القصور الدرامي


فيصل الزعبي

يقول الشاعر محمود درويش:

… حياتنا عبء على ليل المؤرخ

كلما أخفيتهم طلعوا عليّ من الغياب

حياتنا عبء على الرسام: أرسمهم،

فأصبح واحدًا منهم، ويحجبني الضباب.

حياتنا عبء على الجنرال: كيف يسيل

من شبح دم؟ وحياتنا

هي أن نكون كما نريد، نريد أن

نحيا قليلًا، لا لشيء، بل لنحترم

القيامة بعد هذا الموت”.

هل ستكون حياتُنا -حياةُ شعب دُمّرت حياته- عبئًا على الدراما، عبئًا على المبدع، ومنهم السينمائي وليس الرسام وحسب؟ كيف سيتم تحقيق فن غير خائن، يستطيع تجسيد الحقيقة والجمال، السينما التي عرّت يومًا ما الفاشيةَ من داخلها، من خراب روحها، تعري أسرارها وجنونها، في سورية، شيءٌ أعظم وأكثر جنونًا وأكثر جريمة، والسينما من الآن عليها أن توظف نفسها لقول الحقيقة والجمال، على الرغم من بشاعة ما يجري.

ستكون الدراما خائنة، إن لم تكن يدًا بيد مع المؤرخ والسياسي الوطني، والمقاتل والمتظاهر من أجل الكرامة والحرية.

ليس هنا محطتها الوحيدة، بل عليها أن تذهب بعيدًا، للغرف الدموية السوداء، لمتخذي قرارات الموت، والتدمير، وقتل الأطفال والشجر والحجر.

 ستكون مهمتها صعبة، نعم، لكن لا خيار سوى أن تكون شاهدة، لا كصورة وثائقية فقط، بل محاسبة الروح السوداء التي ارتكبت تراجيديات دموية، ضد الشعب السوري.

إذا اعتبرنا الدراما التلفزيونية بديلًا ما عن السينما، فهي لم تكن خلال سبع سنوات موجعة سوى دراما تدليسية متكسّبة، خارج عمق الجرح وخارج الفعل الفني لما يجري، لم تكن سوى ثرثرة سطحية ذات وظيفة تافهة، لا يتعدى العمل فيها غير الارتزاق.

القصور الفني السينمائي الذي يتجسد بقصور فني درامي إبداعي -على مختلف الأصعدة- ينبثق من قصور إبداعي عام، في الأدب والمسرح والدراما التلفزيونية؛ لأن معافاة السينما هي نتيجة لهذه المعافاة بعامةً.

الأحداث العامة الحياتية ورصدها من قبل المبدعين والمؤسسات، مسألة في غاية التعقيد، تحتاج إلى نضوج الحدث والمبدع الراصد لها معًا، وتحتاج لأهداف وطنية كبرى ترعاها، لذلك قال درويش: إنها عبء، والعبء ثقل تحمله الأيام والمفكرون والمبدعون، بتلاحم تثاقفي، معقد البنية والصيرورة.

الأحداث ليست بالمعنى الكلاسيكي العادي، وليست بطيئة، كما كان يحدث في التاريخ، إنها زوبعة داخل زوبعة، داخل زوبعة، داخل عاصفة، على زلازل من نار، فالمبدع يحتاج إلى معرفة عضوية في الثقافة والفكر، السيكولوجيا والاقتصاد والسياسة والعلاقات الدولية –أيضًا- تهم الفيلم السينمائي، وأي عمل فني، فهي ركائز الحوار الإبداعي حول الحياة التي لم يسبق لها مثيل في تعقيدها.

هل يكفي معرفة الحدث لأبني عليه موضوعًا أو سيناريو، يصبح فيلمًا سينمائيًا؟

بماذا يفكر وكيف تكوّن هذا التفكير، وما هو الحوار الداخلي، لشاب قرر تفجير نفسه؟ ما الذي يدور برأس ديكتاتور يفعل هذه الأفعال المجنونة بأدوات القتل، عندما يدمر مدنًا على رؤوس أصحابها؟ هذه، وكثير من التفاصيل، أصبحت احتياجًا ضروريًا لكاتب السيناريو، أو المبدع بشكل عام.

(عبءٌ على الرسام): ليس مَن يرسم لوحة، بل مَن يرسم فيلمه أو مسرحيته، أو يخط روايته.




المصدر