on
الغارديان: من طهران إلى بيروت: تهدف الميليشيات الشيعية إلى تعزيز نفوذ هلال إيرا
أحمد عيشة
خطط إيرانية لتأمين طرق برية عبر العراق وسورية، حيث يجري تعزيزها من قبل وكلاء يطردون (داعش) من المنطقة
وحدة من الحشد الشعبي المدعوم من إيران تهاجم مواقع (داعش) خلال معركة البعاج. تصوير: رويترز
بلدة بعاج مدمرةٌ ومهجورة، وشوارعها مسدودةٌ بسيارات مقلوبة، ومحلاتها التجارية مغلقةٌ، والبوابات الحديدية لمنازلها المدمرة تئن من الريح الحارقة.
وسط الحطام، كانت علاماتُ الوافدين الجدد القوات التي طردت، قبل أقل من أسبوع، الدولةَ الإسلامية (داعش)، من أحد أهم مناطقها في شمال العراق، كانت علاماتهم الكتابة على الجدران، وزرع أعلامهم، فقد أهدروا وقتًا قليلًا في تدعيم واستثمار مطالبهم إلى مكانٍ، لم تكن له أيّ أهميةٍ تذكر على امتداد تاريخ العراق الحديث، ولكن من المقرّر له أنْ يصبح محوريًا منذ هذه اللحظة.
تُعدُّ بعاج، الآن نقطة أساسية في خطةٍ إيرانية لتأمين الطرق البرية عبر العراق وسورية وإلى لبنان، مما يعزز نفوذَها على الأراضي التي احتلها وكلاؤها.
“من الموصل إلى بعاج، شكرًا لك سليماني”. عبارةٌ واحدة مرسومة على دوار البلدة، تكريمًا للجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي ساعد في قيادة ميليشيا جبهة الحشد الشعبي (جحش)، حين اجتاحوا بلدة بعاج باتجاه الحدود السورية.
تم زرع أعلام مختلف الوحدات الشيعية مثل نبات الخشخاش. وعلى الطريق المؤدية إلى البلدة، كان أبو مهدي المهندس (الزعيم المشترك لميليشيا الحشد الشعبي) يحييّ قواته المنتصرة التي اقتطعت في الأسابيع الأخيرة رقعةً جديدة من الموصل إلى الحدود السورية.
قال المهندس، في مقابلةٍ نادرة في قاعة اجتماعاتٍ قبليّة يديروها رجاله: “كانت هذه هي القلعة الأخيرة في منطقة (داعش)، كانت نقطة العبور للإرهابيين من تركيا، منذ عامي 2013 و2014، حيث دخلوا بعاج وتلعفر، إنّها منطقةٌ استراتيجية لقادتهم”.
وعلى طول الطريق السريع، من الكيّارة جنوب الموصل، تصطف الحفارات، وآلات الطرق والجرافات، بعضهم سينضم إلى الوحدات التي يهيمن عليها الشيعة في المعركة، وهم يهاجمون صفوف (داعش) المنسحبة باتجاه سورية.
وسيُستخدم بعضها قريبًا لترتيب ما خلّفوه، وهي شبكة الطرق التي لا يمكن المرور بها أبدًا، وعند إصلاحها وتوسيعها ستشكّل طريقًا حيويًا إلى الحدود وما وراءها، حيث تكون “بعاج” نقطة التقاطع فيها. وقال أحد كبار أعضاء ميليشيا الحشد الشعبي: “لن نغادر بعاج، ستكون هذه قاعدتنا الرئيسة في المنطقة”. وبعد ظهر ذلك اليوم، اجتازت مقطورات، تحمل جدران مضادة للانفجارات، البلدةَ باتجاه مبنى حكومي في وسطها.
وليس بعيدًا من هنا، أقامت “حركة النجباء” -وهي ميليشيا عراقية تقود الحرب ضد القوات المعارضة لبشار الأسد في سورية- قاعدةً، بحيث تتسع لكل واحد من عناصر الميليشيات الذي سيحارب (داعش) داخل العراق.
شارات الشيعة تحل محل شارات الدولة الإسلامية بالقرب من بعاج. تصوير: جنكيز يار
إنَّ التحول الذي طرأ على بعاج، من ملاذٍ لقادة (داعش) خارج السيطرة، إلى نقطةٍ محورية لمساعي إيران لتغيير الديناميكية الإقليمية، يجري بسرعةٍ، حتى قبل تطهير مئات المنازل المفخخة. وقال عضو في ميليشيا جبهة الحشد الشعبي: “إنّه أمرٌ هام، وسنفعل الكثير من هنا”.
في مطلع أيار/ مايو، قال قادة ميليشيا جبهة الحشد الشعبي لكبار أعضائهم، إنَّ ممرًا أرضيًا، من شأنه أنْ يؤّمن لإيران خط إمدادٍ عبر العراق، وسورية ومن ثمّ إلى لبنان، قد أعيد توجيهه إلى الجنوب من جبل سنجار، على بعد 25 ميلًا إلى الشمال. وكانت بعاج أول مركز رئيسٍ، ومن هناك كان الطريق يعبر إلى سورية عبر مدينة دير الزور، وبلدة الميادين، وكلتاهما ما تزالان تحت سيطرة (داعش).
تقوم الميليشيات المدعومة من إيران بتحصين بلدة بعاج العراقية، للمساعدة في تأمين طريق بري مستقبلي من طهران إلى دمشق وإلى لبنان
ومنذ ذلك الحين، تجمعت القوات المدعومة من إيران بقيادة سليماني، على جانبي الحدود قرب الطريق السريع بين دمشق وبغداد؛ ما أدى إلى وقوع ثلاثة اشتباكاتٍ على الأقل مع القوات الأمريكية، ووكلائهم من المعارضة السورية، قرب بلدة التنف.
ويشكّل الطريق السريع نقطةً محورية في المحاولات الرامية إلى تأمين طريقٍ حيوي، لكن كبار أعضاء ميليشيا الحشد الشعبي قالوا: إنَّ ممراتٍ أخرى محتملة يجري استكشافها أيضًا، لأنَّ انهيار (داعش) سيغيّر بسرعةٍ ساحة المعركة حول الحدود، وقالوا إنّ الطريق عبر دير الزور والميادين، إلى تدمر، ثم نحو دمشق هو الخيار المفضل الآن.
لقد أصبحت حركة القوات حول المنطقة الحدودية لعبة شطرنج محيرة بين لاعبين متعددين، حيث تقود الميليشيات المدعومة من إيران، الجيش السوري نحو العراق من الغرب، وتحرك القيادة نفسها الميليشيات العراقية باتجاههم من الشرق.
في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، التقت القوتان في نقطةٍ على الخريطة، بين مدينتَي الميادين ودير الزور، وهي لحظةٌ محورية في الحرب السورية ومعارك الثلاث سنوات ضد داعش، وهي إنجازٌ جزئي على الأقل لخطط إيران لتأمين هلال النفوذ.
أبو مهدي المهندس يلتقي بالقوات العراقية بالقرب من بعاج. تصوير: جنكيز يار
كانت الغاية أيضًا هي عرقلة نوايا الولايات المتحدة، للتحرك شمالًا من الميادين لمحاربة (داعش) في آخر معقلٍ لها، ويُعتقد أنه من المرجح أن يكون إلى الغرب من دير الزور.
وحيث أنَّ مجالات النفوذ تتشكل الآن في ساحة المعركة، كان المهندس متفائلًا بشأن ما قد يأتي بعد ذلك، غير أنّه تردد في الكشف عما إذا كانت ميليشيات الحشد الشعبي ستنتقل الآن، وعلنًا إلى سورية.
“(داعش) الآن موجودة في حوض الفرات في سورية والعراق، إنهم يحاولون البقاء هناك. نريد القيام بعملية عسكرية هناك. أعتقد أنّها ستستغرق ما لا يقل عن سنة، وربما أكثر من ذلك”.
“هُزم تنظيم القاعدة، ثم عاد إلى الظهور باسم (داعش) إذا لم ندّمر كلَّ شيء، فإنَّ كلّ هذه المنطقة ستعود إلى (داعش) من جديدٍ تحت اسمٍ مختلف”.
إلى الجنوب من بلدة بعاج، فإن عددًا من القرى، والبلدات الخراب التي أُفرغت بسرعة، تشير إلى أنه إذا عادت (داعش)، فلن يكون ذلك في أيّ وقتٍ قريب. وقال عضو كبير في ميليشيا الحشد الشعبي: “تلوح المعركة في الأفق، وتأمين سورية سيحقق الاستقرار في المنطقة، وسنرى ذلك قريبًا”.
كان المهندس أكثر حذرًا، إذ قال: “إذا استمر التهديد من سورية، أو من أيّ منطقةٍ أخرى، فإنَّ أيّ دولةٍ تحترم نفسها، يجب أنْ تذهب إلى مكان وجود الإرهابيين، لتدافع عن نفسها. إذا كنا بحاجةٍ الى إجراء اتصالات [بين الحكومتين العراقية والسورية]، يمكننا القيام بذلك، ولكنَّ الأمر يجب أنْ يصدرَ من الحكومة العراقية”.
اسم المقالة الأصلي | From Tehran to Beirut: Shia militias aim to firm up Iran’s arc of influence |
الكاتب | مارتن شولوف، Martin Chulov |
مكان وتاريخ النشر | الغارديان، the guardian، 16/06/2017 |
رابط المقال | https://www.theguardian.com/world/2017/jun/16/from-tehran-to-beirut-shia-militias-aim-to-firm-up-irans-arc-of-influence |
ترجمة | أحمد عيشة |
المصدر