‘تقرير حقوقي: التهجير في سورية.. التصنيف – الآليّات والأهداف’

16 يونيو، 2017

جيرون

أكد تقرير حقوقي أصدره (المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية)، أن عمليات التهجير التي تنفذها عدة جهات، في سورية، على رأسها النظام وميليشياته الرديفة، وميليشيا (قوات سورية الديمقراطية)، هي عمليات قسرية غير إرادية، تُصنّف ضمن عمليات التهجير القسري، وتُعدّ، وفق قاموس القانون الدولي والإنساني، جريمةً كاملة نص عليها قانون محكمة الجنايات الدولية.

جاء في التقرير الصادر أمس بعنوان (التهجير في سورية تصنيفه – آليّاته – أهداف الأطراف الفاعلة فيه): “تعددت الأطراف التي ساهمت في تهجير السكان في العديد من المناطق السوريّة (النظام وحلفاؤه، داعش، الميليشيات الكرديّة)، إلا أنّ التهجير الذي مورس بشكلٍ ممنهج وواسع ووفق خطة مسبقة كان على يد النظام السوري الذي اتبع، منذ بدء الاحتجاجات عليه عام 2011، استراتيجيةً تهدف إلى تذرير المجتمع السوري عبر تفخيخه بالثنائيات الضدية المتناحرة (سنة/ شيعة، عرب/ كرد، أكثرية/ أقليات، حاضنة موالاة/ حاضنة معارضة)؛ وهو ما سهّل عليه قمع الثورة، ودفع شريحة واسعة من أبنائها نحو التطرّف، صار السعي لمواجهتهم هدفًا دوليًا، بعد وسمهم بالإرهاب”.

عدّ التقرير أن هذه الاستراتيجية مهّدت الطريق أمام مشروع “ولاية الفقيه” الذي يسعى إلى نقل الصراع في سورية، من دائرة الثورة على الاستبداد إلى التأسيس لصراع (سني – شيعي)، وذلك عبر “تحشيد الشيعة واستقطابهم من خلال تفعيل المظلوميات لديهم والاستثمار في مشاعرهم الدينية؛ ليكونوا وقودًا لهذا المشروع الهادف إلى قضم المنطقة وتثبيت النفوذ الإيراني”.

يرى التقرير أن سياسة التهجير شكّلت نقطة تلاقٍ بين الأسد وإيران مع اختلاف أهداف ودوافع كلٍّ منهما “فإضافة إلى سعي الأسد لضرب حاضنة الثورة وإعادة السيطرة الكاملة على سورية، كان لديه مخطط إضافي ضمن مناطق جغرافية محددة، هي ما أطلق عليه سورية المفيدة لتأسيس دويلة طائفية، بينما تسعى إيران إلى تغييرٍ ديموغرافي؛ يحقّق لها وجودًا ونفوذًا على الأرض يمكنها من وصل جغرافي لمخططها بالهلال الشيعي الممتد من طهران حتى بيروت”.

فرّقَ التقرير بين التهجير القسري والنزوح الاضطراري، وفقًا لعناصر يحويها الأول وجميعها متوافرٌ في الحالة السورية حيث “تنتمي التجمعات السكانية التي هُجّرت في غالبيتها إلى مذهب ديني أو عرقي، كذلك تم إحلال مجاميع سكانية لها صبغة مذهبية واحدة في بعض المناطق السوريّة التي هُجّر أهلها، يحدث التهجير وفقًا لمفاوضات تُجبر السكان على ترك مناطق سكنهم باتجاه مناطق غير آمنة أيضًا، بل أقل أمنًا من المناطق التي هُجّروا منها (ومنه ما يجري من تهجير ممنهج للسكان باتجاه محافظة إدلب).

بين الممارسات التي تسبق عملية التهجير من: (قتل، اعتقال، إخفاء قسري، الاستخدام الكثيف للأسلحة الغبية كالبراميل المتفجرة، الحصار وتدمير البنية التحتية، ومن ثم مفاوضات تنتهي بالتهجير) يليها نهب وتدمير ما تبقى من البيوت، بعد إتمام صفقة التهجير، لضمان عدم عودة المُهجّرين “هذه الخطوة هي آخر حلقة في سلسلة ممارسات التهجير، فبعد أن تُخلى المنطقة من سكانها، تدخل الميليشيات الرديفة لقوات النظام، وتقوم بتفجير البيوت التي لا تزال صالحة للسكن بعد أن تنهب محتوياتها، كما حدث في بعض حارات حي التضامن جنوب دمشق، ويطلق السوريون على هذه الظاهرة صفة (التعفيش)، وهناك ميليشيات أصبحت موسومة بذلك، كميليشيا الدفاع الوطني المدعومة إيرانيًا. وهذه الممارسات يستفيد منها النظام بجانبين: فمن جهة، تساهم هذه المسروقات بتغطية جانب من نفقات تلك الميليشيات، وتدفعها إلى مواصلة أعمالها القتالية والإجرامية طمعًا بغنائم الحرب. ومن جهة أخرى، تساهم في تهجير السكان بشكل دائم، فالبيوت دُمّرت، والأشجار قطعت، والمناطق تغيّرت معالمها”.

وعن مصالح وأهداف الأطراف الفاعلة، لفت التقرير إلى أن “النظام يسعى لتفريغ مناطق جغرافية محددة لتأسيس دويلة طائفية؛ تهجير حاضنة الثورة في المناطق المُنتفضة عليه؛ ما يضمن عدم انتفاضها عليه مجددًا، كما يعزز ادعاءَه بالسيطرة والتحرير خلقُ الأزمات على المستويين المحلي والدولي (النزوح واللجوء) وإخراج الناشطين الثوريين من دائرة الفعل الثوري إلى الإغاثة؛ إيجاد محشر للمعارضة السورية المسلحة، ولا سيّما أن قوات النظام قد أُنهكت نتيجة تشتت الجبهات، وهذا ما يفسر تهجير المعارضة المسلحة وحاضنتها إلى محافظة إدلب”.

فيما تسعى إيران لإحداث تغيير ديموغرافي في بعض المناطق في سورية “لتدعيم وتنفيذ مخطط الهلال الشيعي الفارسي، والتحكّم في مسار عملية السلام في سورية لاحقًا كمركز لا كطرف، وإن كانت حتى الآن لا تزال تدفع باتجاه إطالة أمد الأزمة السوريّة وحرب الجميع ضد الجميع، حتى تسنح لها الفرصة الأفضل لفرض نفوذها كاملًا على منطقة الهلال”.

وبحسب شهادات لسكان من المناطق التي ترمي إيران إلى تغييرَ ديموغرافيتها، فإن الميليشيات التابعة لها تُحدث تغييرات جذرية “إما بالقوة العسكرية، كما حدث في القصير والقلمون الغربي وبعض مناطق ريف دمشق، أو من خلال القوة الناعمة (شراء العقارات، وإقامة المشاريع والاستثمارات، وخلق الألفة الدينية والاجتماعية)، حيث باتت أحياء ومدن كاملة في دمشق ومحيطها تأخذ طابعًا إيرانيًا، ولا سيما تلك التي يتواجد فيها مزارات للشيعة، من حيث النمط العمراني، والعملة المتداولة، واللغة السائدة. إضافة إلى أن إيران تعمل جاهدة على التغلغل في مناطق الأقليات عن طريق شراء الأراضي، وإقامة المشاريع والاستثمارات، وخلق الألفة الدينية عبر الزيارات المتبادلة لرجال دين من الطرفين، ومحاولة إيجاد قواسم دينية مشتركة”. وفق التقرير.

أما روسيا فإن جريمة التهجير التي تجري في سورية تخدم مخططها أيضًا، وورد في التقرير: “يرى بعض السياسيين أن روسيا تشترك مع النظام، في هدف نقل مسلحي المعارضة إلى إدلب، وتجميعهم هناك؛ ما يسهل عليها التغطية الجوية، ويقلل من تكلفتها الناجمة عن الأعمال القتالية في معظم المناطق السوريّة”.

يعنى (المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية) بقضايا حقوق الانسان والدفاع عن معتقلي الرأي، ويعمل فيه محامون سوريون، ويديره المحامي أنور البني.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]