تداعيات شهادة كومي تملأ الإعلام وتشغل الأميركيين


روشان بوظو

في واشنطن لا يتابع أحد الانتخابات البريطانيّة أو الفرنسيّة أو الأزمة الخليجيّة، فالإعلام الأميركي مكرّس بشكل كامل لتغطية آخر تطوّرات التحقيق حول العلاقة المحتملة بين حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابيّة وروسيا، وتتكشّف فيها يوميًا معلومات جديدة تجعل التحقيق يأخذ أبعادًا أخرى من ناحية حجم القضيّة وتشعّباتها.

يوم الخميس 8 حزيران/ يونيو 2017، أدلى جيمس كومي رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي بشهادته أمام لجنة استماع في الكونغرس الأميركي، وأشار فيها تحت القسم إلى مجموعة من النقاط الأساسيّة الّتي تُشكّل تطوّرًا مهمّا في التحقيق، مثل تأكيده أنّ الرئيس ترامب قد طلب منه عدم متابعة التحقيق، حول علاقة مستشار الأمن القومي السابق فلين مع الروس، وكان المثير للريبة، حسب رأيه، أنّ ترامب طلب من كافّة مستشاريه مغادرة المكتب البيضاوي، قبل التحدّث معه في هذا الموضوع، ونظرًا لأهميّة هذا الأمر الّذي يمكن عدّه -قانونيّا- إعاقةً للعدالة من قبل الرئيس ترامب، فقد سارع كومي بعد مغادرته البيت الأبيض إلى كتابة مختصر دقيق لحديث الرئيس معه، وأعلم مجموعة من كبار موظّفي مكتب التحقيقات الفيدرالي بتفاصيل ما حدث، وفوق ذلك طلب، من صديق موثوق له، تسريبَ ما دار معه في البيت الأبيض للإعلام؛ ليعرف الأميركيّون حقيقة ما يجري، كما قال خلال جلسة الاستماع هذه إنّ سبب إقالته يتعلّق تحديدًا بتحقيقاته حول علاقة حملة الرئيس ترامب بروسيا، وعبّر عن عدم ثقته بالرئيس ترامب مقارنة بالرئيسين أوباما وجورج بوش الابن.

في اليوم الثاني، خلال مؤتمر صحفي، وُجِّه سؤالٌ للرئيس ترامب عن طلبه من كومي بوقف التحقيق حول فلين، فأجاب بالنفي، وأكّد أنّ شيئًا من هذا لم يحدث، وأنّه مستعد لإعطاء الإجابة نفسها تحت القسم، إن لزم الأمر.

مع هذه التطوّرات تكون قضيّة التحقيقات حول علاقة حملة الرئيس ترامب بروسيا قد بلغت منعطفًا حاسمًا؛ نتيجة وجود تناقض كامل بين أقوال الرئيس وما صرّح به الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وسبق ذلك تكليف مدّعٍ عام مستقل بمتابعة هذا الملف كاملًا، وهو المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي روبرت مولر، الّذي يتمتّع باحترام واسع لدى الحزبين الجمهوري والديموقراطي أي أنّ التحقيقات ستستمر حتّى تصل إلى حقيقة التدخّلات الروسيّة في الانتخابات الأميركيّة وحجمها، وحتّى تُجيب على كلّ الأسئلة حول طبيعة العلاقة بين حملة الرئيس ترامب والروس. هذه التحقيقات ستأخذ وقتًا وخلال هذه الفترة سيكون لها الكثير من المضاعفات على المستوى الداخلي الأميركي وعلى المستوى الدولي.

داخليًا، نُصِحَ الرئيس ترامب بتجاهل هذه التحقيقات، وبالتوجّه إلى قاعدته الشعبيّة الجمهوريّة والمحافظة والعمل على تحقيق وعوده الانتخابيّة، بحيث تطغى إنجازاته السياسيّة على موضوع التحقيقات، ولذلك فقد أقرّ، بعدَ إلغاء نظام الرعاية الصحيّة المعروف باسم “أوباما كير”، نظامَ تأمين صحّي مختلف (ستثبت الفترة القريبة المقبلة إن كان قابلًا للتطبيق) لكن تواجهه واحدة من أهم المشكلات في الداخل الأميركي، وهي الارتفاع الكبير لتكاليف العلاج في الولايات المتّحدة مقارنة ببقية العالم، وبعدها قام الرئيس ترامب بالانسحاب من اتّفاقيّة باريس للمناخ، معتبرًا أنّها غير عادلة للولايات المتّحدة مقارنة مع الصين والهند وروسيا، وسط احتجاج أوروبي وعالمي.

على المستوى الدولي، وجود تحقيقات حول العلاقة مع روسيا منعت الرئيس الأميركي من اتّخاذ أي خطوة إيجابيّة تجاه الروس، لكيلا تُستخدَم دليلًا على هذه العلاقة، بل اعتُمدت سياسة خارجيّة أكثر حزمًا، تمثّلت في الضربة العسكريّة لمطار الشعيرات ولميليشيات إيرانيّة قرب التنف، بالإضافة إلى رفض تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا نتيجة احتلالها جزيرة القرم والجزء الشرقي من أوكرانيا، كذلك كُثّفت الحملة العسكريّة ضد (داعش) لتحقيق نصر سريع بهدف توظيفها داخليًا.

يقوم البيت الأبيض، في الوقت الحالي، برسم سياساته الخارجية انطلاقًا من اعتبارات داخلية، بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الولايات المتحدة.




المصدر