صراع البقاء في البادية السورية… اليد العليا لواشنطن


عمار خصاونة

كثر الحديث عن صراع النفوذ بين قوى إقليمية ودولية للسيطرة على معبر التنف مع العراق، والثابت الوحيد حتى الآن أن واشنطن لن تسمح لليد الروسية بأن تكون العليا في البادية السورية، وما قصف طيران التحالف لأرتال إيران الميليشياوية التي سعت خلال الأيام الماضية إلى تحقيق تقدم نحو المعبر إلا ترجمة للرغبة الأميركية بالهيمنة على المنطقة الحدودية بين سورية والعراق.

عن أهمية المنطقة، قال الصحفي اللبناني فداء عيتاني لـ (جيرون) “إن المنطقة الشرقية من سورية انطلاقًا من الحدود الأردنية وصولًا إلى الحدود التركية في الشمال الشرقي منطقة استراتيجية بامتياز، وللأميركيين اهتمام جدي بها يترجمه استهداف الأميركيين للمليشيات الإيرانية و(حزب الله) في المنطقة لمنعها من أي تقدم” مؤكدًا أن “هذه المنطقة الحدودية، على امتداد الشريط الحدودي مع العراق، تخضع لتوازنات دقيقة”.

بدأت معارك البادية السورية، فعليًا، مع بدء طهران العمل على تطبيق مشروعها بربط العواصم الأربع: طهران، بغداد، دمشق، بيروت؛ ليكون خط دعم بيروت مباشر ومؤمن، وهو ما أكده عيتاني وقيادات عسكرية في المنطقة إضافة إلى أبي سيف، الناطق باسم قوات الشهيد أحمد العبدو، الذي أشار إلى أن معركة (الأرض لنا) بدأت في “نهاية أيار/ مايو الماضي، بهدف ضرب هذا المشروع، فيما سعت أميركا لدعم المعركة ودعم بعض الفصائل بغطاء جوي بطيران التحالف لتأمين “التنف” الذي بات اليوم قاعدة أميركية عسكرية ونقطة انطلاق، للتقدم في البادية وصولًا إلى المناطق الشمالية الشرقية من سورية.

في السياق ذاته، أكد العقيد منهل طلاع، قائد (جيش مغاوير الثورة)، أن معبر التنف هو نقطة انطلاقهم إلى “شمال شرق سورية والهدف هو فصل العراق عن سورية لتسهيل عملية قتال تنظيم (داعش)، وقطع إمداد المليشيات العراقية والإيرانية بريًّا”، موضحًا أهمية هذي الطريق لهم. وتمكنوا كخطوة أولى من “التقدم لمنطقة (الزكف) التي تبعد 70 كم عن التنف، وإقامة قاعدة ثانية مدعومة من التحالف”، وفي هذا الصدد أشار أبو سيف إلى “أن جيش مغاوير الثورة هو الوحيد الذي ينسق بشكل مباشر مع قوات التحالف الدولي”.

وكشف طلاع في حديثه لـ (جيرون) وجود “قوات أميركية وأردنية في قاعدة التنف” وقال: “إن من مهماتها التوجيه والتدريب لعناصر الجيش الحر، والمساندة في المعركة الحالية” مستبعدا التوجه نحو البوكمال، على الأقل حاليًا.

تُطرح تساؤلات كثيرة حول تلكؤ إيران في البدء بتطبيق مشروعها حينما كان تنظيم (داعش) يسيطر على البادية السورية، ولم تبدأ به إلا بعدما انسحب التنظيم من البادية ناقلًا قواته إلى الرقة، وهنا قال أبو سيف لـ (جيرون): “كلنا يعلم مدى التنسيق بين النظام و(داعش) والروس، وقد لمسنا هذا الشيء من خلال معاركنا والمعلومات التي تردنا؛ فالأمر لا يخلو من اتفاقات، مفادها إنهاك فصائل الجيش الحر قدر الإمكان، وقيام تعاملات تجارية بين النظام و(داعش) طوال الفترة السابقة”.

فيما ذكر عيتاني “أن الوقت الحالي كان الأنسب لبدء إيران بتطبيق مشروعها؛ حيث إن الظروف كانت مختلفة فإغلاق الطريق من الجانب العراقي من قبل قوات العشائر و عدم قدرة (حزب الله) على الحدود اللبنانية من حل قضايا الزبداني ومضايا ومناطق القلمون الغربي، كلها أمور حالت دون البدء بالمشروع فضلًا عن أن تراجع فاعلية الأميركيين كوازنٍ أساسٍ بالمنطقة مقابل ارتفاع فاعلية الروس؛ أدى إلى بدء تنفيذ المشروع، ففي ظل المخاوف من عدم قدرة ترامب على إكمال فترته، والشكوك حول صحة انتخاباته ومشاكل أخرى داخل إدارته تجعل الإيرانيين يعملون على مثل هذا المشروع. فتحقيق أي إنجاز هو مكسب في مثل هذه المرحلة”.

وفي إطار سير العمليات العسكرية في البادية السورية حددت القوات الأميركية عبر طيران التحالف منطقة منع الاشتباك على بعد 55 كم عن قاعدة التنف، حيث استهدف طيران التحالف ميليشيات إيران ثلاث مرات، بسبب تجاوزها “الحدود المرسومة” كان آخرها بحسب أبو سيف في منطقة “الشحمة” التي تبعد 17 كم عن حاجز ظاظا، أحد أكبر معاقل قوات النظام والمليشيات الإيرانية في البادية.

وفي سياق متصل أوضح أبو سيف أن معركتهم الحالية “مقتصرة على الاستهداف البعيد نهارًا ومحاولة التقدم ليلًا وصولًا إلى نقاط تكون خفية قدر الإمكان عن الطيران الروسي الذي ينافس طيران التحالف في القصف، معتمدًا كل منهما على قصف قوات الآخر”. فيما أوضح العقيد طلاع أنهم ينسقون مع باقي الفصائل وأنهم سيعملون جاهدين للوصول إلى الشمال الشرقي من سورية للسيطرة الكاملة على الشريط الحدودي السوري العراقي ضمن مشروعهم لفصل (داعش) في سورية عن العراق وفصل الميليشيات الإيرانية والعراقية ومنع وصول أي دعم بري لهم.

وفي تصميم إيران على تطبيق مشروعها، يرى عيتاني في حديثه لـ (جيرون) أن “الروس يوافقون على هذا الخط مقابل شروط كبيرة مع إمكانية بيعه فيما بعد للغرب مشيرًا إلى أن أميركا تحاول فعل أي شيء كي لا يُنجز أحد أي شيء، لكن اهتمام أميركا مبني على مساعيها لتحقيق توازن بين السلاح الأميركي الروسي في المنطقة ولضرب مشروع إيران وتجريد روسيا وإيران من شعار مكافحة الإرهاب الذي يعدّ شعارًا غربيًا لن يسمح الغرب للروس في تبنيه” مشيرًا إلى أن “دير الزور لن تكون الهدف –كما يعتقد البعض- بل هي جزء من الخط الذي تحاول أميركا السيطرة عليه وصولًا للمناطق الشمالية الشرقية من سورية”.

في السياق ذاته، أكد طلاع أن وادي الفرات سيكون أحد أهداف قواتهم للوصول إليه ومحاربة (داعش) إضافة إلى “تأمين خط الدعم بشكل كامل من التنف -القاعدة الأميركية البريطانية الحالية- إلى وادي الفرات إضافة للمنطقة الاستراتيجية التي يقع فيها”.

تبادل السيطرةَ على معبر التنف عدةُ جهات، فقد حرّرَ الجيش الحرّ المعبرَ، من سيطرة قوات النظام في عام 2014، ثم انتقلت السيطرة عليه، بسبب عدم تمركز الجيش الحر فيه، إلى تنظيم (داعش) في عام 2015، وبدأت بعدها عملية قوات “جيش سورية الجديد” مدعومة من قبل بريطانيا باستعادة السيطرة عليه، في نهاية العام 2015.




المصدر