قوات النظام السوري قرب التنف… وخسائر جديدة لـ”داعش” بالرقة


دخل الصراع الإقليمي والدولي على شرقي سورية مراحل متقدمة تنذر بتحوله لمسرح صراع معقد ومتشابك، في ظل تقدم قوات النظام ومليشيات إيرانية مدعومة من روسيا، ووصولها إلى الحدود السورية العراقية على الرغم من تحذيرات أميركية، وفي ظل تقدم تحققه “قوات النخبة السورية” و”قوات سورية الديمقراطية”، المدعومتان من الولايات المتحدة في قلب مدينة الرقة. وباتت محاربة تنظيم “داعش” فرصة للقوى الإقليمية والدولية لرسم خرائط جديدة بـ”الدم” لصراع يتفاعل في وعلى سورية التي تحولت إلى ميدان مفتوح لفرض الإرادات المتصارعة عبر وكلاء محليين. ومن شأن كل ذلك أن يُبقي القضية السورية مفتوحة على كل الاحتمالات، لا سيما في المرحلة التي تلي اختفاء “داعش” من مشهد الصراع والمتوقع خلال أشهر معدودة. وتحتدم معارك كر وفر داخل وفي محيط الرقة أهم معاقل “داعش” في سورية، إذ حققت القوات المهاجمة اختراقاً مهماً في غربي المدينة وشرقها، فيما تلقى مقاومة كبيرة في شمالها، حيث التحصينات الأكبر للتنظيم.

واقتحم مقاتلو “قوات سورية الديمقراطية” التي يشكل مقاتلون أكراد سوريون ثقلها الرئيسي، صباح أمس السبت، حي “كم الرومانية” الواقع في الجهة الغربية لمدينة الرقة، حيث تدور اشتباكات وصفها ناشطون بـ”العنيفة” داخل الحي. ويحاول مسلحو “داعش” صدّ القوات المهاجمة التي أكدت مصادرها مقتل 21 من عناصر التنظيم في اشتباكات السبت. وتقدم مقاتلو “سورية الديمقراطية” عقب سيطرتهم يوم الجمعة، على كامل حي “السباهية” أول أحياء الرقة في الجهة الغربية، فيما أكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن “قوات سورية الديمقراطية” تراجعت عن مقار “الفرقة 17″، إثر معارك عنيفة مع مقاتلي التنظيم تكبدت خلالها خسائر فادحة. وأكد الناطق باسم “قوات النخبة السورية”، محمد خالد الشاكر، سيطرة هذه القوات على حي المشلب أول أحياء المدينة الشرقية. وأشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن هذه القوات، التي تتبع للرئيس الأسبق لـ”الائتلاف الوطني”، أحمد الجربا، تتحضر للتقدم إلى حي الصناعة بـ”إسناد جوي ودعم أميركي على الأرض”، وفق قوله. وتعد “قوات النخبة السورية” الفصيل الوحيد الذي يرفع علم “الجيش السوري الحر”، في إطار عمليات “غضب الفرات” التي بدأت أواخر العام الماضي لانتزاع الرقة، ويتكون من أبناء القبائل في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، شرقي سورية.

ولا تزال “قوات سورية الديمقراطية” تتقدم ببطء كبير جنوب نهر الفرات غربي الرقة، حيث لم تصل بعد إلى قرية كسرة شيخ الجمعة، الواقعة جنوب الرقة. ولا يزال لتنظيم “داعش” مخرج هروب جنوبي المدينة إلى معاقله في البادية، أو محافظة دير الزور شرقاً، إذ لا يزال التنظيم يسيطر على كامل ريف الرقة الشرقي جنوب النهر، والذي يضم بلدات هامة منها معدان والسبخة.

وتمتد مدينة الرقة التي سيطر عليها “داعش” في أوائل عام 2014، على مسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات من الشرق للغرب، و4 كيلومترات من الجنوب إلى الشمال، وتضم العديد من الأحياء، والحارات الصغيرة، التي تعرضت على مدى السنوات الماضية لدمار كبير. وباتت “قوات سورية الديمقراطية” على مسافة تقدر بنحو 3 كيلومترات من الجهة الشرقية عن ميدان الساعة الشهير وسط المدينة، ونفس المسافة من الجهة الغربية وأكثر من 4 كيلومترات من الجهة الشمالية. وأكدت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن القصف الجوي من طيران “التحالف الدولي” على أحياء وسط المدينة لا يهدأ، مشيرةً إلى أنه يحصد أرواح مدنيين بينهم أطفال ونساء بشكل يومي. ولا تزال عدة آلاف من المدنيين عالقين داخل المدينة وسط ظروف إنسانية يصفها ناشطون بـ”المأساوية”، إذ انقطعوا عن العالم الخارجي بسبب قيام “داعش” بإغلاق كل محلات الإنترنت داخل المدينة، وفق المصادر. وحذرت من كارثة إنسانية كبرى في حال عدم قيام القوات المهاجمة بتوفير ممرات آمنه تتيح للمدنيين الخروج من المدينة.

وتشارك في معركة الرقة التي انطلقت الثلاثاء الماضي، واعتبرتها “قوات سورية الديمقراطية” معركة “تاريخية”، كلٌ من “وحدات حماية الشعب” الكردية و”وحدات حماية المرأة” الكردية، و”جيش الثوار” و”جبهة الأكراد” و”لواء الشمال الديمقراطي” و”قوات العشائر”، و”لواء مغاوير حمص” و”صقور الرقة” و”لواء التحرير” و”لواء السلاجقة”، و”قوات الصناديد” و”المجلس العسكري السرياني”، و”مجلس منبج العسكري” و”مجلس دير الزور العسكري”. وتشارك في معركة انتزاع الرقة “قوات النخبة السورية” التي تتلقى هي الأخرى دعماً جوياً من “التحالف الدولي”، وكذلك “قوات الحماية الذاتية”، وفق ما أعلنت “قوات سورية الديمقراطية”، في بيان، مشيرةً أيضاً إلى أن المعركة “تلقى مساندة من مجلس الرقة المدني، ومجلس سورية الديمقراطية، ووجهاء ورؤساء عشائر المنطقة”.

بموازاة ذلك، أعلنت ما تُسمى بـ”القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة” التابعة للنظام أن قوات الأخير “أنجزت المرحلة الأولى من عملياتها العسكرية في البادية السورية”، مشيرةً في بيان لها أمس السبت، إلى أنها “تمكنت من الوصول إلى الحدود مع العراق شمال شرق التنف، وسيطرت على عدد كبير من المواقع والنقاط الاستراتيجية في عمق البادية”، وفق البيان. وذكرت أن وصول قوات النظام ومليشيات إيرانية إلى الحدود السورية العراقية “يشكل تحولاً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب وقاعدة انطلاق لتوسيع العمليات العسكرية في البادية وعلى امتداد الحدود مع العراق”، كما ورد في البيان.

وتقع داخل معبر التنف الحدودي مع العراق قاعدة عسكرية أقامها “التحالف الدولي” لتدريب مقاتلين تابعين للمعارضة السورية المسلحة استعداداً لمعركة انتزاع السيطرة على محافظة دير الزور. وتجاوز النظام وحلفاؤه خطوطاً حمراء أميركية من خلال التوغل شرقاً حتى الحدود السورية العراقية، حيث تسعى إيران إلى فتح ممر بري يصل طهران بدمشق. وتحاول قوات المعارضة السورية مجابهة هذا المشروع، إذ أطلقت معركة “الأرض لنا” لمنع قوات النظام من التقدم. ولكنّ هناك، على ما يبدو، تفاهماً روسيا أميركياً يقسم شرقي سورية إلى مناطق نفوذ في إطار صراع أكبر على سورية.

إلى ذلك، تحاول قوات النظام السوري توسيع نطاق سيطرتها في محيط مدينة تدمر في قلب البادية السورية، على حساب تنظيم “داعش”. وقد أكدت هذه القوات سيطرتها على منطقتي العباسية والحمامات الأثرية. ولا تزال هذه القوات تحاول تثبيت أقدامها في الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، حيث تقضم المزيد من القرى في ريفها الغربي، ويتقهقر مقاتلو “داعش” منذ عدة أيام أعقبت انسحابهم من مدينة مسكنة في ريف حلب الشرقي.



صدى الشام