حرق درعا يتواصل… وتضارب أنباء حول وصول قوات النظام السوري للحدود العراقية


في الوقت الذي كانت فيه “قوات سورية الديمقراطية” تتقدم داخل الرقة، كانت طائرات روسية وأخرى تابعة للنظام السوري تصب حممها على الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة في مدينة درعا وريفها. في هذا الوقت، تضاربت التقارير بشأن صحة وصول قوات النظام السوري ومليشيات داعمة له إلى الحدود مع العراق. ففي حين أعلنت مصادر في المعارضة أن المليشيات لا تزال على بعد عدة كيلومترات عن الحدود، أشارت مصادر محلية إلى أن مليشيات عراقية، تقاتل في سورية، وصلت إلى نقطة الوعر، الواقعة بين التنف والبوكمال.
وبدأت قوات تدعمها الولايات المتحدة تتقدم داخل مدينة الرقة شرقي سورية، بعد أقل من أسبوع من بدء معركة واسعة النطاق من أجل انتزاع السيطرة على معقل تنظيم “داعش” البارز في سورية، في وقت تحاول فيه قوات النظام، ومليشيات إيرانية توسيع نطاق سيطرتها في البادية السورية، في خطوة متقدمة باتجاه محافظة دير الزور، والمتوقع أن تشهد معركة حاسمة مع التنظيم. وحققت كل من “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي يشكل مقاتلون أكراد ثقلها الرئيسي، وقوات “النخبة السورية”، التابعة إلى رئيس الائتلاف الوطني الأسبق، أحمد الجربا، أمس الأحد، اختراقين في جبهتي القتال الشرقية والغربية في مدينة الرقة، فيما لا تزال الجبهة الشمالية تشهد ركوداً، كونها الجهة الأكثر تحصيناً. وأعلنت “سورية الديمقراطية” انتزاع السيطرة على حي الرومانية، في الجهة الغربية لمدينة الرقة، بعد يومين من الاشتباكات تمكنت خلالها من قتل 11 من مسلحي التنظيم، بينهم قيادي، يلقب بـ”أبو خطاب التونسي”، وفق مصادر في هذه القوات. وبذلك تكون “قسد” على أبواب حي الدرعية، وهو أحد أهم أحياء مدينة الرقة، والسيطرة عليه تعني تضييق الخناق على مقاتلي “داعش” في قلب المدينة. وكانت هذه القوات سيطرت الجمعة الماضي على حي الرومانية، عقب انتزاع السيطرة على قرية الجزرة.

وفي الجهة الشرقية من مدينة الرقة، حققت قوات “النخبة السورية” تقدماً كبيراً في حي الصناعة، عقب سيطرتها على المشلب، أول أحياء شرق الرقة. وأكدت مصادر في هذه القوات، لـ”العربي الجديد”، أن مقاتلي “النخبة” باتوا على بعد مئات الأمتار من باب بغداد، أحد أشهر أبواب المدينة التاريخية، وبذلك بدأوا يقتربون أكثر من وسط المدينة. ويقع باب بغداد ضمن سور أثري يحيط بالمدينة من الجهة الشرقية. وتؤكد مصادر أنه من أيام الخليفة العباسي، هارون الرشيد، الذي كان يتخذ من الرقة مصيفاً، وكانت في أيامه تنافس بغداد من حيث الأهمية. وفي الجهة الشمالية للمدينة، ما زالت المعارك تراوح مكانها، بسبب تحصينات كبيرة أقامها تنظيم “داعش” على مدى سنوات، لإدراكه أن الخطر يأتيه من هذه الجهة، بسبب وجود الوحدات الكردية في ريف الرقة الشمالي منذ منتصف عام 2015، بعد سيطرتها على مدينة تل أبيض. كما لم تستطع “قوات سورية الديمقراطية” إحداث اختراق حقيقي في الجانب الجنوبي من نهر الفرات غربي المدينة، ولم تصل بعد إلى قرية كسرة شيخ الجمعة، ومن ثم لا تزال الجهة الجنوبية من الرقة مفتوحة أمام مقاتلي “داعش”.

من جانبها، تحدثت وكالة “أعماق”، الذراع الإعلامية لتنظيم “داعش”، عن مقتل 23 مقاتلاً من “قوات سورية الديمقراطية” في ريفي الرقة الغربي والشرقي، مشيرة إلى حدوث اشتباكات، وصفتها بـ”العنيفة”، في قرية أبو قبيع غربي المدينة، وقريتي الشاهر، وخس دعكور، في الريف الشرقي. وبينما يخترق نهر الفرات محافظة الرقة، فإن مدينة الرقة، مركز المحافظة، تقع كلها شمال النهر. ومن المتوقع أن يكون النهر عائقاً أمام القوات المهاجمة من الجهة الجنوبية، خصوصاً أن طيران التحالف الدولي دمر جسري المدينة القديم والجديد قبيل بدء المعارك. وتمتد مدينة الرقة، التي سيطر عليها تنظيم “داعش” أوائل عام 2014، على مسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات من الشرق للغرب، و4 كيلومترات من الجنوب إلى الشمال، وتضم العديد من الأحياء، والحارات الصغيرة، التي تعرضت لدمار كبير على مدى السنوات الماضية. في غضون ذلك، باتت قوات النظام السوري، ومليشيات إيرانية، على تماس مباشر مع “قوات سورية الديمقراطية” في أقصى الريف الغربي لمدينة الرقة، إثر سيطرة قوات النظام على عدة قرى شرقي مدينة مسكنة.

إلى ذلك، تحاول قوات النظام توسيع نطاق سيطرتها في البادية السورية، خصوصاً في محيط مدينة تدمر، الغني بالغاز. ونقلت وكالة “سانا” التابعة للنظام عن مصدر عسكري سوري قوله إنه تمت السيطرة، مساء أول من أمس، على عدد من التلال والمواقع المشرفة على حقل “آرك” للغاز، وأن قوات النظام وصلت إلى مسافة 4 كيلومترات من الحقل، مؤكداً تكبيد تنظيم “داعش” خسائر بالأفراد والعتاد. من جهتها، أكدت وكالة “أعماق”، أمس الأحد، حدوث اشتباكات بين مسلحي التنظيم، وقوات النظام، في منطقة صوامع تدمر شمال المدينة. بموازاة ذلك، لا تزال الأنباء متضاربة حول وصول مليشيات إيرانية إلى نقطة على الحدود السورية العراقية. وأكدت مصادر في المعارضة أن هذه المليشيات لا تزال بعيدة عدة كيلومترات عن الحدود، وذلك بعد ساعات من إعلان ما يسمى بـ”القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة” التابعة للنظام أن قوات الأخير “أنجزت المرحلة الأولى من عملياتها العسكرية في البادية السورية”، مشيرةً في بيان لها السبت، إلى أنها “تمكنت من الوصول إلى الحدود مع العراق شمال شرق التنف، وسيطرت على عدد كبير من المواقع والنقاط الاستراتيجية في عمق البادية”. وأكدت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن مليشيات عراقية، تقاتل في سورية، وصلت بالفعل إلى نقطة الوعر على الحدود السورية العراقية، والواقعة بين التنف والبوكمال، وقطعت بذلك الطريق أمام قوات تابعة للمعارضة، مدعومة من التحالف، للوصول إلى مدينة البوكمال شرقي دير الزور، التي تقع تحت سيطرة تنظيم “داعش”. لكن المعارضة السورية المسلحة تؤكد أنها تحقق تقدماً في البادية السورية، وسيطرت الأحد على موقع المسيطمة في البادية السورية، والواقع إلى جنوب شرقي العاصمة دمشق بنحو 50 كيلومتراً.

وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أعرب لنظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، خلال اتصال هاتفي، عن معارضة موسكو الشديدة لشن القوات الأميركية هجمات ضد قوات موالية للنظام السوري. وأشارت إلى أنهما “تبادلا وجهات النظر حول الوضع في سورية، وأكدا ضرورة تعزيز التعاون من أجل وضع حد للنزاع هناك”. وأعرب لافروف عن “معارضة موسكو الشديدة لهجمات الولايات المتحدة على القوات الموالية للحكومة السورية”، داعياً إلى “اعتماد تدابير ملموسة لمنع مثل هذه الحوادث في المستقبل”. وتابع البيان إن “الوزيرين اتفقا على استخدام القنوات القائمة لتعزيز التسوية السورية، بما في ذلك لقاءات أستانة وجنيف”. وبات من الواضح أن القوى المتصارعة في سورية تسابق الزمن من أجل فرض السيطرة على المناطق التي تقع تحت سيطرة تنظيم “داعش”، الذي بات يتقهقر، بعد أن تشتت قواه بين مختلف الجبهات في الجغرافيا السورية. وتحاول قوات النظام فرض نفسها لاعباً رئيسياً في المعركة المنتظرة من أجل انتزاع محافظة دير الزور، إذ تبدو “سورية المفيدة”، التي يسعى النظام وحلفاؤه لإيجادها، بلا قيمة من دون البادية ودير الزور. كما أن لإيران مطامع واضحة في شرقي سورية تحاول تكريسها من أجل فرض ممر بري يوصل طهران بدمشق، مع ما يحمل ذلك من منافع اقتصادية، مع التأكيد على هيمنتها على جزء هام من الجغرافيا السورية لفرض حلول سياسية للقضية السورية تحقق مصالحها.

وعلى الجبهة الجنوبية، واصلت قوات النظام السوري، بدعم روسي، قصف مدينة درعا بالبراميل المتفجرة وراجمات الصواريخ، وسط حشد مزيد من القوات في المدينة. وتحدثت مصادر محلية، مع “العربي الجديد”، عن غارات جوية سورية وروسية على حي مخيم درعا، وسط اشتباكات متقطعة بين الجيش السوري الحر وقوات النظام، المدعومة بمليشيات أجنبية. وقال الناشط أبو محمود الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن طوافات النظام ألقت أكثر من 18 برميلاً متفجراً على منازل المدنيين في حي مخيم درعا، وحي طريق السد في درعا المحطة، بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي على المنشية وسجنة في درعا البلد. ونزح معظم السكان إلى مناطق أخرى في مدينة درعا، ومخيمات مؤقتة في مدن وبلدات ريف درعا وسط ظروف إنسانية صعبة. وذكرت مصادر إن المعارضة السورية المسلحة ردت على قصف النظام والقصف الروسي باستهداف مطار خلخلة العسكري في ريف السويداء الشمالي المتاخم لريف درعا الشرقي بصواريخ “غراد”. ونشرت صفحة “القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية”، على موقع “فيسبوك”، إن “القاذفات الروسية استمرت بتقديم الدعم اللازم لإفساح المجال أمام الوحدات البرية للتقدم في عمق المناطق المعادية في درعا”. وكانت قوات النظام قد فشلت، خلال الساعات الماضية، في اقتحام مواقع المعارضة في حي مخيم درعا، فيما تمكنت فصائل المعارضة من قتل القائد العسكري للحملة، العقيد أحمد فايز تاجو، وهو من قيادات الفرقة الرابعة في قوات النظام. وتواصل قوات النظام عملياتها في درعا في ظل استقدام مزيد من التعزيزات العسكرية إلى مواقعها في حي سجنة والأطراف الشرقية من مدينة درعا، فيما يرجح نيتها إكمال الحملة العسكرية في المدينة.



صدى الشام