بوتين وحديث السلاح


الخليج

يتباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعمه لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. الأمر يبدو طبيعياً في إطار الحرب المجنونة التي تدور في هذا البلد والمنطقة بأكملها منذ ما يزيد عن ست سنوات، لكن اللافت هو ذلك الذي يشير إليه بوتين من أن دعم النظام السوري ليس السبب الوحيد، بل إن هناك سبباً آخر أهم، يتمثل في اختبار الأسلحة الروسية المستخدمة في الحرب، وبالطبع المردود المالي الضخم منها.
يقول بوتين إن خطط روسيا متوسطة الأجل في سوريا تشمل تحسين قدرة قوات النظام، ما يسمح بنقل القوات الروسية المنتشرة في أكثر من منطقة سورية إلى القواعد الروسية القائمة في البلاد.
ولم يفت بوتين الإشارة إلى أن المجمع الصناعي للجيش الروسي استفاد كثيراً من اختبار أحدث أسلحته في سوريا، وهذا هو جوهر الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى أهداف أخرى تتمثل في الصراع من أجل إيجاد موطئ قدم ونفوذ سياسي للروس وغيرهم في المنطقة التي لا تزال تجتذب المزيد من اللاعبين، لكن أبرزهم على الإطلاق الروس والأمريكيون، إضافة بالطبع إلى لاعبين إقليميين مجاورين للمنطقة، مثل إيران وتركيا و«إسرائيل»، وأنقرة تريد العودة من بوابات عربية عدة، لعل آخرها بوابة قطر، التي يرى رجب طيب أردوغان الأزمة المتصاعدة معها فرصة لاستعادة دور مفقود لتركيا منذ عشرات السنين.
لن نأتي بجديد إذا ما قلنا إن الصراع في منطقة الشرق الأوسط كلف خزائن العرب مليارات الدولارات كانت كفيلة بتغيير ملامح المنطقة بأسرها، ولن نأتي بجديد أيضاً إذا ما أشرنا إلى أن هذه المليارات تم ضخها إلى مصانع الأسلحة للدول الكبرى، بخاصة الولايات المتحدة وروسيا، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا، ووفرت ملايين الوظائف لمواطني هذه البلدان، لكن الأهم هو في تأمين تجارب كافية على نجاعة الأسلحة المصنعة، فبدون ساحة قتال لاختبارها، لن يكون بمقدور صناع الأسلحة ضخ المزيد منها وتطويرها، وهو مضمون التصريح الذي تحدث عنه الرئيس الروسي بوتين بصراحة، فهو يريد القول إن الأسلحة التي تقوم الدولة الروسية بتصنيعها لن يكون بالإمكان معرفة كفاءتها إذا لم يتم تجريبها على أرض الواقع، وهو ما يحدث اليوم في الحرب الدائرة في سوريا وغيرها.
تبدو الساحة العربية أرض تجارب لوسائل الحرب والدمار، وتكشف صفقات الأسلحة التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة ضخامة المبالغ التي أنفقت بغرض التسليح، والتي سمحت للدول الكبرى بتطوير صناعاتها العسكرية واختبارها على الأرض، وبالتالي فإنها تبحث عن مزيد من الأسباب لاستمرار الحروب في المنطقة لضمان تطوير أسلحتها بشكل أكبر وأكبر.
ولو نظرنا إلى عدد الحروب التي شهدتها المنطقة العربية خلال العقود الخمسة الأخيرة لتيقنا أننا كنا وما زلنا، ضحية سياسات الدول الكبرى التي تتنافس فيما بينها على تحويل مناطقنا بأكملها إلى حقل تجارب لأسلحتها وتطويرها، ولكن ليس بأموالهم وإمكانياتهم بل بأموالنا وإمكانياتنا نحن.




المصدر