الأزمة الخليجية.. إلى أين؟

13 يونيو، 2017

لم تكن ليلة الأربعاء 2017/05/24 في الخليج العربي عموماً كسابقاتها من الليالي الهادئة الوادعة التي تشهد متابعة للبورصة لمعرفة تحرك رأس المال والربح والخسارة، إذ كسرت أخبار قناتي العربية وسكاي نيوز صمت المتأملين وعطلت عمل المشغولين، فالأمر جلل، “تغيّر في سياسة دولة قطر”، تصريحاتٌ للأمير تميم بن حمد آل ثاني الذي حضر حفل تخريج دفعة عسكرية في قطر، ولم ينبس ببنت شفة حول أي تغيير في سياسة الدولة وتوجهاتها!
كانت المشكلة في محتوى التصريحات التي تمجد إيران وتعتبرها ذات ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، ولا تعتبر التصعيد معها من الحكمة بشيء، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الإستقرار في المنطقة، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة.
ما تضمّنه البيان المزوّر لم يتوقف على ذلك بل قال إن قطر ترغب في تحقيق السلام العادل بين حماس الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وإسرائيل بحكم تواصلها المستمر مع الطرفين.
أمام ذلك راح الشارع الخليجي بل العربي يغلي، فدولة قطر على صغر مساحتها لها امتدادات وتشعبات كثيرة في سياستها، في حين سارعت قطر لنفي الأخبار المكذوبة المنسوبة إلى أميرها في بيان رسمي، كما سارع وزير خارجيتها لتكذيب البيان حيث أكدت اختراق موقع القناة القطرية الرسمية من قبل “هاكر” ومن ثم قرصنته، وأعلنت أنها ستلاحق المسؤولين عن عملية القرصنة وتقاضيهم.
إلا أن الحملة الإعلامية السعودية والإماراتية لم تهدأ بل اشتد أوارها وزاد سعيرها ثم ما لبثت أن تلتها قرارات سياسية حازمة بقطع العلاقات الديبلوماسية مع دولة قطر، وإغلاق المنافذ الجوية والبرية معها.

تضارب
كان لافتاً ذلك التضارب في الموقف الأمريكي إذ لم تفِد تغريدات ترامب على تويتر (وهو منبره المفضل) بموقف واضح، فلا هو استبعد قطر من الإرهاب، ولا هو قطع بدعمها له، ومن ثم في مرحلة لاحقة دعا قطر لوقف تمويلها للجماعات المتطرفة، هذه التصريحات خالفت تصريحات أمريكية متتالية تؤكد على دعم قطر وتشيد بموقفها وشراكتها في الحرب على الإرهاب .
فهذه وزارة الخارجية الأمريكية تؤكد أن الولايات المتحدة تتطلع إلى التعاون مع دولة قطر في التصدي للإرهاب، وهذا مساعد وزير الخارجية الأمريكي يقول إن أمريكا تنظر لقطر باعتبارها شريكاً في جهود محاربة الإرهاب.
لقد كانت السياسة الأمريكية متباينة بين الإدارة والرئيس فبينما كان الرئيس الأمريكي غير واضح بدايةً، كانت إدارته واضحة تجاه حلحلة الأزمة مؤكدة شراكتها مع قطر، إلا أن الرئيس ترامب غيّر موقفه إلى داعم لحل الأزمة عارضاً مساعدته في التدخل بين المتنازعين حتى أنه عرض إمكانية اجتماع الجميع في البيت الأبيض.

كان التباين واضحاً بين ما صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية حيال الأزمة الخليجية ورغبتها بالتعاون مع دولة قطر في التصدي للإرهاب، وبين الرئيس ترامب الذي دعا قطر لوقف تمويلها للجماعات المتطرفة.

كرة الثلج تكبُر

أما التعاطي الروسي مع الأزمة فجاء بارداً متنصلاً من بحث الموضوع من عين أصله حيث اعتبره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شأناً خليجياً داخلياً ليس لروسيا علاقة به.
ومن الغريب فيما صدر من مواقف دولية أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي عبرت عن سعادتها بوقوع الأزمة الخليجية.
وبعد إعلان السعودية سلسلة إجراءات بحق قطر، انضمت دول عديدة لهذه القطيعة الدبلوماسية لتشمل البحرين ومصر وجزر سيشل وجزر المالديف (وهي الدول المموله سعودياً) ثم موريتانيا والأردن وغيرها، وهذا ما شكل سابقة عربية خطيرة جداً، إذ لم تقطع تلك الدول علاقاتها بهذا الشكل مع بشار الأسد الذي قتل السوريين وهجرهم ودمر سوريا بالكامل عدا عن تسليمه سوريا وكل مقدراتها لإيران وللروس.
وفي مواجهة هذه الأزمة بدأت التحركات خليجياً لإطلاق وساطة كويتية لرأب الصدع وتهدئة الأمور بين الأخوة في الخليج، ولكن التجاوب مع هذه المبادرة لم يأتِ بنتائج كما كان متوقعاً، وما زاد الطين بله أن المشكلة لم تقف عند هذا الحد بل تم اختراق البريد الإلكتروني لسفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة، وقد بث موقع انترسبت الإلكتروني المتخصص بالصحافة الاستقصائية نماذج من مراسلات السفير يكشف فيها عن تنسيق الإمارات مع مؤسسات موالية لإسرائيل، والسعي لتشويه صورة قطر كحليفة لأمريكا، وكشفت المراسلات تحريضاً إماراتياً ضد تركيا وحماس والكويت.
كما شارك موقع هاف بوست الأمريكي بنشر مجموعة جديدة من رسائل السفير العتيبه، كشفت سعيه للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية وتشويه صورة قطر.

ما فاقم الأزمة اختراق البريد الإلكتروني لسفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة، وما كشفته مراسلات السفير من تنسيق إماراتي مع مؤسسات موالية لإسرائيل، والسعي لتشويه صورة قطر، والتحريض على تركيا وحماس والكويت.

حِلفان جديدان

أثبتت المجريات أن الإمارات والسعودية والبحرين يرغبون في تصعيد الأزمة ورفع وتيرتها لأعلى درجة ليتم استثمارها حتى ترضخ قطر لمطالبهم التي أعلنوا عن جزء كبير منها، وكان من بين ما أعلن المطالبة بإغلاق المنابر الإعلامية التابعة لقطر، وطرد جميع قادة الإخوان المسلمين والشخصيات التابعة لحماس، وملاحقة قرابة 18 مؤسسة ومنظمة خيرية إنسانية و58 شخصية من كبار الشخصيات العلمية والدينية، وتم اشتراط تنفيذ هذه المطالب قبل الشروع بأية مفاوضات.
لكن أغرب الإجراءات التي تم اتخاذها هو قانون تجريم التعاطف مع قطر على وسائل التواصل الإجتماعي، والتهديد بالسجن من 3 إلى 5 سنوات لمن يثبت عليه جرم التعاطف.
وعلى الضفة الأخرى برزت دول مساندة لقطر مثل تركيا والباكستان حيث مرر البرلمان التركي قانونًا يسمح لأنقرة بإرسال جنود أتراك إلى قطر.
كما أعلنت باكستان عن جاهزيتها لإرسال عشرة آلاف جندي إلى قطر وبهذا تم تشكيل حلفين جديدين على أرض الجزيرة العربية؛ السعودية والإمارات والبحرين ومصر وباقي الدول المتعاطفة، وقطر ومعها تركيا وباكستان، كما أعلنت إيران عن تعاطفها مع قطر واستعدادها تلبية حاجات السوق القطري من المواد الغذائية والخضار.
في النهاية وعلى الرغم من أن الأزمة غير مرشحة في المدى المنظور لتتطور إلى مرحلة العسكرة، وما تزال تتفاعل إقليمياً ودولياً، فإن التركيز يبقى على سؤال مهم وهو: من المستفيد من كل ما يجري؟

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]