سوق الطرش


فوزات رزق

أيام زمان كان يقام، في مدينة السويداء كلّ ثلاثاء، “بازار” لتسويق الحيوانات، وكانوا يطلقون عليه “سوق الطرش”. والطرش بلهجة أهل الجبل تعني الحيوانات. وكان على من يريد أن يشتري أو يبيع حمارًا أو بقرة أو عنزة، أن يقصد “سوق الطرش” لقضاء حاجته؛ فيتلقّفه السماسرة منذ دخوله إلى السوق، ولا يدعونه يفلت من أيديهم إلا بعد بيع أو شراء ما جاء من أجله، وذلك بوساطتهم المعروفة. وكانوا يطلقون عليهم اصطلاحًا “الدلالة”.

فما إن يدخل الرجل السوق حتى يتلقّفه واحد منهم، ويأخذ بمقود الدابة، وينادي مدللًا عليها، مستخدمًا براعته في وصفها بأوصاف وميزات قياسية. فقد يكون الحيوان المعروض بغلًا، فلا يتورع عن جعله فرسًا أصيلة من نوع (العبيّا أو الكحيلا) مسلسلًا إياها حتى الجدّ الخامس. وما إن يأتي الشاري مصحوبًا بدلّال آخر؛ حتى تبدأ المشاجرة بين الدلّالَين؛ هذا يشيد بالبضاعة المعروضة، وذاك يفنّد ويذكر مساوئها؛ حتى إذا تمت الصفقة على ما يشتهيان، انصرفا يتقاسمان الكومسيون في ما بينهما.

عدت بذاكرتي إلى ذلك السوق، وأنا أتأمل ما يحصل في السوق السورية الراهنة؛ تارة بين أميركا وروسيا من جهة، وتارة بين أميركا وإيران من جهة أخرى. وكان آخر البازار في السوق السورية بين قطر وباقي دول الخليج.

هذا الخلاف الذي نبق فجأة كما الفطر جعلني أتذكر أغنية أحد المطربين: “شو سدا ما بدا لصرنا عدا”. يا أخي افرض أن سموَّ الأمير تميم بن حمد غلط وعصّب، والرجل عندما يغضب تذهب بصيرته، أمن الضروري سحب السفراء؛ ومن ثم سحب السيوف ومحاصرة البلد؟ ثمّ ألا تخافون على مصير مجلس التعاون الخليجي من الانهيار، وهو أمل الأمة العربية في تحقيق الوحدة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!؟

بالأمس كان سمو الأمير حمد؛ ومن بعده نجله المحروس سمو الأمير تميم، زنبرك الحركة في مجلس التعاون، وفي إصلاح ذات البين في مناطق التوتر العربية. هكذا بخطيئة واحدة نمسك بالممحاة ونمسح تاريخ الرجل المشرّف، والسياسة كما تعلمون أخذ وعطاء، وبتعبير آخر “حكّلي لحكّلك”!

لنفرض جدلًا أن الرجل يدعم (داعش) والنصرة والحوثيين، وكل التنظيمات الإرهابية؛ ألا تستطيعون قراءة أبعاد هذه السياسة! الرجل يريد أن يبعد عنكم خطر الربيع العربي الذي جندتم أنفسكم لاقتلاع جذوره وزهوره ورياحينه، وحولتموه إلى رياح سموم، وأنتم بسلامتكم تظنون بسمو الأمير الظنون. ثم يا أخي من حق الرجل أن يخاف على مستقبل بلده، في الوقت الذي تلوّح به أميركا بورقة التقسيم، فأميركا جادّة بصنع خارطة جديدة للمنطقة، تجعل من العراق عشرين عراقًا، ومن سورية عشرين سورية، ومن اليمن عشرين يمنًا. فما الذي يمنعها من أن تجعل قطرَ عشرين قطرًا. صحيح أن قطر صغيرة، وهي عدد أولي لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على واحد؛ لكن ما الذي يمنع من أن يضاف لها عدد أولي آخر، مثل البحرين مثلًا، كي تتأهل البلدان لقابلية القسمة. وكل شيء الآن في دائرة الافتراض؟

أنا -شخصيًا- غير قادر على تفسير بعض القضايا، ربما الخلل في عدم قدرتي على تحليل أبعاد المواقف السياسية؛ فإذا كان سمو الأمير تميم قد استهدف السعودية والإمارات بتصريحاته الأخيرة، فما الذي دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كي يفزع على الصياح، دون معرفة القصة؟! وماذا سيكون موقفه أمام الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي ارتمى سمو الأمير في حضنه، وبالأمس كان السيسي وحسن روحاني سمنًا على عسل؟ صدقوني أنا مخي مسكر، أحتاج إلى من يشرح لي هذه المعادلة؛ بل هذه الملاعيب! هل يتحرك هؤلاء اللاعبون بإرادتهم، على رقعة الشطرنج شرق الأوسطية، أم أن اللاعبين الكبار يحاولون التضحية بالبيادق ويحتفظون بالقلاع والأحصنة والفيلة، لمحاصرة الملك: كش؛ مات؟!

اللهم، إن ترامب وبوتين أعلم.




المصدر