لعنة “النصرة” تلاحق “هيئة تحرير الشام”… ومناطق المعارضة


حلقة جديدة من مسلسل خلافات “هيئة تحرير الشام” مع فصائل “الجيش السوري الحر” في إدلب تنتهي بحل الخلاف عبر وأد الفصيل وتسليم بعض أفراده إلى “محكمة شرعية”، وفق مشهد بات يتكرر منذ تأسيس “جبهة النصرة” وقبل أن تتوحد مع فصائل أخرى ضمن “هيئة تحرير الشام”. وتوصلت “هيئة تحرير الشام” إلى اتفاق مع فصيل “جيش إدلب الحر” يقضي بحل “الفرقة 13″ التابعة لـ”الجيش السوري الحر” بشكل كامل، وإنهاء المظاهر المسلحة داخل مدينة معرة النعمان في مدينة إدلب شمال سورية.

وقضى الاتفاق بحسب النص الذي نشره الطرفان الموقعان عليه في مواقعهما الرسمية على الإنترنت، بتسليم جميع مقار “الفرقة 13” إلى “جيش إدلب الحر”، باستثناء مقر “مبنى الحزب” الذي سيسلم إلى “هيئة إدارة الخدمات” في المدينة. كما يشمل تشكيل لجنة قضائية يتفق عليها الجانبان للنظر في الأحداث الأخيرة في معرة النعمان، وما نتج عنها من قتلى وإصابات على أن يتكفل “جيش إدلب الحر” بموجب هذا الاتفاق، بتسليم جميع المطلوبين من “الفرقة 13” إلى لجنة قضائية.

غير أن ناشطين تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات نسبت إلى مصادر في “الفرقة 13” التي يرأسها المقدم، أحمد السعود، تفيد برفض الأخيرة حل نفسها، معتبرةً أن قرار حلها أمر يقرره قائدها العام، المقدم السعود. كما جاء في هذه التصريحات أن “الفرقة 13” لم تفوض “جيش إدلب الحر” للتفاوض عنها. وكانت مدينة معرة النعمان الواقعة جنوب إدلب قد شهدت خلال اليومين الماضيين اشتباكات بين “هيئة تحرير الشام” وعناصر من “الفرقة 13″، ما تسبب في سقوط قتلى من الطرفين.

ولطالما اصطدم تنظيم “جبهة النصرة” ومن بعدها “هيئة تحرير الشام” الذي تشكل “جبهة النصرة” عموده الفقري، بالفصائل المسلحة المعارضة. والاشتباك الأخير وقع بعد هجوم “النصرة” مساء الخميس الماضي، على معرة النعمان، والذي استهدف مقرات تابعة لـ”الفرقة 13″ و”فيلق الشام”، مما أدى إلى مقتل قائد “الشرطة الحرة” العقيد تيسير السماحي، وعدد من العناصر. وبررت “النصرة” هجومها على معرة النعمان بملاحقة “المفسدين” في “الفرقة 13″، وفق تعبيرها، وإلقاء القبض على قاتلي عنصرها، أحمد حسني الترك، بحسب وكالة “إباء” التابعة لها.

من جانبه، قال الناشط الإعلامي، عامر الإدلبي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “النصرة أو هيئة تحرير الشام تتواجد في عدة مناطق في إدلب، لكن المعقل الأساسي لها في ريف إدلب الشمالي ببلدة حارم ومدينة سلقين، حيث الكلمة الأولى والأخيرة في هاتين المنطقتين للنصرة”، وفق تأكيده. وأضاف أن “الكل يذكر المشاكل التي حدثت بين النصرة والأهالي في سلقين، جراء تدخلها الكبير في الحياة اليومية وتفاصيل عاداتهم وتقاليدهم، لكن الأهالي نجحوا بوضع حد لتلك التدخلات”، بحسب قوله. وبيّن أن “هيئة تحرير الشام” لا تحمل فكر “النصرة” المتمثل بفكر تنظيم “القاعدة”. ولفت إلى أنه “اليوم، بدأ يلاحظ تراجع الفكر التكفيري بين عناصر النصرة، وقد يعود السبب إلى زيادة أعداد المنتسبين للتنظيم، خاصةً أن انتسابهم هو لمصلحة محددة وليس في غالبيته نابعا من عقيدة، أي انتسبوا إما لتأمين لقمة العيش أو لمحاربة النظام” على حد تعبيره. وتابع أن هؤلاء “أصبحوا يختلطون مع الناس بعدما كان الرعيل الأول من التنظيم يترفع عن مخالطة الناس، ولا يصارح الناس بأنهم يرونهم كمرتدين”. وذكر أنه “في الشكل العام، العلاقات بين الناس والفصائل تراجعت بسبب إحساس الناس بأن البلاد قسمت وتراجع العمل العسكري ضد النظام، في ظل غياب العمل السياسي، إضافةً إلى فشل الفصائل في إدارة المناطق، والفساد المتفشي”، وفق حديث الإدلبي.

وأشار إلى أن “الفصائل بما فيها الجبهة تحاول استعادة ثقة الناس، عبر تكثيف الجلسات التي يقدمها الناشطون الدعويون وتوزيع المناشير، إذ غيّروا أسلوب عملهم، من التهديد والترهيب إلى الترغيب والحوار”، بحسب وصفه. وأوضح أنه “لا موقف أو رؤية واضحة من هيئة تحرير الشام، إذ إنها لم تقدم أي أوراق أو مشاريع على الأرض، وإن كان هناك مأخذ على النصرة، التي لا يستطيع الناس الفصل بينها وبين الهيئة، فذلك لأنها ساهمت في إفشال العديد من مشاريع الفصائل، واليوم هي مشاركة في إدارة المؤسسات عبر جيش الفتح، في حين هناك مناطق سبق أن سيطرت عليها النصرة هي إدارياً تحت سيطرتها حتى بجوانبها الخدمية”، على حد قول الإدلبي.

ورأى الناشط الإعلامي نفسه أن “كل الفصائل علاقتها غير ودودة مع الجبهة، بل هي رافضة لفكرها، وتعمل على تحجيمها وعدم توسيعها، إلا أن الجبهة تحاول كسب المزيد من العناصر عبر إغراءات مالية، إضافة إلى رعايتهم والدفاع عنهم، ما يقوي علاقتهم بها”، موضحاً أن “جزءاً كبيراً من عناصرها لم يدخلوا بسبب العقيدة إنما دوافعهم الوحيدة مرتبطة بالعيش، إذ إن جيل الثورة أصبح أقلية وهناك جيل جديد على الأرض”، بحسب تعبيره. ولفت إلى أن “المناطق والأحياء مقسمة بحسب انتماء سكانها إلى الفصائل، والذي يلعب بهذا الانتماء العلاقات العائلية والعشائرية، فمجرد وجود قيادات من تلك العائلة أو العشيرة يكفي لتأمين عمل ومقرات وسلاح لأبناء تلك العائلة أو العشيرة، كما تلعب الصراعات العائلية والعشائرية دورا في تلك الانتماءات”.

وكانت “النصرة” والفصائل الإسلامية ضيقت على سكان المناطق التي سيطرت عليها، خاصةً في ما يتعلق بلباس المرأة، إذ فرضت عليها النقاب، كما حدّت من عملها، بالإضافة إلى تشديدها على تحريم التدخين وملاحقة الناس للصلاة وعدم الاختلاط، وغيرها من الأمور.

وعقب ازدياد الضغوط الدولية والإقليمية والمحلية على “جبهة النصرة”، أعلنت قطع علاقاتها التنظيمية بشكل علني بـ”القاعدة”، وأعادت تسمية نفسها باسم “جبهة فتح الشام” في نهاية يوليو/تموز العام الماضي. وفي بداية العام الحالي، اندمجت مع “حركة نور الدين الزنكي” و”لواء الحق” و”جبهة أنصار الدين” و”جيش السنة”، تحت اسم “هيئة تحرير الشام”.

ويترأس “هيئة تحرير الشام”، هاشم الشيخ المكنى بـ”أبو جابر”، القائد العام السابق لـ”حركة أحرار الشام” الإسلامية، عقب مقتل جميع قادة الجماعة في تفجير استهدف اجتماعا لهم في سبتمبر/أيلول عام 2014، إذ تولى قيادتها حتى سبتمبر/أيلول عام 2015. وتفيد تقارير إعلامية بأن أبو جابر ولد في مدينة حلب السورية عام 1968، وكان قد قاتل بجانب تنظيم القاعدة في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، بعد الاحتلال الأميركي لهذا البلد عام 2003. وساهم في تنقل “المقاتلين الجهاديين” بين سورية والعراق، كما كان واحداً من بين الإسلاميين الذين أطلق سراحهم من معتقلات تدمر وصيدنايا عام 2011، بعد انطلاق الثورة السورية. وقد يكون تشكيل “الهيئة” وترؤسها من قبل أبو جابر وانشقاقه مع عدد من عناصر “أحرار الشام” المتشددين، والانتماء إلى “الهيئة” هو بسبب فشل محاولات الاندماج بين الجهتين، إذ أصبح كل من هما منافسا للآخر. –



صدى الشام