ألم يحِنْ وقت إغلاق “باب الحارة”؟

13 يونيو، 2017

كانت فرحة الشارع السوري لا تُوصف، عندما علمَ بأنه سيتم تصوير جزءٍ ثانٍ من مسلسل البيئة الشامية “باب الحارة”، وذلك عقب النجاح الكبير الذي حقّقه الجزء الأول محلياً وعربياً.

في ذلك الموسم الرمضاني، بُثَّ الجزء الثاني من المسلسل، وحاز على رضا المتابعين على الرغم من أنه لم يكن بالمستوى الفني والدرامي الذي كان عليه في الجزء الأول، حينذاك كان من المفترض أن يطوي مخرج العمل صفحة “باب الحارة” بعد عرض الجزئين، لكن الصيت الذائع والانتشار الذي حقّقه الجزء الثاني غيّر الحسابات وأغرى صنّاع العمل بالمتابعة.

 

 

“بزنس” الدراما

لعلّ من أبرز العوامل التي دفعت القائمين على هذا المسلسل للاستمرار بعرض الأجزاء المتعاقبة هو الدافع المادي البحت، والتمويلات الهائلة التي يتلقّاها القائمون على هذا المسلسل من مخرجين ومنتجين وكتّاب سيناريو وممثّلين وفنيين.

وعلى أساس تدفق هذه الأموال كان مطلوباً من المخرجين أن ينسجوا حبكة درامية ويجعلوا من هذا المسلسل يستمر بأي سيناريو وقصةٍ كانت، حتى وإن لم تكن بسوية فنية جيدة، وحتى لو لم تشدّ الجمهور، فالمهم هو جذب المموّل.

لقد استغل القائمون على العمل “اسم المسلسل” كما يستغل التجّار أسماء السلع التجارية المشهورة التي تحظى بشهرة واسعة بين عامة الناس، ليقوموا بالتجارة بها بعد استثمار الاسم وصيته الواسع.

وفيما يبدو هذا الأسلوب في العمل تجارياً بحتاً ومقتصراً على رجال “البزنس”، إلّا أنه وفي باب الحارة وصل إلى سوق الدراما بطريقة فاضحة، نظراً لأن العمل مضمون الربح والكسب المادي.

غير أن العرف المعمول به لدى تجّار السلع هو الحفاظ على جودة المنتج الشهير بالتوازي مع استثمار الاسم، ليستمر هذا المنتج بكسب رضا الجمهور، لكن في حالة “باب الحارة” تم استغلال الانتشار للاستمرار دون النظر إلى القيمة الفنية، ليصبح التساؤل الأبرز لدى السوريين: متى سيتم إغلاق “باب الحارة”؟

 

 

حبكة مبتذلة

من خلال متابعة الحلقات الـ 15 الأولى، والتي تشكّل نصف المسلسل تقريباً، يمكن القول أن هذا العمل هو الأسوأ خلال موسم رمضان الحالي، فهو لا يحتوي على قصّة رئيسة يقوم عليها، كما أن الأحداث لم تصنع العقدة الدرامية المطلوبة.

وباختصار فإن ما ظهر في النصف الأول من الجزء التاسع يجعلنا نلاحظ تركيز العمل على فكرتين اثنتين يشكلان محوره؛ الأولى هي عرض سياقٍ كوميدي عبر تكثيف الظهور لـ “أبو بدر” وزوجته “فوزية”، وحرب إثبات الذات التي تقوم دائماً بينهما حول سيطرة الرجل أو المرأة، وما يدخل في إطار هذه المشاهد من لقطات درامية قد تضحك الجمهور أو لا تضحكه، ولكن في كلا الحالتين فإن النَفَس الدرامي الأصيل مفقود بشكلٍ تام من هذا العمل.

أما الجانب الثاني الذي يُظهره المسلسل فهو المواقف “الطريفة” التي يصنعها “النمس”، والشخصيتان اللتان ترافقانه طوال المسلسل، إذ أن شخصية النمس كانت الأكثر ظهوراً حتى النصف الأول من الجزء التاسع، وقد بدا أن الظهور الكثيف هذا لم يكن ضمن خطة درامية محكمة، وإنما من منطلق “تعبئة الفراغ” فكان دور النمس منفصلاً في كل ظهورٍ له من حلقات المسلسل، فتارةً تجده “يتلاعب بعقل” أبو جودت رئيس المخفر ليحصّل منه مكاسب، وتارةً يتقمّص هوية شخصٍ في الأمن العام الفرنسي ليقوم بعمليات سلب لأموال المدنيين، وأحياناً أخرى يظهر بدور النصاب الذي يقوم بفطرته ودهائه بالاحتيال على الأشخاص العاديين.

بخلاف مشاهد “النمس وأبو بدر” فلا أحداث ملفتة ظهرت في المسلسل بعكس العقدة التي تابعها الجماهير في أوائل عهد “باب الحارة”، أو حتى في مسلسلات بيئة شامية معاصرة أخرى.

 

 

جدل

بخلاف الإخفاق الدرامي المهني الذي وقع المسلسل به، فإنه بات يواجه نقداً حاداً بين السوريين، حيث شنّ كثير من المتابعين هجوماً عنيفاً على القائمين على العمل، بسبب ما اعتبروه تلاعباً بتاريخ دمشق وتقديم معلوماتٍ مغلوطة، عبر عرضه للتاريخ السوري وفقاً لأجندة معينة.

وبحسب عددٍ من المؤرّخين المطلعين بشكلٍ واسع على تاريخ دمشق، فإن الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 أتت بعد سنوات من المفاوضات الشهيرة بين الحكومتين السورية والفرنسية عام 1936، في حين يقوم المسلسل بتقديمها في فتراتٍ تاريخية مختلفة، ويعزوها لأسباب لا علاقة لها بالتاريخ والوقائع.

كما أن البيئة الشامية تُظهر المرأة بصورة نمطية، طبقاً لما يقوله المنتقدون، فعلى مرِّ السنوات الماضية تعرض المسلسل لحملات نتيجة تقديمه للمرأة السورية على أنها كانت كائن مهمّته إرضاء رغبات الزوج والقيام بالواجبات اليومية والطاعة التامة، وأنها لا تجيد فعل أي شيء في الحياة سواء على صعيد تحصيل العلم أو العمل.

لكن المسلسل وعلى قاعدة “حسب السوق منسوق” قام في الجزء التاسع بافتعال ما يُشبه “حركة ثورية نسائية تمرّدية”، وفجأةً من دون سابق أو تمهيد، باتت ابنة أبو عصام التي هي أخت العكيد معتز، تذهب إلى العمل وتشارك العائلة في مصاريفها، وباتت النساء تتسلّم كافة المناصب الحسّاسة من طبيبات ومحاميات وصانعاتٍ للقرار.

ووفقاً لأحد المؤرّخين فإن باب الحارة هو “الأخطر في الأعمال التاريخية الدرامية لأنه يُستخدم لتزييف التاريخ وتغيير المفاهيم الراسخة على حساب الحقيقة والهوية الحضارية والثقافية للمجتمع، وكثيرٌ من المتابعين يتقبلونه على أنها موثق ويعتمدون عليه في ثقافتهم التاريخية”، معتبراً أن”باب الحارة أكثر مسلسل سوري بإنتاج عربي أساء للمجتمع الدمشقي (المتحرر) أكثر من غيره، عدا عن المعلومات التاريخية الخاطئة”.

 

 

آل الملّا

ما يميز المسلسل عن سواه أنه بات وكأنه استثمار حصري لآل “الملا”، فالإشراف العام لبسام الملا، والإشراف الفني لمأمون الملا، والعمل من بطولة أدهم الملّا، ولأول مرة تظهر الصاعدة شمس الملا، وبالاشتراك مع مؤيد الملّا، بالإضافة لمرور تحية لروح الفنان أدهم الملّا، جميع هذه الإشارات ستجدها في شارة البداية والنهاية للمسلسل، والذي يعكس بشكلٍ كبير سيطرة عائلة الملّا وبشكل غير مسبوق على المسلسل، حتّى وصل الأمر إلى وجود واسطاتٍ بشكلٍ علني، إذ تم منح “شمس الملّا” دوراً رئيساً دون أن تكون متمكّنة من القيام به، غير أن الكارثة الأكبر كانت وجود “الصاعد” أدهم الملّا، الذي أثار وجوده كشخصية رئيسة غضباً واسعاً من قبل الجماهير، بسبب عدم قدرته على تأدية الدور، ووضوح ضعفه في التمثيل وأداء الشخصية، واتهم معظم المتابعين المشرف على العمل بسّام المّلا باستغلال المسلسل لإيجاد أدوار تحقّق الشهرة للعائلة المسيطرة على “باب الحارة”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]