الخِناق يَضيق على “داعش”.. ومعارك “توزيع الحصص” تحتدم

13 يونيو، 2017

مع اقتراب تصفية “أملاك داعش” في سوريا والعراق ، تتصارع القوى المحلية المدعومة من قوى إقليمية ودولية للسيطرة على هذه “الترِكة”، وتحتدم المعارك بشكل خاص في وسط البلاد وشرقيها لتمتدّ سريعاً إلى محافظة درعا في الجنوب والتي تشكل معاركها من ناحية جيبولوتيكية (جغرافيّة- سياسيّة) امتداداً لمعارك الشرق حيث الحدود مع العراق والأردن التي تحظى باهتمام بالغ لقوى عدة في مقدمتها إيران التي تريد الوصول إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا، فعمدت بعد إسكات كثير من الجبهات في محيط دمشق وحماة واللاذقية إلى دفع المزيد من قوات نظام الأسد وعناصر الميليشيات إلى البادية السورية وإلى الجنوب لملاقاة قوات الحشد الشعبي القادمة إلى الحدود من الطرف العراقي.

أما التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة  فهو يسعى إلى الحد من هذا التمدد الإيراني الذي تدعمه روسيا، ويعمل على دعم قوى محلية مثل “قوات سوريا الديمقراطية” وفصائل محدودة تتبع للجيش السوري الحر مثل “قوات مغاوير الثورة” وقوات الشهيد أحمد العبدو”  و” جيش أسود الشرقية”.

 

 

الفصل الأخير

لكن المعركة الأكثر سخونة التي بدأ فصلها الأخير قبل أيام هي معركة الرقة، حيث تندفع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة بغطاء جوي كثيف من جانب طيران التحالف الدولي إلى داخل المدينة عبر هجوم شنته من 6 محاور؛ الشمال والشرق والغرب، وتمكنت خلال أيام قليلة من السيطرة على أحياء: الجزرة والدرعية والرومانية والسباهية الواقعة في الجهة الغربية لمدينة الرقة، مع قتل عشرين عنصراً من تنظيم “داعش” خلال المواجهات.

كما أكدت مصادر مرتبطة بـ” قسد” أن مقاتلي الأخيرة تقدموا إلى منطقتي الحائط الأثري وباب بغداد شرقي الرقة، عقب سيطرتهم على حيي المشلب والصناعة وسط اشتباكات مع مقاتلي التنظيم انتقلت إلى حي الأندلس وشارع تل أبيض من الجهة الشمالية للمدينة، بعد السيطرة على صوامع الذرة ومحاصرة عناصر التنظيم داخل صوامع الحبوب.

وتزامن ذلك مع شن طائرات التحالف الدولي المزيد من الغارات الجوية على الأحياء السكنية في المدينة، استخدم في بعضها الفوسفور الأبيض، خاصة تلك التي استهدفت أحياء السباهية والرومانية والقادسية غربي مدينة الرقة، وحي البتاني شرقيها، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وقد اعترف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة باستخدامه ذخائر تحتوي على الفوسفور الأبيض معتبراً أن ذلك تمّ بما يتناسب مع المعايير الدولية، وقال بيان التحالف: “بحسب قواعد الاشتباك في النزاعات المسلحة، تُستخدم ذخائر الفوسفور الأبيض لكشف الستائر الدخانية وعمليات التمويه وتحديد المواقع والعلامات”.

من جهته، قال ناطق عسكري باسم قوات نظام الأسد إن طيران النظام بالتعاون مع الطيران الروسي دمر رتلاً كبيراً لتنظيم “داعش” كان قادماً من الرقة باتجاه “البغالة” على طريق السخنة – دير الزور، موضحاً أن الهجوم الجوي أسفر عن تدمير “عشرات الآليات من ضمنها مفخخات ومشافٍ متنقلة للتنظيم، ويعتبر هذا الرتل من أكبر الأرتال التي تم تدميرها”، بحسب المصدر.

إلى ذلك، قال ناشطون إن تنظيم “داعش” منع نحو 100 سيارة مدنيّة من النزوح خارج مدينة الرقة هرباً من القصف والعمليات العسكرية، وأوضحوا أن عناصر التنظيم أحرقوا بعض السيارات المحملة بالأثاث، فيما اعتقلوا عدداً من الأهالي واعتدوا على آخرين بالضرب.

ويشير الناشطون إلى توقف الحياة في مدينة الرقة مع إغلاق معظم المحال التجارية، وصالات الإنترنت، بينما توقفت المياه والكهرباء والاتصالات بشكل كامل، وسط نقص كبير بالمواد الغذائية وانعدام المحروقات.

في سياق متصل، قال ناشطون إن قوات النظام سيطرت على 16 قرية وبلدة غربي الرقة، بعد انسحاب تنظيم “داعش” دون أي اشتباكات بين الجانبين، وبهذا التقدم باتت قوات النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” تتقاسمان السيطرة على الريف الغربي للرقة، فيما انحصر نفوذ التنظيم في الريف الجنوبي الغربي.

 

تصادُم

 في غضون ذلك، أعلنت قوات النظام وصولها إلى الحدود السورية العراقية لأول مرة منذ سنوات، ونشرت وكالة أنباء النظام “سانا” بياناً قالت فيه إن “وحدات الجيش العربي السوري تصل إلى الحدود السورية العراقية شمالي شرقي التنف في عمق البادية السورية بعد القضاء على تجمعات داعش في المنطقة”، غير أن مصادر في المعارضة السورية أكدت أن قوات النظام والميليشيات التي تقاتل معها، وإن كانت تقدمت في محور “تل غراب” شمالي شرقي معبر التنف، إلا أنها ما تزال تبعد نحو 40 كيلومتراً عن الحدود، مؤكدة خلوّ المنطقة من عناصر داعش، وأن فصائل المعارضة هي من تسيطر عليها.

وكانت طائرات التحالف الدولي قصفت مرات عدة أرتالاً عسكرية تتبع ميليشيات تقاتل مع النظام وهي تحاول الوصول إلى الحدود العراقية بالقرب من منطقة التنف الحدودية بريف حمص الشرقي.

وإثر هذه التطورات، دخلت المواجهات في البادية السورية مرحلة تحدٍّ و”كسر عظم” بين قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة، وإيران ووكلائها على الأرض، أي نظام الأسد والميليشيات، من جهة أخرى، وسط إصرار إيران على وصول وكلائها إلى الحدود العراقية، وإصرار أمريكي مقابل على منعهم من تحقيق ذلك.

وما يلفت في معركة البادية هو توسع رقعتها لتشمل مناطق جديدة بعيداً عن مناطق الاحتكاك السابقة الواقعة بين الجيب الذي تسيطر عليه قوات النظام شرقي حمص في منطقة “السبع بيار”، وحاجز ظاظا ومنطقة التنف على المثلث الحدودي السوري – الأردني – العراقي، حيث عملت قوات التحالف على توسيع مناطق سيطرتها، وأسقطت طائرة إيرانية من دون طيار في منطقة تقع خارج نطاق الـ55 كيلومتراً التي حددتها في محيط التنف على أنها منطقة “منع تصادم”، وطلبت من قوات النظام وحلفائه مغادرتها فوراً.

وقصفت الطائرة الإيرانية قبل إسقاطها بواسطة طيران التحالف، موقعاً لقوات التحالف يضم قوات أمريكية وأخرى تابعة للجيش الحر (فصيل مغاوير الثورة) في قاعدة “الزكف” العسكرية التي تبعد أكثر من 60 كيلومتراً شمالي شرقي قاعدة التنف.

ويرى مراقبون أن هذا التصادم يشير إلى سعي الولايات المتحدة لتوسيع منطقة “منع التصادم” باتجاه الشمال الشرقي وصولاً إلى الحدود العراقية في محافظة دير الزور، وهو ما تجلى في إقامة قاعدة” الزكف” التي يُعِدّها التحالف لتكون نقطة متقدمة في عمق البادية يمكن استخدامها للتقدم نحو ريف دير الزور، حيث من المتوقع أن تكون المعارك الحاسمة هناك بعد معركة الرقة، والفائز فيها ستكون له الكلمة الفصل للسيطرة على الحدود الشرقية للبلاد، وهو ما يعني تهديداً لمشروع إيران الاستراتيجي القاضي بفتح طريق يصلها مع لبنان عبر الأراضي العراقية والسورية.

وما يلاحظ غياب أي دور محسوس لموسكو في هذه المواجهات بالرغم من الحضور الروسي القوي غير البعيد عن هذه المناطق، حيث تشارك طائرات روسية في دعم قوات النظام في معارك القلمون الشرقي مع فصائل الجيش الحر، ومعارك شرقي تدمر مع تنظيم “داعش”.

وقد تمكنت قوات النظام المدعومة بالميليشيات الإيرانية وبالطيران الروسي من السيطرة على تل دكوة وعدد من التلال المحيطة به، شرقي محطة تشرين الحرارية للطاقة الكهربائية في ريف دمشق الشرقي، وتسعى قوات النظام إلى إبعاد فصيلي “جيش أسود الشرقية” و”قوات أحمد العبدو” من منطقة بئر القصب المحاذية لتل دكوة جنوباً.

 

معارك الجنوب

 وبالتوازي مع معارك الحدود في الشرق السوري، دفعت إيران بمزيد من التعزيزات إلى الجنوب السوري متمثلة بقوات من جيش النظام والفرقة الرابعة إضافة إلى مقاتلي المليشيات، وذلك تحت غطاء جوي روسي وسوري.

وقد بدأ وصول التعزيزات إلى محافظة درعا اعتباراً من نهاية الشهر الماضي، في حين جرى استهداف مدينة درعا وأطرافها بموجات غير مسبوقة من القصف الجوي والصاروخي والمدفعي بهدف إنهاك قوات المعارضة وترويع الأهالي تمهيداً لبدء الهجوم الرئيس على المدينة والذي سبقه حتى الآن القيام بهجمات محدودة خاصة من جهة المخيم وطريق السد.

وشمل القصف استخدام مئات البراميل المتفجرة وصواريخ “فيل” فضلاً عن سقوط آلاف قذائف المدفعية، وهو ما يتسبب يومياً بسقوط قتلى وجرحى بين المدنيين وفي صفوف قوات المعارضة على السواء.

من جهتها، أعلنت “غرفة عمليات البنيان المرصوص”  مقتل المزيد من قوات النظام بينهم ضباط في الاشتباكات شرقي مخيم درعا وأحياء درعا البلد.

وحول أهداف قوات النظام من هذه التعزيزات والعمليات العسكرية، يرى خالد الفراج قائد فصيل “تجمع توحيد الأمة” التابع للجيش الحر أن النظام يستهدف بالدرجة الأولى الوصول إلى الجمرك القديم، وقطع التواصل بين الريفين الشرقي والغربي لمحافظة درعا، واستبعد الفراج أن تتمكن قوات النظام من تحقيق أي تقدم في أحياء درعا البلد لأن غرفة عمليات البنيان المرصوص أثبتت قدرتها على القيام بعمل منظم بعيداً عن الضجيج الإعلامي، كما قال.

وأوضح أن النظام يتبنى سياسة الأرض المحروقة بالاعتماد على البراميل المتفجرة وراجمات صواريخ الفيل، حيث وصل ما يقارب 40 منصة إطلاق إلى المدينة.

وفيما نجحت هذه السياسة، في السيطرة على أحياء برزة والقابون وتشرين في العاصمة دمشق، فإن الفراج استبعد أن تنجح في درعا لأن تلك المناطق في دمشق كانت محاصرة بالكامل، وتفتقر للدعم العسكري والإنساني، بينما ما تزال مدينة درعا تمتلك خطوط إمداد متعددة ومفتوحة.

 

 

مشاركة روسية

 يرى مراقبون أن النظام يحاول تكرار تجربته في السيطرة على مدينة حلب، عندما تمكن من خلال الدعم الروسي – الإيراني من السيطرة على منطقة الكاستيلو الحيوية، والانتقال بعدها إلى اتباع استراتيجية الهجمات المكثفة على جبهات محدودة، حيث نجح في القضم التدريجي للمناطق، ما أدى إلى إضعاف المعارضة في حلب، وكانت خطة القضم أحد عوامل خسارة المدينة التي تعرضت إلى واحدة من أعنف المعارك التدميرية .

واللافت أن هذه العمليات العسكرية تتم بمشاركة فعالة من سلاح الجو الروسي، رغم أن درعا مشمولة باتفاق “تخفيف التصعيد” الذي تم التوقيع عليه قبل حوالي شهر في أستانا بمشاركة روسيا وإيران وتركيا.

وفي خطوة هي الأولى من نوعها، قصف طيران يعتقد أنه تابع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مقراً لما يسمى “جيش خالد بن الوليد” التابع لتنظيم “داعش” في حوض اليرموك غربي درعا ما أدى لمقتل أربعة من قادته، إضافة إلى 12 عنصراً آخرين.

ونعى الجيش مقتل الأمير العام للتنظيم بحوض اليرموك أبو محمد المقدسي، والأمير في التنظيم أبو دجانة الإدلبي، والأمير العسكري أبو عدي الحمصي، والأمير الشرعي أبو علي شباط.

وقد بادر التنظيم إلى تعيين قائد جديد للجيش، وهو محمد رفعات الرفاعي (أبو هاشم العسكري) وهو من تل شهاب بريف درعا.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]