on
«ميريام تاناه» مدافع الخيزران في العيد
لعيد الفطر في ماليزيا طقوسية خاصة نابعة من طبيعة البلاد وأجوائها الإستوائية وغناها بغابات «شجر» البامبو أو الخيزران العملاقة، التي تُستخدم جذوعها وأغصانها الغليظة في صناعات كثيرة، ومنها ما يدخل في زينة احتفالات شهر رمضان والعيد، وهي منتجات متنوّعة كأدوات تستعمل لقذف الأسهم النارية وغيرها.
ولعل ما يلفت النظر على هذا الصعيد، أن المدافع التي كانت «تضبط» موعد الإفطار عندما يحل الغروب أو تطلق شارة نهاية الشهر الفضيل واستقبال عيد الفطر، كانت في الماضي القديم مصنوعة من هذه «الأخشاب». وقد أُدخلت عليها زخرفات ورسوم وأشكال من وحي المناسبة وبركاتها على أيدي نجارين وحرفيين بارعين.
وإذا كانت هذه الوسيلة بدائية، فقد أبقت حنين الأيام الخوالي، واستعيض عنها في مناطق زراعية وريفية بمدافع هي عبارة عن قساطل معدنية، تُعدّ لهذا الغرض. وعموماً، يحتفل الماليزيون في آخر أيام شهر الصوم واستقبال العيد بفتح منازلهم لمشاركة الأهل والأصدقاء وتبادل الهدايا والطعام.
وفي الماضي، كان الإعداد لهذه الاحتفالات صعباً ويقام في الأماكن المفتوحة الفسيحة، ويتطلّب دراية ويقظة لتفادي تسلل حيوانات مفترسة من أحراج مجاورة تلحق أذى بسكان وتحوّل أفراحهم مآتم. فكان إشعال النار ورمي مقذوفات بواسطة هذه الأنابيب المدافع القصب المسماة «ميريام تاناه» (مدفع الأرض) معتمداً لدرء «خطر مجهول» قبل أي شيء آخر.
كما شاع هذا التقليد لـ «تمشيط» غابات بكر و «تطهيرها» من الحيوانات وأذاها، تحضيراً لزرع المتناول من أرضها وزيادة الغلال والمدخول، كما أفاد فرحان حسينو إبن هذه البيئة «الحياة» بقوله: «ما زالت قريتنا كامبونغ تالانغ مسجيد في ولاية بيراك وقرى ومدن أخرى في أنحاء ماليزيا تحافظ على هذا التقليد منذ أكثر من 140 سنة، ولو أن مدفعاً مختلفاً (ميريام بولاه أو مدفع حقيقي) بات معتمداً».
يشرح حسينو تقنية تسخين الوقود (الحشوة) وإشعاله في جوف مدفع البامبو أو الأنبوب العملاق بواسطة كتلة ملتهبة موضوعة في قشور جوز الهند، والتي تتدرّب مجموعات لإتقانها وتتبارى لإطلاق مقذوفات اللهيب التي تنير الظلمة وتحوّلها حقلاً مشعاً ليلة العيد. وتستقطب الاحتفالات جموعاً وسياحاً، يستمتعون بوقائعها قبل التوجّه إلى الصلاة ثم التجمّع حول موائد الإفطار لتناول ما بُسط عليها من أطايب. يضيف حسينو: «يستخدمون في قريتنا 72 مدفعاً، بعضها تعدّى عمره الـ70 سنة، وتُخضع للصيانة دورياً. كما أن المجموعات التي تحيي هذه المناسبة تضم أشخاصاً من أعمار مختلفة يرتدي بعضهم أزياء تقليدية بألوان قشيبة، لا يأبهون للإرهاق والحرارة المرتفعة في جوار هذه المدافع المنصوبة في باحات خاصة تسهّل رؤيتها، أو حتى الخطر الناجم عن خطأ ما نتيجة إطلاق محتواها، موجّهين تهئنة «فطر سعيد» مع ترديد المآذن صلوات العيد. تراث تتناقله أجيال ويتبارك بمعانيه صغار وكبار.
صدى الشام