on
مترجم: كتاب قصير مرعب.. يشرح لك كيف يمكن أن ينهار العالم الغربي؟
حوار مع مؤلف كتاب «انحسار الليبرالية الغربية» أجراه الصحفي «هاري تشيدل» لموقع «فايس».
يقول «هاري تشيدل» إنه توجه للمؤلف بتساؤل: «وهل بإمكان النخبة التصرف بشأن هذا الموضوع؟»
إن كنت متفائلًا بوضع العالم اليوم، فإن الصحفي «إدوارد لوس» صاحب كتاب «The Retreat of Western Liberalism» أو ما معناه «انحسار الليبرالية الغربية» سيصفعك لتَفُوق من تفاؤلك إلى التشاؤم سريعًا. ففي مائتي صفحة فقط، سيمر بك على الاقتصاديات والتاريخ والسياسات الانتخابية والعلاقات الدولية، ليرسم لك رؤية للكوكب مقلقة كما هي واقعية.
إن الاستماع إلى سرده عن كيف كانت العولمة والأتمتة سببًا في تخليص الكثيرين في العالم النامي من الفقر، لكنها على الجانب الآخر أضرَّت بمقدرات الطبقة المتوسطة في العالم الغربي، أو بالأحرى ما كانت تُدعَى بالطبقة المتوسطة. حتى إنه مع ازدهار المدن العظمى، عانت في المقابل المدن والمناطق الريفية النائية من انحدار الأجور وفقدان الوظائف، ثم بدأ التماسك الاجتماعي في الانهيار، وتزايدت معدلات إدمان المخدرات، ولا سيما تنامي الغضب تجاه النخبة الذين بدا أنهم سمحوا بحدوث ذلك، بل واشتداده.
فقد هجرت أحزاب وسط اليسار بشكل موسع سياسات الاقتصاد الشعبوية لحساب سياسات الهوية، والتي بدورها أدت إلى شحن حنق الطبقات العاملة ضدهم. ووفقا لرؤية «لوس» فإن نتيجة ذلك كانت ببساطة حصول أمريكا على «ترامب»، وبريطانيا على «بريكست»، فضلًا عن العديد من رموز أقصى اليمين التي تصدرت المشهد الأوروبي.
ومن بين المخاطر الكثيرة التي يشكلها هؤلاء القادة، أنهم سيعصفون بالتحالفات الدولية مثل حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وجدير بالذكر أنه في الخميس الماضي تسبب ترامب في قلق بعض حلفاء أمريكا الأوروبيين، وذلك بعدم تأكيده الكافي على التزامه باتفاقية الدفاع المشترك. فإن مثل ذلك الضغط على النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي يتزامن مع زيادة التعقيدات الجيوسياسية بفضل صعود الصين والجموح الروسي واستمرار أزمة اللاجئين، فضلا عن الوضع الراهن من تداعي كل ما سلم به الغرب تقريبًا.
يكتب «لوس» إن «لم تمت الديمقراطية الليبرالية الغربية بعد، لكنها أقرب للانهيار مما قد نأمل أن نؤمن به. فهي بصدد مواجهة أوخم التحديات منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أننا هذه المرة استحضرنا العدو من الداخل».
أجريت اتصالًا هاتفيًّا استباقيًّا مع «لوس»؛ إذ أن الكتاب يصدر في الأسواق الأمريكية الشهر القادم، وسألته هل حقًا الأوضاع بهذا السوء، وماذا في استطاعة النخبة كأمثالي وأمثاله أن يفعلوه بهذا الصدد؟
«فايس»: إلى أي مدى كانت الأزمة الراهنة حتمية بفضل القوى الاقتصادية التي أضرت بالطبقة المتوسطة الغربية، ما أدى بدوره إلى استعداد المزيد من الناس تبني سياسات متطرفة؟
«إدوارد لوس»: أظن أنه إلى مدى كبير. فنحن نفكر في الوضع المتأزم كما لو كان بركانًا ثار فجأة في عام 2016، إلا أن الحقيقة أنه كان يقذف وينثر حِمَمه منذ وقت طويل. انظر إلى ما كان يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن صار «نيوت جينجريتش» متحدثًا باسم البيت الأبيض عام 1994، أو صعود الجبهة القومية في فرنسا، فبعد أن كانت بالكاد تحصل على مليون صوت في الانتخابات الرئاسية في التسعينيات، صارت 5 مليون صوت في 2002، ثم 11 مليون صوت العام الحالي. فلتنظر إلى تلك الخطوط، وسترى أن عام 2016 ليس صاعقة من السماء، في الحقيقة الأمر متوقع جدًا، على الرغم من أن أشكالها المتعددة، كأن يصبح ترامب رئيسًا، لم تكن متوقعة إطلاقًا.
الغالبية أو الغالبية العظمى في المجتمع تشعر أنها لا تستفيد من برامج الحكومة، لا تنفك تتلقى وعودًا لا تفي بها الحكومة، والسياسات معطوبة، فذلك شعور متراكم منذ حين. وهو شعور متسق تمامًا مع العولمة وأثر التكنولوجيا على العمل، وأعتقد أنه نتاج لها. لا ينبغي أن يصيبنا كل ذلك بالذهول!
«فايس»: هل تعتقد أنه كانت هناك لحظات ربما كان بإمكان النخبة تلافي هذا الوضع؟
«إدوارد لوس»: بالطبع، نظريًا وفي أمثل الأحوال، ينبغي أن نشهد في أمريكا وبريطانيا والديمقراطيات الغربية الأخرى تركيزًا هائلًا على الاستثمار في التعليم والمهارات، فضلاً عن تعديل ذلك «العقد الجديد» ليلائم الاقتصاد المزعج، تلك السياسة هي رد الفعل الأنسب لأي ديمقراطية ليبرالية بالكاد تعمل بتعقلٍ وبطريقةٍ عقلانيةٍ، إلا أن ما وجدناه في السياسات الأمريكية والبريطانية ينجرف بنا بعيدًا عن ذلك.
«فايس»: كانت لديك حياة مهنية ناجحة بوصفه صحفيًّا، وأثنى الكثيرون على هذا الكتاب، من بينهم وزير الخزانة السابق «لورنس سامرز»، وأنا هنا أُحادثك من غرفة أخبار في مدينة نيويورك. بالنظر للكلمات القاسية التي وجهتها للنخبة بوجه عام، والنخب في المدن على وجه الخصوص، ماذا بإمكان أمثالنا فعله بشأن أي من ذلك؟
«إدوارد لوس»: ما نفعله فرادى حقيقة يزيد الوضع سوءًا، فنحن بطبيعة الحال، ولأسبابٍ مفهومة، نحصل على أفضل الفرص الممكنة لأجل أبنائنا عن طريق العيش في أفضل الأحياء حيث توجد أفضل المدارس، وعن طريق توفير أفضل فرص التدريب لهم، وسداد مصروفات معلميهم ومدربيهم في العطلات الأسبوعية، وعن طريق تأسيس وهيكلة حياتهم، وعن طريق حصولهم على أسر بها الوالدين معا -وليست مفككة-، فنحن باعتبارنا نخبة نفعل الشيء الصائب عادةً فيما يتعلق بأبنائنا، لكن على نحو جماعي، فإن وقع ذلك هو ما سُمِي مؤخرًا بـ«اكتناز الفرص».
جرت العادة أن يتسم رأس المال المالي بالغلو والندرة، بينما رأس المال البشري بالوفرة. أما الآن فنحن نعيش في عالم معاكس حيث معدلات الفائدة إلى حد كبير تساوي الصفر، ورأس المال المالي وافر وفي كل مكان، إلا أنه في المقابل ارتفعت قيمة المهارة البشرية. فضلاً عن إن استطاعة الآباء من النخبة التكيف بشكل هائل من خلال الاستثمار أكثر فأكثر في مهارات أبنائهم وتطويرهم، تقطع الطريق عن ما دونهم من الأطفال، لأنهم بذلك حددوا تسعيرة الإمكانات الحقيقية للانضمام للنخبة.
يجب علينا أن نتغير سياسيًا، لأنه ما من أحد سيتوقف عن فعل الأمر الصحيح إذا ما تعلق الأمر بأبنائه. على النخبة أن تفهم أن الغرب يتهاوى بطريقة تشبه فرساي العصر الحديث، وهذا الطريق مآله الخراب.
«فايس»: أحد أكثر الأجزاء المثيرة للجدل في كتابك هو القسم حيث وجهت النقد لأحزاب وسط اليسار كالديمقراطيين، بأنهم يبالغون في التركيز على سياسات الهوية، هل كنت تقصد المظاهر أم أنك تعتقد أنهم بحاجة أيضًا إلى تقديم سياسات جديدة؟
«إدوارد لوس»: مزيج من الاثنين، دعني أبدأ بالمظاهر أولًا، في يوليو (تموز) الماضي حضرتُ المؤتمر الوطني الديموقراطي في ولاية فيلادلفيا، وكان مميزًا لدرجة أن قضايا كل الأقليات تم تمثيلها، أعني من قبل المتحدثين على المنصة بالطبع. جميع الأقليات بجدارة،كانت حاضرة كل أقلية بذاتها، لا تسيء فهمي. أنا أؤمن بشدة بحقوق المثليين وقضية «حياة السود مهمة»، لكن في نفس الوقت بدا أن حملة كلينتون كانت تحيد عن الطريق، كما لو أنها تقول «نحن لسنا بحاجة إلى أصوات الطبقة المتوسطة العاملة من البيض». وأعتقد أن تلك لعبة خطيرة، إذ أن كل من كان على المنصة بخلاف تلك الأقليات كانت له قواسم مشتركة عديدة مع الطبقة العاملة البيضاء؛ فهم يجدون صعوبة في التوفيق بين الغايات، لم يكن تناولهم للأمان الوظيفي واقعيًا، وإعادة التدريب والتأهيل الوظيفي ليس من السهل تحقيقه. فهم لديهم مصلحة اقتصادية مشتركة هائلة وشاملة.
انحرفت أحزاب وسط اليسار عن ذلك، ولا أقول أن حملة هيلاري كلينتون فحسب انحرفت أو الديمقراطيين في أمريكا، بل أيضا حزب العمال الجديد في بريطانيا. إن العودة للأمن الاقتصادي الأساسي ونموه –نموًا واسع النطاق- هو أمر أساسي في رأيي، وليس فحسب الأمر الصحيح فعله، لكنه استراتيجية فوز أيضًا.
«فايس»: لماذا انحرفت أحزاب مثل الحزب الديموقراطي عن اقتصاديات اليسار؟ أم أنه من الصعب الدفاع عن زيادة الضرائب؟
«إدوارد لوس»: نعم، هذا جزء من السبب. صارت «الضرائب» كلمة يتحسس منها الجميع. لكن أظن أن هناك عنصرًا آخر: «انتصار الأقلية»، مجرد حسبة رياضية بسيطة: لن تصوت الأقلية الإيطالية/اللاتينية لصالح الجمهوريين مجددًا، وكذلك الأقليات الجنسية، فضلًا عن أن النساء تُعرض عنهم بشكل متزايد… إلخ، وإذا جَمَّعت كل ذلك، فإننا سنستمر في الفوز تدريجيًّا في كل مرة.
أعتقد أن ذلك يسمح لشخص مثل «ترامب» أن يأتي قائلًا: «انظروا إلى هؤلاء النخبويين. لديهم الملايين، لكنهم لا يتقاسمونها معكم. بل يريدون فقط أن يستغلوا هويتكم كخاصية سياسية رئيسية وحيدة، ثم يتجاهلون الجانب الاقتصادي لهويتك، ويتجاهلون قواسمكم المشتركة».، وهذا الانتقاد ينطوي على بعض المشروعية.
«فايس»: أين الشعبويين في اليسار الذين بمقدورهم الإتيان بمثل تلك الحجج والذرائع؟ لماذا تأتي تلك التحركات من اليمين؟
«إدوارد لوس»: في التسعينيات من القرن الماضي، احتضن وسط اليسار «الطريقة الثالثة» بشكل أساسي، وهي تنبع من رؤية بأن الجميع يزدادون ثراءً، وأننا عثرنا على أكسير تغيرات الزمن، فتحول اليسار عن السياسة الطبقة إلى سياسات التحرير الشخصي والطموح، ومن ثم بدأت التهوين لما سواها. في عام 2008، أي وقت الأزمة الاقتصادية، أدركنا أن الطبقة المتوسطة قد تم بالفعل استغلالها حتى مقلتيها، وتمكنوا من المواكبة فقط بلجوئهم إلى الاستدانة، وليس بالكسب. كان اليسار جزءًا من المؤسسة؛ المؤسسة التي تطلع الناس لها حين توجيه اللوم، والذي استحقته عن جدارة في الكثير من الحالات.
تمكن اليمين بفضل بعض الإنجازات الاستثنائية من إعادة تشكيل نفسه باعتباره مناهضًا للمؤسسة. ليس ترامب فحسب، بل الداعين لـ«بريكست» في بريطانيا كانوا قادرين على تمثيل أنفسهم باعتبارهم في صف الطبقات العمالية والمتوسطة. الأمر يبدو منافٍ للعقل، ناهيك عن جرأته المدهشة، لكنه كان فعَّالاً على المدى القصير. لم يكن اليسار في وضع يسمح له بسلوك نفس الطريق، فنحن رأينا اليسار على أنه المؤسسة نفسها. أعتقد أن ذلك هو السبب الرئيسي وراء توجه الشعبوية في اتجاه أحزاب اليمين، لكنني أعتقد أن الوضع يتطور.
«فايس»: هل لديك أي أخبار جيدة لمن هم من جيلي والذين يترأسون انهيار أمريكا والغرب؟
«إدوارد لوس»: بشكلٍ عام، نعيش الآن في أكثر عصورنا إيجابية من ناحية تقليص الفقر في جميع أنحاء العالم، فإن معدل تحرر الناس من الفقر في إفريقيا وجنوب آسيا وشرقها وأمريكا اللاتينية استثنائي حقًا، وبالتالي حصولهم على تعليم واكتساب القدرة على أن يكونوا مواطنين مستقلين في الديمقراطيات الليبرالية المحتملة. ومن المفارقات المريعة أننا نعايش الآن لحظة انتصار النموذج الغربي، لكن خارج الغرب نفسه.
«فايس»: لكن ماذا عن الغرب نفسه؟
«إدوارد لوس»: لدينا بالفعل المساحة لتفنيد ذلك بأنفسنا، فتلك مشكلتنا لكنها، أيضا ضمن نطاق إمكانياتنا للتصدي لها.
وجيل الألفية هو أكثر من يشجع ذلك، فهم يبدون أكثر واقعية في إدراك الموقف من الأجيال الأكبر سنًا. و أظن أن هناك غرضًا أكبر من وراء شعور الناس أنهم لم يشعروا بالعامين الماضيين، وهو محفزٌ للغاية كما الشحذ والتعبئة، هو شعور ليس سلبيًا على الإطلاق، بل شعور بأننا لدينا كل شيء نقاتل من أجله.
رابط المادة الأصلي: هنا.
صدى الشام