برلمانيات فرنسا.. رهانات المعركة الأخيرة نحو السلطة


نحو 47 مليون فرنسي مدعوون، اليوم الأحد، للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الإنتخابات البرلمانية، لإختيار 577 نائبا بالجمعية الوطنية، الغرفة السفلى لبرلمان البلاد.

اقتراع سيمنح النواب المنتخبين صلاحيات مناقشة وتعديل والتصويت على القوانين، ومراقبة عمل الحكومة طيلة الولاية الحالية للرئيس إيمانويل ماكرون.

غير أنه يأتي محمّلا برهانات وتحدّيات جسيمة سواء بالنسبة للرئيس الجديد الباحث عن أغلبية تمنحه السلطة الفعلية، أو بالنسبة للأحزاب التقليدية (اليمين واليسار) التي تخشى تكبّد “نكسة” أخرى شبيهة بالرئاسية، ما قد ينسف إعتباريتها السياسية.

** ماكرون ورحلة البحث عن الأغلبية

حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” يدخل السباق البرلماني محمّلا بآمال واسعة في حصد أغلبية قادرة لوحدها على منح الحكومة الجديدة السلطة الفعلية لتجسيد برامجها وإصلاحاتها.

شحنة أمل حصل عليها الحزب إثر فوزه في 10 دوائر خارجية من أصل 11، حيث أدلى نحو 1.3 مليون فرنسي من المقيمين خارج البلاد، مطلع الشهر الجاري، بأصواتهم لإختيار نوابهم بالجمعية الوطنية.

ومع أنه من غير الممكن إقامة مقارنة بين التصويت خارج البلاد وداخلها، غير أن النتيجة تمنح ماكرون حافزا نفسيا، وتدعم حظوظه في سباق اليوم، حتى أن صحيفة «لوموند» الفرنسية اعتبرت فوزه في الدوائر الخارجية بمثابة «التسونامي» الذي يتأهب للهيمنة على قرارات الغرفة السفلى للبرلمان.

ماكرون يرنو أيضا لاستثمار موجة التفاؤل المخيمة على طيف واسع من الفرنسيين، ممن يتطلعون إلى التغيير والقطع مع أكثر من 60 عاما من هيمنة الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار على القرارات التنفيذية والتشريعية في البلاد.

فملامح التجديد التي يطرحها ماكرون تجلت حتى في تركيبة مرشحيه للإنتخابات التشريعية، حيث لا يوجد سوى 28 برلمانيا سابقا من بين المرشحين الـ 530 عن “الجمهورية إلى الأمام”، فيما ينحدر البقية من أطياف مختلفة، بينهم من تنقصه الخبرة والشهرة، غير أنهم يدخلون جميعا السباق بحظوط وافرة، طمعا في الإستفادة من شعبية الرئيس الجديد.

ماكرون يعول أيضا على ميل الفرنسيين عادة إلى تأكيد خيارهم الأول، أي منح الثقة لحزب الرئيس الذي اختاروه في الرئاسية، تماما مثلما كان عليه الحال مع كل من فرانسوا أولاند في 2012، ونيكولا ساركوزي في 2007، وقبلهما جاك شيراك في 2002.

** استطلاعات الرأي تستشرف «نكسة» جديدة لليسار

وفق آخر استطلاعات الرأي لشركة “إيبسوس/ سوبرا ستيريا” لحساب “تلفزيون فرنسا” و”راديو فرنسا”، تصدّر حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” طليعة السباق البرلماني بـ 31 % من نوايا التصويت، أي ما يعادل من 397 إلى 427 مقعدا برلمانيا من جملة 577.

فيما حصل تحالف حزبي “الجمهوريون” (يمين) و”اتحاد الديمقراطيين والمستقلين” (وسط اليمين) على 22 % (من 95 إلى 115 مقعد)، والجبهة الوطنية (يمين متطرف) على 18 % (5 إلى 15 مقعد).

أما “فرنسا الأبية” (يسار راديكالي)، فحصلت على 11.5 % (من 11 إلى 21 مقعد)، متقدّمة بذلك على “الحزب الإشتراكي” (يسار) المتأثّر بخسارته التاريخية في الدور الأول للانتخابات الرئاسية في أبريل/ نيسان الماضي، ولم يحصد سوى 8 % (22 إلى 32 مقعد).

فالحزب الأخير الذي هيمن في السنوات الـ 5 الأخيرة على الجمعية الوطنية الفرنسية بـ 284 مقعدا، يخشى اليوم تراجع نوابه إلى 22 و32، ما قد يشكل صدمة يجزم مراقبون بأنها قد تكون الإسفين الأخير في نعش الحزب.

ومع أنه من غير المنطقي إسقاط نتائج تصويت الفرنسيين بالأقاليم الخارجية على النتائج المنتظرة اليوم، إلا أن الثابت هو أن إكتساح «الماكرونيين» كما يحلو للإعلام الفرنسي تسمية أنصار ماكرون، للدوائر الإنتخابية الخارجية، زلزل عرش الإشتركيين، وأكد مخاوفهم بأفول نجمهم في حال عدم حدوث معجزة انتخابية تعيد البساط تحت أقدامهم.

** “المساواة والعدالة”.. «البديل» من أجل تمثيلية مختلطة

لأول مرة، يخوض «حزب المساواة والعدالة» الفرنسي غمار الإنتخابات البرلمانية، مقدما تشكيلة شبابية جلبت له الأنظار رغم حداثته.

فالحزب الذي تأسس في 2015 بمدينة ستراسبورغ شرقي فرنسا، من قبل أشخاص من أصول مهاجرة، يدخل السباق التشريعي بـ 52 مرشحا في 28 إقليما، من أجل منح الكلمة لـ «المواطنين المنبوذين والمنسيين والمرفوضين من قبل بقية الأحزاب السياسية»، وفق ما ورد في تقديم الحزب على موقعه الرسمي.

ويطرح الحزب نفسه بديلا للتيارات الكلاسيكية، وذلك عبر الترويج لصورة التنوع الثقافي في المشهد السياسي الفرنسي، سعيا نحو تمثيلية مختلطة، وفق أنصاره.

ومع أن الحزب يقدم نفسه بوضوح على أنه يكافح ضد التمييز، ويناضل من أجل تمثيل جميع الفرنسيين، وخصوصا الطبقات الشعبية، في المشهد السياسي، إلا أنه لم يسلم من حملات تشويه واتهامات بأنه حزب تركي.

ومؤخرا، إتهم «الحزب الشيوعي الفرنسي» «المساواة والعدالة» بـ «إنشاء مجموعات ضغط وترويج سياسة ديكتاتورية”، مطالبا داخلية بلاده بفتح تحقيق في هذا الشأن.

حملات تشويه وانتقادات يرى عدد من أنصار الحزب في تصريحات تداولتها بعض وسائل الإعلام، أنها متوقعة، طالما أن «الأسماء ذات الوقع الأجنبي بإمكانها دائما إزعاج البعض»، لتبقى كلمة الفصل لصناديق إقتراع يتوقع مراقبون إنه قد يعيد ترتيب الخارطة الحزبية في البرلمان الفرنسي بشكل لم تعرفه الجمهورية الخامسة من قبل.



صدى الشام