“كزدورة” الأسد و”صلاة” قاسم سليماني


نزار السهلي

الصورة قبل أيام في دمشق.. الأسد يتفقد معرضًا للصناعات السورية، لقطات يتمشى بها دون مرافقيه مُلوّحًا بيديه لمن هم “متفاجئون” بظهوره. ما من شكّ أن نسف مزاعم “عفوية” الظهور ليست بحاجة إلى أدلة وبراهين؛ إذ يعرف السوريون جميعًا حقائق الإحاطة الأمنية الممارسة عليهم منذ عقود. الصورة التي يحاول بثها من جديد إعلام النظام  لرأسه المترنح تحت خسارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وجغرافية لا يمكن إخفاؤها بمشاهد إحاطة جمهور متلهف لأخذ “سيلفي” مع الأسد، ومناقشته بجودة البضاعة المعروضة، الأمر الطبيعي لجولة الأسد في شوارع دمشق استمراره في “استهبال” السوريين، وقدرته على فرض واقع الدوس على حطام تاريخهم وحاضرهم، دخل الأسد تخوم داريا، قبل ثلاثة أعوام ونصف، ليتصوّر هناك، بعد أن دمّرت عصاباته معظمها، وبعد حصارها أربعة أعوام؛ وفشل صورته، بعد أن هجّر من تبقى داخلها، الصورة المحصورة ذاتها في إطار محدد لمجال “كزدورة” الأسد “الطبيعية” في حدود السيطرة الأمنية التي تتطلبها إعادة توظيف وتمتين البنية الأمنية، على ما تبقى من مساحة مسيطر عليها.

خارج إطار صورة الأسد و”كزدورته الهادئة والعفوية”، يظهر قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، يجوب الحدود رفقة مقاتلين بنغال وأفغان وإيرانيين، في الوقت الذي كانت قوات النظام السوري المدعومة من عصابات (حزب الله) تشن أعنف الهجمات على درعا جنوبًا، وقف سليماني هناك “مؤديًا صلواته”، قبلها في داريا وقفت ميليشياته لتؤدي صلاتها على أنقاض المدينة المدمرة والمهجرة، لتعكس مجالين الأول مفتوح على تمدد مشروع قاسم سليماني وحرصه على ظهور صورته التي يُروّج لها الإيراني بتفاخر نجاح شق طريقه من طهران إلى بيروت، والمجال الثاني منغلق على ما تخفي خلفها بشاعة صورة الأسد وتصدعها، بعد توظيف كل القوة العسكرية والأمنية لربط حال سورية كلها بجولة الأسد برسالة: لا شيء في سورية طالما أن طريق الأسد سالكة.

كما يبدو جليًا من صورتي سليماني والأسد، في اتباع منهج التجول؛ فالأول يجوب “منتصرًا وفاتحًا” من بغداد إلى اليمن، وصولًا إلى دمشق وبيروت، والثاني محصور بجرائم قواته المنقضة على كل ما يرسخ وحدة المجتمع السوري وصلابته منذ ستة أعوام، الاستشعار بأن جولة الأسد تعكس الحالة “الطبيعية” للمجتمع الذي يئن تحت كل عوامل القهر والموت والدمار، هي في حقيقة الأمر تعبير عن سادية إجرامية مُتلذذة بضحاياها، وهي ميزة فريدة أصبحت مدخلًا لفهم الطبيعة الأساسية لمجرم على هيئة حاكم يتجول بين ضحاياه مطالبًا بابتسامة وصورة، غير بعيد عن تلك الصورة حين تتخندق التقية الدينية لسليماني، خلف مشهد إقامة “الصلاة”، بعد حفلات السلخ والذبح والحرق التي مارسها ويمارسها، هي أيضًا لاستعادة الأنفاس لزهق مزيد من الأنفاس.

هنا يتراءى لنا بوضوح، معنى التجول المبتغى من الصورة الأقوى والأوضح في مشهد السيطرة، بحيث باتت صورة سليماني الأكثر إثارة من صورة الأسد الكاريكاتيرية المفتعلة، لتقول له جولات سليماني إن مشروعنا هو الذي يحدد إطار الصورة والطريق، وامتزاجهما يسمح لك بـ “كوريدور” التجول في أزقة دمشق، هذا الترابط المحتوم بين مشروع طهران والأسد يُغطي على الصورة كلها، الاهتمام بجولات سليماني “السوبرمانية” أكثر بكثير من مشاهد “كومبارسية” مستجدة  للأسد يؤديها في “السيادة والسيطرة”، وقد ظهر كثير من تصريحات التأكيد روسيًا وإيرانيًا لإفهام “كومبارس” السيادة أن مشاهد السيطرة لا تتمثل بكاميرا في شوارع دمشق، وتحسس صابون صناعة محلية أو بنطال، بل في من يُلقي حمم الموت ويُدمّر ويقتل ويُهجّر ويحتل مدن سورية وحدودها، ويقيم قواعده العسكرية والأمنية فوقها.

“كزدورة” الأسد الدمشقية: لا شيء يؤثر في كل ما يجري طالما وجودي هو الأساس، وصورة سليماني تشي أن كل شيء موجود لينسجم ويخدم مشروعنا، بدءًا من احتلال المدن السورية إلى مشروع التقسيم، وصولًا إلى طريق الحرير الفارسي، ليس تفاخرًا بالسيطرة على بغداد ودمشق وبيروت فحسب، بل لإبقاء الديكتاتور في دمشق كديكور مهم لمشاهد السيادة والممانعة في المشهد الإيراني والروسي والإسرائيلي.

مهما كانت جولة الأسد وشكلها، وصور سليماني وإثارتها، فهي لا تستطيع طمس الحقائق المثبتة على الأرض، بأن من يتحكم في واقع الجغرافيا والديموغرافيا ومن يدفع أثمانه الكبرى قادر على كنس المجرمين المتسكعين في أزقة سورية، أو مقيمين فوق أرضها؛ ومهما تعثّرت ثورة السوريين أو تدهورت، ومهما بلغ حشد الصور وحشوها، فهو قطعًا غير قادر على هزيمة الضحية.




المصدر