أبشرْ بطول سلامةٍ يا إرهاب!


جلال زين الدين

لم يبقَ إلا أيام معدودة وينتهي الإرهاب، ليصبحَ نسيًا منسيًّا، وذكريات مؤلمة يرويها جيلُنا للأجيال القادمة!

هذا ما يُستَشفُ ويُتَوقّع أن تسفرَ عنه القِمم والمؤتمرات والتحالفات والمقاطعات النَّشطة مؤخرًا، فثمة إجماع إقليمي ودولي على محاربة الإرهاب، واجتثاثه غربًا وشرقًا شمالًا وجنوبًا، بل غدا ذلك مُقدَّمًا على عمليات التَّنمية والبناء، وكيف لا يكون لذلك القدح المعلى والإرهاب لا يبقي بناءً ولا يسمحُ بتنميةٍ.

أضغاثُ أحلام ورديّة لا يبشرُ بها الواقعُ العربي المرير والدولي المنافق؛ فالقممُ والمؤتمرات والتحالفات تقودُ حربًا أشبه بالعبثيّة. نظرًا للطريقة التي تُدار بها الحرب، ولطبيعة بعض الأطراف التي تشنُّ هذه الحرب، فمن السخف إسناد مهمات الشرطي إلى لصٍّ.

ينبغي أن تقومَ الحربُ على أُسسٍ علميّة لا على أطماع استعماريّة ونزواتٍ وأحقاد سياسيّة لأنظمة استبداديّة، ورغبات نرجسيّة لطغاة لا يرون إلا ذواتهم العفنة.

إنَّ الحرب الناجحة لا تبدأ بالطائرات والدبابات، ومراقبة الفضاء الافتراضي، وعدّ أنفاس النّاس، ومحاسبتهم على تغريدة أو رأي، إنّما يجب أن تترافق الحرب العسكريّة وتتزامن مع البحث عن الأسباب الموضوعيّة لهذا الإرهاب المُخيف الذي غزا مجتمعاتنا. فشَنُّ الحروب مع بقاء الأسباب الموضوعيّة سيفرِّخ أنواعًا وموجات جديدة من الإرهاب، قد لا نستطيع السّيطرة عليها هذا إن نجحنا في السيطرة على الموجة الحالية.

إنَّ الحربَ الناجحة يقودُها المجتمعُ بدايةً من الدَّاخلِ من خلال نبذ التّطرف، ورفض المجتمع تأمين حاضنة وأرضية للإرهاب. وأبرز سمات هذا المجتمع الحريّة، فالمجتمعات المُستعبَدة التي تمنع من المشاركة في القرار، فضلًا عن حريّة التعبير، لا ترى نفسها طرفًا في صراع لن تجنيَ منه إلا الحصرم على الحالين.

ولا بدَّ للحرب النَّاجحة من وجود قوًى غيرِ إرهابيّة لاجتثاث الإرهاب، فالنار هنا لا تطفِئ النار، فالحرب على الإرهاب تختلف عن الحروب الكلاسيكية القائمة على قاعدة “لا يفل الحديد إلّا الحديد”، فمن العبث شنّ الولايات المتحدة حربًا على الإرهاب في العراق وسورية عبر الميليشيات الطائفية أو الميليشيات الانفصالية الإرهابيتين.

تتطلبُ الحرب على الإرهاب إبعاد القوى التي أوجدت الإرهاب عن هذه الحرب أو تحييدها ريثما يتمُّ إزالتها، فلا يعقل أن تنجحَ حربٌ على الإرهاب تشارك فيها أنظمة انقلابيّة أو استبداديّة أو طائفيّة، فهذه الأنظمة سبب رئيس لوجود الإرهاب واستمراره، فهل يعقل أن يشارك نظام السيسي الإرهابي في وضع لوائح الإرهاب؟!

ويبدو غريبًا قولنا: إنَّ الحرب الناجحة على الإرهاب ينبغي أن تستهدف الإرهاب. فهل هناك حرب على الإرهاب لا تستهدف الإرهاب؟! مما يؤسف له أنَّ جزءًا كبيرًا من حرب (محاربة الإرهاب) لا تستهدف الإرهاب. فروسيا التي جاءت لمحاربة الإرهاب الداعشي رأيناها تحارب القوى الوطنيّة والإسلاميّة المعتدلة، وتشرف على عمليّات تهجير ديموغرافي، والسيسي بدلًا من محاسبة المسؤولين عن المسؤولين عن الهجمات الإرهابية، والمقصرين في واجبهم الأمني نراه يقصف مدنيين آمنين في دولة أخرى، ويلاحق القوى الوطنيّة المعارضة قتلًا وسجنًا وتهجيرًا وقمعًا، وغير ذلك كثير. ونرى جميعًا كيف يُتخذ الإرهاب شماعة لتصفية الأحزاب الوطنية الفاعلية والجمعيات الخيرية والإنسانية والشخصيات الحرة.

ولا تتطلب الحرب على الإرهاب ممارسة الإرهاب، فمن يتتبع الأرقام يجد أنّ ضحايا الحرب على الإرهاب لا تقل بل تزيد كثيرًا عن ضحايا الإرهاب نفسه، وما اعترفت به (نيويورك تايمز) 3100 قتيل مدني بضربات التحالف، هو جزء بسيط من الرقم الحقيقي فضلًا عن ضحايا القصف الروسي وغيره التي تفوق هذا الرقم كثيرًا جدًا، وما يمارس في مجتمعاتنا ومعتقلات أنظمتنا الإرهاب عينه. فالفعل الإرهابي سيوجد بلا شك إرهابيين جدد؛ فالإرهاب يولّد الإرهاب.

وينبغي أن تبتعد الحرب الناجحة على الإرهاب عن سياسة المحاور، والمصالح السّياسيّة الضّيقة، وهذا ما نجده شبه معدوم في الحرب الحاليّة، فالتحالفاتُ تقومُ على مصالح سياسيّة نفعيّة بعيدًا عن أي حربٍ حقيقية على الإرهاب، وإلّا كيف نفسِّرُ التحالفات الأخيرة، ودعم الولايات المتحدة لقوى انقلابيّة في بلد، وانفصالية في بلد آخر على الرغم من أنّ هذه القوى الانفصاليّة تتحالف مع نظام استبدادي تعدّه واشنطن إرهابيًّا، وكيف نفسر ذلك الدعم المادي اللامحدود من دول ثريّة لتكريس سلطة العسكر الإرهابية في بلد أو إعادتها في آخر بدعوى اجتثاث الإرهاب؟!

قد تنجح القوى المتحالفة، وستنجح على الأقل حاليًّا في اجتثاث الإرهاب كقوة مسيطرة على بقعة جغرافية هنا وأخرى هناك. ولكن هل سيقضون على ظاهرة الإرهاب؟ ما ذكرناه آنفًا يوضح المسار المظلم الذي تنزلق له منطقتنا، فلا حرب حقيقية وناجحة على الإرهاب بل استخدام رخيص للإرهاب من قبل قوى طامعة للسيطرة على المقدرات، وسلب السّيادة. واستخدام أرخص من قوى استبدادية لقمع الشعوب، والتّضييق عليها، ومنعها حريتها، أمّا الإرهاب، فأبشر بطولة سلامة يا إرهاب، وكلُّ ما على الإرهاب فعله تغيير شكله، فالمصلحة والمنفعة متبادلة بينه وبين القوى الطامعة وقوى الاستبداد، وكلاهما يتغذى على الآخر.

إنّ محاربة الإرهاب عملية متكاملة لا تقبل الانتقاء والمحاباة، وغير ذلك سيأتي بآثار عكسية لا يريدها إلا أنصار الإرهاب، وبالتالي نخشى أن تؤدي الحرب الفاشلة على الإرهاب إلى نجاحه بالتّكيف مع الواقع الجديد، وعندها سيكون الإرهاب أشدّ عنفًا، وستكون ضرباته أقوى إيلامًا ودمويّة، وعندها سندفع -الشعبَ- ضريبته، وضريبة اجتثاثه مجددًا.




المصدر