عيادات متنقلة للنازحين السوريين


القصف الذي طاول كثيراً من المنشآت الطبية في سورية، بالترافق مع ازدياد أعداد النازحين وصعوبة حصولهم على الطبابة، دفع منظمات إلى إنشاء عيادات متنقلة تصل إلى النازحين

يعاني المرضى والمصابون، النازحون من المدن والبلدات السورية إلى المخيمات والمناطق النائية، من صعوبة في الوصول إلى المراكز الطبية في المدن والبلدات. وفي سبيل توفير المتابعة الطبية لهم، شرع عدد من المنظمات الطبية في سورية إلى توفير المزيد من العيادات الطبية المتنقلة، لتغطي المناطق النائية التي تنتشر فيها تجمعات النازحين في ريفي حلب وإدلب.

يقول الطبيب، عمار العلبي، الذي يعمل في إحدى العيادات المتنقلة في ريف حلب: “بعد ستة أشهر من العمل في العيادة المتنقلة، وجدنا أنّها كانت أكثر فعالية، والسبب الأبرز في ذلك أنّها توفر عنصر الأمان، فنحن نلمس اليوم خوف المرضى والأطباء من المراكز الطبية، وكثيرون يتجنبون الذهاب إلى النقاط الطبية خوفاً من قصفها. وحتى الأطباء يعيشون فيها في حالة تأهب دائمة، ويخرجون المرضى منها بأقصى سرعة ممكنة ويتعمدون تغيير مكان العيادة في كلّ فترة، ومن هذا المنطلق فالعيادة المتنقلة توفر أماناً وراحة نفسية أكبر للطرفين”.

يضيف: “كلّ أسبوع نصل إلى نقاط لم نكن فيها من قبل، فتجمعات النازحين تتغير مع تغير الظروف. نعالج حالات كثيرة لم تكن تتاح لها فرصة للتشخيص لولا أننا نصل إليها، أهمها على الإطلاق الحوامل والمصابون الذين يصعب عليهم التنقل. الكثير من الحوامل الذين نلتقي بهم يعانين من نقص التغذية، ونقدم لهم المكملات الغذائية الضرورية، والكثير من الجرحى يعانون من التهابات بسبب عدم متابعة حالاتهم طبياً”.

يوضح الطبيب: “تتألف العيادة الواحدة من طبيب عام وقابلة نسائية وممرض أو ممرضة، وتجهز السيارة عادةً بكلّ المستلزمات الطبية الضرورية من أجهزة ضغط وسماعات ومنظار وأجهزة تخطيط للقلب وغيرها، بالإضافة إلى تحميلها بالأدوية المختلفة اللازمة للمرضى. ويتولى الطبيب العام معالجة كلّ الحالات، وتراقب القابلة وضع النساء الحوامل وتقدم العون لهن، وتتولى توليدهن بإشراف ومساعدة من الطبيب عند الحاجة. كذلك، يسجل الممرض استمارات للمرضى ويقدم الأدوية اللازمة لهم”.

بدوره، يوضح الطبيب عبد الحميد ميري، وهو طبيب معالج في عيادة متنقلة أخرى، أنّ “أكثر الأمراض التي تصادفنا في زياراتنا النازحين هي اللشمانيا والإسهالات الناتجة عن التهاب الأمعاء، جراء استخدام المياه الملوثة، وكذلك حالات سوء التغذية عند النساء والأطفال”. يضيف: “هناك عدد كبير من كبار السن والمقعدين بالإضافة إلى الأطفال، الذين يحتاجون إلى رعاية صحية مستمرة. نزورهم كلّ شهر تقريباً ونقدم لهم الأدوية اللازمة مثل أدوية الضغط والسكري ومضادات الالتهاب، وأجهزة الرذاذ للأطفال”. يتابع: “المناطق التي نغطيها تم اختيارها وفقاً لمدى اكتظاظها بالنازحين والفقراء ممن هم في حاجة إلى رعاية صحية ولا يستطيعون تأمينها. ويتجاوز عدد المعاينات التي نجريها يومياً 70 معاينة. المعدات لدينا تتيح لنا علاج أغلب الحالات، وعند مواجهتنا أمراضاً تحتاج إلى أطباء مختصين وتجهيزات متطورة، نحوّلها إلى أقرب نقطة طبية، لتتولى علاجها. الأصعب في الأمر أنه لم يعد لدينا دوام محدد للعمل، لا يمكنك أن تترك مريضاً كان ينتظر دوره منذ ساعات الصباح. في بعض الأحيان لا ننتهي من العمل حتى وقت متأخر من اليوم”.

من جهته، يقول طاهر (34 عاماً) الذي يعيش في ريف إدلب: “أصبت بشظايا في قدمي وبطني منذ أقل من سنة، ولم أستعد حركتي بشكل طبيعي منذ الإصابة. ولأنّي خسرت بيتي أيضاً في سراقب، نزحت مع زوجتي وطفلي لنعيش في المخيم. العيادات المتنقلة التي تصل إلينا تساعدنا كثيراً. في المرة الأخيرة أعطوا طفلي مسكّناً، وفحصوا زوجتي الحامل، وأعطوني بعض المقويات لأستعيد صحتي ونشاطي بشكل أسرع”.

من جانبه، يلفت تمام الضامن، وهو متطوع في إحدى المنظمات الإغاثية في إدلب، إلى أنّ “العيادات المتنقلة تشكل اليوم حلاً إسعافياً لتدهور الوضع الصحي في المنطقة، لكنّها لا توفر حلاً طويل الأمد، خصوصاً أنّها لا تقدم خدمات طبية تخصصية. النسبة الأكبر من المرضى يفتقرون إلى أطباء متخصصين وتجهيزات طبية متقدمة ومستشفيات ثابتة ومجهزة. أشعر بكثير من الأسف إذ أشهد مرضى يخاطرون بحياتهم لعبور الحدود إلى تركيا بهدف واحد هو العلاج الذي لم يجدوه في سورية. ما زلنا في حاجة إلى أطباء لأمراض العيون والأعصاب والكلى وإلى مستشفيات تخصصية. لذلك، فإنّ أول ما يحتاجه المرضى هو التوقف التام للقصف، كي تتمكن المنظمات والمؤسسات المحلية من إنشاء هذه المستشفيات”.

يضيف: “جميع العيادات المتنقلة اليوم هي عبارة عن مشاريع قصيرة الأمد لثلاثة أشهر أو ستة في أبعد الآجال. يتركز عملها أكثر في تجمعات النازحين والمهجّرين الجدد، ومن خلال تواصلنا مع المنظمات المعنية بالشأن الطبي نشجع على إقامة مشاريع طويلة الأمد حتى يؤتي هذا العمل الثمار المطلوبة”.

يذكر أنّ الطائرات الحربية الروسية والسورية تستهدف بشكل ممنهج المنشآت الطبية والمستشفيات، ما تسبب في تدمير أعداد كبيرة منها وحرمان المرضى والمصابين من خدماتها.



صدى الشام