبهة السورية في حرب حزيران، مشيرًا إلى وجود مشكلات كبيرة كانت تعاني منها القوات المسلحة قبل الحرب، كالانقلابات والشللية والولاءات وضعف التسليح والتنسيق، وأهم شيء ضعف القيادة التي كان لها اهتمامات سياسية وليست ميدانية.

ثم قدّم موجزًا شديدًا لمجريات الحرب على الجبهة السورية، وكيف كان احتلال “إسرائيل” للجولان أمرًا مستحيلًا عسكريًا لتعقيدات المنطقة، وانتقد عدمَ التحضير العربي والهزيل، وعدم معرفة الكثير عن القدرات الإسرائيلية، وعدم وجود أي مبرر لانسحاب القوات السورية، وغيرها الكثير من التفاصيل العسكرية.

الجلسة الثانية

في الجلسة الثانية التي ترأسها بدر الدين عرودكي، قدّم طارق عزيزة قراءة في بعض المقدمات السياسية للهزيمة، وتحدث عن حال الجيش السوري والمصري في تلك الفترة، والمشكلات والظروف التي كانا يمران بها، وعرّج بتفاصيل على واقع الجيش والأخطاء والعشوائية والغموض في تصميمه وهيكليته ومهماته.

إلى ذلك تحدّث أحمد طعمة عن الإسلاميين بعد حرب 67، وتحدث عن صراع القوى الإسلامية في تلك الفترة، وعمق الأزمة في العالم الإسلامي، منذ خسارة مدرسة المعتزلة وسيطرة مدرسة أهل الحديث، ومن هنا بدأت الكارثة في العالم الإسلامي، وامتدت حتى العهد الحديث، وتحدث بإسهاب عن المدارس الفقهية ومدارس الأئمة، والتناقضات بينها، والثقافة الإسلامية التي هي ثقافة نص، وتحدث عن مخاطر الإسلام السياسي، وعن أهمية الديمقراطية داخل المجتمعات والدول.

الجلسة الثالثة

في الجلسة الثالثة التي ترأسها سمير سعيفان، تحدث بدر الدين عرودكي عن هزيمة حزيران بعيون معاصريها، متناولًا ما كتبه صادق جلال العظم في كتابه (النقد العربي لما بعد الهزيمة)، وما تناوله ياسين الحافظ في كتابه (الهزيمة والإيديولوجيا المأزومة)، وتفنيدهما لتلك المرحلة وتعليلهما للسياسات العربية والإسرائيلية في تلك الفترة، والسمات والجوانب التي تناولاها حول الهزيمة بشكل عقلاني وعلمي وواقعي ونقدي.

إلى ذلك تحدّث تيسير خلف عن هزيمة حزيران في الرواية الرسمية السورية، وعن فترة الانقلابات السابقة للهزيمة، ثم الوحدة والانفصال، وانقلابات البعثيين، وصولًا إلى الهزيمة واحتلال الجولان، وأشار إلى ندرة الأرشيف، أو بالأصح محاولة إخفائه، والقضاء على الشهود على تلك الفترة، كما تناول شهادات مسؤولين سوريين في تلك الفترة، وعنتريات التصريحات السورية السابقة للحرب، ووثق البلاغات العسكرية خلال أيام الحرب وبعدها.

إلى ذلك تناول باسل العودات الإعلامَ الرسمي السوري، قبل وخلال وبعد حرب حزيران، وأشار إلى تحويل النظام السوري “النكبة” إلى مجرد “نكسة” عابرة، وكيف حوّل الإعلام إلى إعلام سلطة، ووسيلة للدِعاية لإنجازاته، والصوت العالي البعيد عن الحقيقة، المُضلّل والمنافق، وأوضح أنه في مرحلة ما قبل بدء الحرب، انكبّ الإعلام السوري الرسمي، على التبجح بقوة الجيوش وقدراتها الاستثنائية، ونباهة وفطنة واستثنائية قواد المعركة، وزعماء دول المواجهة، وتضخيم الخطر الإسرائيلي على سورية، بينما الحقيقة كانت مصر هي المستهدفة، وركّزت على نظرية المؤامرة، حالها كحال إعلام النظام الحالي.

وأوضح أنه في مرحلة أيام الحرب الست، أوحى الإعلام السوري بأن العدو ينهار بسرعة، ليتبيّن أنها كاذبة من الأساس، وكيف جاء البيان 66 كاذبًا ومُبالغًا فيه، وخان راديو دمشق جيشَه بإعلان سقوط مدينة القنيطرة قبل ساعات من سقوطها. أما في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب والهزيمة: كيف تجنّب الإعلام تسميتها نكبة أو هزيمة، وألقى اللوم على الغير، وقال إنها “تواطؤ على الأمة العربية”، وطالب بـ “ضخ البترول واستخدام حصيلته لخدمة الأهداف العربية” ليتاجر بالهزيمة، وكيف تبجّح الإعلام، وقال إن الهدف من الحرب لم يتحقق طالما أن “النظام الثوري” لم يسقط، وأن المسألة ليست باحتلال “إسرائيل” للأرض، بل بفشل “المؤامرة الإمبريالية”.

وختم بأن الإعلام الرسمي السوري اعتمد منذ مقدمات حرب حزيران/ يونيو على الولاء المطلق للقائد، وصار يُعبّر عن رأي الدولة نظريًا، والسلطة الحاكمة فعليًا، وحرص الأسد على ألا يكون للإعلام الرسمي أي خطة مكتوبة، تحدد أهدافه واستراتيجيته وأساليب عمله وثوابت التزاماته، وأبقاه يعمل حسب آراء رأس السلطة وأجهزته الأمنية، بسياسة ردات الفعل.

وتتواصل أعمال الندوة (الأحد) لليوم التالي على التوالي، ويتابع الباحثون والمختصون حواراتهم ومداخلاتهم وأوراق عملهم، في محاولة لتسليط الضوء على الدروس المستخلصة من هذه الهزيمة، وكيف يمكن الاستفادة منها للتخلص من النكبات التي يتعرض لها السوريون بعد أن قرروا التخلص من “احتلال” النظام السوري لسورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]