on
بريطانيا والإعلام الطائفي
مشعل العدوي
قد يبدو العنوان صادمًا ولكنه سيبدو عاديًا حين الانتهاء من قراءة المقال، ففي الوقت الذي يشير العالم كله إلى المنطقة العربية والإسلامية عند حصول أي حادث ذي طابع إرهابي، وعند عقد القمم والمباحثات والاجتماعات لمكافحة الإرهاب، لا نجد من يشير إلى الغرب بصفته شريكًا بصناعة هذا الإرهاب.
في الغرب عمومًا، وكمنهج ديمقراطي تنتهجه الدول الغربية، لا يوجد لديهم وزارة تُسمى وزارة الإعلام، ولكن يوجد هيئات لتنظيم البث والنظر في بعض القضايا التي تخص الداخل، أي داخل تلك الدول، وفي الفضاء الأوروبي.
ففي بريطانيا مثلًا يوجد هيئة منظمة للبث التلفزيوني والمعروفة باسم “أوفكوم” تحظر بث أي مواد تثير الكراهية أو النعرات العنصرية أو القومية أو الطائفية للمشاهدين في بريطانيا أو أي من الدول الأوروبية، لكن مثل هذه القواعد التنظيمية التي تضعها “أوفكوم” لا تسري على جمهور المشاهدين خارج حدود الاتحاد الأوروبي، حتى لو كان مصدر البث داخل الأراضي البريطانية.
وللاختصار سنناقش حالتين في بريطانيا فقط من أصل عشرات الحالات:
الحالة الأولى: على بعد آلاف الكيلومترات من المنطقة العربية والعالم الإسلامي، يبث رجل الدين الشيعي ياسر الحبيب خطبَه وأحاديثه المليئة بمعاني الكراهية والتحريض الطائفي، من قناته (فدك) بينما تقف هيئة تنظيم البث الإعلامي البريطانية عاجزة عن إيقافه أو ضبط ما تبثه القناة التي تتخذ من كنيسة قديمة في قلب مقاطعة بيكنجهام شير البريطانية مقرًا لها.
ويصر الحبيب على إذكاء النعرات الطائفية الكريهة في العالم الإسلامي عبر قناته الفضائية المرخصة في المملكة المتحدة، لعلمه أن القوانين البريطانية المُنظِّمة لقطاع الإعلام لن تراقب ما يبثه، لأن بثه موجه إلى خارج حدود الفضاء الأوروبي.
الحالة الثانية: تبث قناة (وصال) التلفزيونية الفضائية، برامجها من مقرها في شمال غرب لندن، دون حسيب أو رقيب، وتستهدف الأقلية السنية في إيران، مع العلم أن القناة لم تحصل على ترخيص من هيئة تنظيم البث الإعلامي في بريطانيا (أوفكوم) حتى اليوم، في الوقت الذي تعمل فيه أجهزة الإعلام العربي كلها عدا (العراق ولبنان) على مراقبة أي سلوك أو فكر طائفي على وسائل إعلامها، ومن الواضح أن قناة (وصال) تهدف للتأثير على الأقلية السنية في إيران من أجل تحريضهم ضد نظام حكم الملالي هناك، ليس تأييدًا للإرهاب بطبيعة الحال، ولكن بحثًا عن حلول حقيقية ومتكاملة من أجل اجتثاث هذه الآفة التي باتت تُقلق الجميع على سطح المعمورة، لا بد من مواجهة الجميع بالحقائق كما هي، ومطالبة كل جهة وفريق بالقيام بما يتوجب عليه كجزء من الحرب على الإرهاب، وإن كان الأفضل استخدام مصطلح مكافحة الإرهاب، فقضية مكافحة الإرهاب في وسائل الإعلام لا تقل أهمية عن مكافحة دعم الإرهاب ماليًا، ومن هذا المنطلق يتوجب على جميع الدول، وأولها الغرب، محاصرة الإرهاب وخنق فضاءاته، لا أن تمنح إرهابيي الإعلام المأوى الآمن والمستقر ليقوموا بضخ خطابات الحقد والكراهية التي ستصل نتائجها لاحقًا، لكل منزل في الشرق والغرب.
لا يفوتنا أن عدم الإشارة للقنوات الطائفية، من خلال الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، قد يكون أحد أسبابه هو أجهزة الاستخبارات التي تدّعي مكافحة الإرهاب، إذ إن الإرهاب أصبح على نحوٍ ما جزءًا من أدوات العمل لدى بعض أجهزة الاستخبارات في الشرق والغرب، بل جزءًا من سياسات بعض الأحزاب، ولا سيما اليمينية منها.
ربما يخرج علينا من يقول إن داء الطائفية هو مولود شرقي، فالإجابة نعم، ولكنه كان مولودًا غربيًا ذات يوم، وهذا ليس مبررًا أن تصب القنوات المرعية بالحماية الغربية الزيت على النار. ولمعرفة ما حصل خلال السنوات القليلة الماضية يمكننا الاستئناس بدراسة بسيطة أجرتها جامعة نورث ويسترن، تقول إن عدد قنوات التلفزيون الدينية سواء مسلمة أو مسيحية، زاد بنسبة 50 بالمئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سنوات القليلة الماضية؛ مما أدى لتصاعد الطائفية في المنطقة، فعدد القنوات المجانية ارتفع في المنطقة من 50 في عام 2011 إلى 75 في 2014.
كانت القنوات ذات الطابع السُني 43 في العام 2011، وأصبحت 55 في العام 2014، ومن الملاحظ أيضًا أن ازدياد القنوات ذات الطابع الشيعي والقنوات المسيحية في هذه المنطقة التي يهيمن فيها المذهب السني كان مهمًا أيضًا في السنوات الأخيرة، فقد زاد عدد القنوات الشيعية من 5 إلى 11 في ثلاث سنوات، وزاد عدد القنوات المسيحية من 2 إلى 9 في خمس سنوات.
بالعودة إلى الطائفية، إن كانت مولودًا شرقيًا أو غربيًا، يمكننا الركون إلى كتاب (في الدولة الطائفية) لمهدي عامل، وقد جعل دولة لبنان نموذجًا للدولة الطائفية، حيث شخّص الصراع على أنه (دنيوي في فضاء علماني)، إذ إن معظم ممثلي الطوائف هم علمانيون وليسوا رجال دين أو رهبان، وهنا تكون الطائفية هوية مكتسبة بالولادة، ولا علاقة لها بالتديّن، ويضرب مثالًا على ذلك يُشبه (النكتة) حيث يذكر أن الطائفية ترافق الإلحاد الكلي بالله أحيانًا، ففي الصراع الإنكليزي-الإيرلندي، ظهرت ظاهرة الملحد البروتستنتي والملحد الكاثوليكي، وفي المنطقة العربية نجد الملحد السُني والملحد الشيعي؛ فالإلحاد كان قرارًا بينما الطائفية مكتسبة بالولادة، وحين يشب الخلاف ينتفي الإلحاد وتظهر الطائفية.
في الخاتمة يكون السؤال: هل الإعلام الذي يبث الكراهية الدينية سبب للصراع الطائفي في المنطقة أم نتيجة له؟ بكل تأكيد فإن الإعلام في حالتنا العربية نتيجة للصراع وليس مسببًا له، لكن هذا لا يُعفيه من مسؤوليته عن التحريض وصب الزيت على النار.
تعريف: هل الإعلام الذي يبث الكراهية الدينية سببٌ للصراع الطائفي في المنطقة أم نتيجة له.
المصدر