فزغلياد: خطر المواجهة بين الأميركيين وجيش الأسد على الجبهات بلغ ذروته


سمير رمان

ترجمة

الصورة: ريتشارد هيرنانديز- آروتشو U.S. Army/wikipedia.org

أرسلت الولايات المتحدة الأميركية، إلى قاعدة التنف في سورية، أنظمةَ قصف صاروخيّة، ويتحدَّث حلفاؤها المحليّون عن إقامة قاعدةٍ ثانية في “الزكف”. أسباب الاستعجال الأميركي مفهومة: فالملحمة التي امتدَّت شهورًا طويلة في طريقها إلى النهاية، والرهانات ارتفعت بدرجةٍ كبيرة، وليس عبثًا أنْ يُقارن الوضع الناشئ في سورية الآن بالسباق (بين القوات السوفيتية والولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا- المترجم) ربيع عام 1945.

ذكرت وسائل إعلام، نقلًا عن مصادر استخباراتية، أنَّ الجيش الأميركي قد نقل صواريخ قادرةٍ على العمل بفاعليةٍ ضمن دائرةٍ كبيرة، من الأردن إلى معسكر التنف السورية. ووفقًا لهذه المصادر، يدور الحديث عن نُظمٍ مخفَّفة الوزن لإطلاق الصواريخ من طراز ((HIMARS التي “ستوفِّر دعمًا كبيرًا لتواجد الولايات المتحدة الأميركية العسكري”.
وقد نُصبت هذه الوحدات على هياكل عرباتٍ ذات عجلات، ويمكنها أنْ تحمل ستة صواريخ متفجِّرة، أو صاروخًا واحدًا تكتيكيًّا، قصيرة المدى بمدًى أقصى، يصل إلى – 480 كم، وهو أمرٌ حاسم بالنسبة إلى الظروف السورية.
انطلاقًا من العقيدة الأميركية التي تعتبر أنَّه مع زوال العدو الرئيس (الاتحاد السوفيتي)، لم يقم الأميركيون، خلال فترةٍ طويلة، بتطوير أنظمة صواريخٍ ومدفعيةٍ جديدة. بدأ الحديث عن تطوير منظومة HIMARS لأول مرة في عام 1994 في نسخته خفيفة الوزن القابلة للنقل (على متن طائرات النقل العسكريَّة C-130)، وتتميَّز عن النسخة الثقيلة RZSO M270A1  بإمكانية حملها على العربات المجنزرة من نوع “برادلي” ولكن أخيرًا، توصَّلت قوات مشاة البحرية، في عام 2002، إلى اتفاقٍ مع القوات البرية في الجيش الأميركي؛ لتسليمها 40 منصَّةٍ قاذفات مركَّبة على شاحنات وزنها خمسة أطنان، ويمكن تجميع ونصب الـ HIMARS عليها باستخدام الرافعة.

نُشرت أول منظومة في العراق في محافظة الأنبار، وكذلك في أفغانستان في ولاية هلمند. وهناك، في هلمند، وقع الحادث الأول، عندما سقط صاروخان على بيت مدنيٍّ؛ ما أسفر عن مقتل 12 شخصًا.
في عام 2016، استخدمت الولايات المتحدة للمرَّة الأولى صواريخ HIMARS ضد مقاتلي “الدولة الإسلامية”، حيث أُطلقت عدة صواريخ من الأراضي التركية. ظهرت في الآونة الأخيرة معلوماتٌ حول استخدام HIMARS لدعم الأكراد قرب الرقة.
في الواقع، هذا السلاح ليس بالسلاح الرهيب، مقارنةً (بل هو حتى أقلّ شأنًا من حيث القوة والإمكانات) بنماذج صواريخ “غراد” الروسية الحديثة. ومن المشكوك فيه أنْ تتمكَّن صليةٌ واحدة من بطارية HIMARS من تغيير الوضع على الجبهة تغييرًا جذريًا؛ فهي ليست صلية من منظومة “الإعصار” أو “تايفون” تطلق قرب إيلوفايسك أو ألتشيفسك. وهكذا، في حالة مخيم التنف، فليس ما يثير الاهتمام حقيقة نشر هذا النظام، بل موقعه. حتى لو تغاضينا عن حقيقة أنَّ المعبر الحدوديَّ في التنف (يسميه الأميركيون بمعبر الوليد – اسم هذا المعبر من جهة الأراضي العراقية) هو جزءٌ من أراضي دولةٍ ذات سيادة، هي سورية، وأنَّ نشر قوات من بلد آخر بلا دعوةٍ هناك، هو انتهاك للسيادة؛ وهو بالضبط ما أشارت إليه وزارة الدفاع الروسية، يوم الخميس، مذكِّرةً البنتاغون بهذه الحقيقة.
سبق لصحيفة (فزغلياد) أنْ أشارت إلى أنَّ تقدُّم القوات الحكومية السورية باتجاه معبر التنف (بحسب بعض المعلومات، جاء بدعمٍ من القوات الجوية الروسية) هو حدثٌ استراتيجيٌّ، إنْ لم يكنْ تاريخيًّا. يوجد الآن في سورية العديد من الجبهات التي أصبحت ساحةً لصدام المصالح الكبرى للقوى الكبرى. ويمكن بشكلٍ ما تشبيه الوضع الحالي في سورية، بالوضع في ألمانيا في ربيع عام 1945، عندما دخلت الدول الحليفة في سباقٍ لتقرير من الذي سيستولي على المراكز الرئيسية على أراضي الرايخ الثالث المتهاوي. حينئذ، لو لم ينشغل المارشال غيورغيي جوكوف كثيرًا بأمر جيش “الجنرال الشابّ” فالتر فينك الذي كان يمثِّل “الأمل الأخير للرايخ”، لتمكَّن من السيطرة على هامبورغ بسرعة. ولو لم يهرع لإنقاذ براغ من الدمار، لسيطر على ميونيخ بدون خوض معركة. عندئذ كانت ألمانيا الجديدة ستكون موحَّدةً، وبالتالي كان الترتيب الجيو-سياسي في أوروبا سيكون مختلفًا جدًا.

كل هذا، بالطبع، هو قابل للنقاش من وجهة نظر التاريخ، حيث لا مكان فيه لعباراتٍ من قِبَلِ “لو”. شيء من هذا القبيل يحدث بالفعل في سورية، ولكنْ، بطبيعة الحال، على نطاقٍ مختلفٍ.
بدعم من الائتلاف الذي تقوده دولة الولايات المتحدة الأميركية، لم تعدْ المجموعات المتبقية ممَّا كانت تسمِّى “المعارضة المعتدلة”، والمعروفة أيضًا باسم “الجيش السوري الحر” لم تعد تسيطر سوى على مساحةٍ صغيرة. ومن دون الدعم الجوي الأميركي، يتملَّك هؤلاء الناس الذعر والاستسلام وإلى حجز بطاقةٍ على الحافلات المتَّجهة إلى إدلب.
تحولت إدلب نفسها، وجزءٌ صغيرٌ جدًا من محافظة درعا إلى محميَّةٍ للجنِّ، أي الجهاديين. أمَّا بالنسبة للأكراد، فتقع نحو 25 بالمئة من أراضي سورية تحت سيطرتهم، وهذه المناطق ليست كرديَّةً بحتة من الناحية العرقية. لذلك قد يكون هناك مزيد من المساومة عليها في المستقبل. في نهاية المطاف، ومع سيناريو مناسب، يمكن لدمشق استعادة السيطرة على ما يصل إلى نحو 65 بالمئة من مساحة البلاد؛ ممَّا يوفر الأساس لمزيدٍ من المفاوضات، بشأن الهيكل المستقبلي للدولة.
بحكم الأمر الواقع، يقع جزءٌ كبيرٌ من الحدود الخارجية السورية (أي مع العراق) تحت سيطرة الجماعات الشيعية ذات المرجعية الإيرانية. وفي هذا الوضع يمثِّل معبر التنف النقطةَ الاستراتيجية الأخيرة التي تسمح للقوات الموالية للولايات المتحدة من الجيش السوري الحرّ، بكسب موطئ قدم في الأراضي السورية؛ وبالتالي المشاركة في المفاوضات المقبلة المحتملة.  وبحسب أحد أكثر السيناريوهات الواعدة، بالنسبة إلى التحالف بقيادة الولايات المتحدة، قد يجري الحديث عن تقسيم البلاد، وهو الأمر الذي ترفضه رفضًا قاطعًا كلٌّ من دمشق وموسكو. وهكذا، فإنَّ هذا المعبر الصغير جدًا في الصحراء (وهو عبارة عن بنائين وبضعة دكاكين) سيتحوَّل فجأة إلى نقطةٍ استراتيجيّة؛ تكون السيطرة عليها ذات تأثيرٍ بالغٍ على الكثير من الملفات.
في هذا الواقع، تبدو عملية نشر المنظومات الصاروخية الأميركية عمليةً استعراضيَّةً أكثر منها عسكرية؛ ففي تلك الأراضي تحدَّد المناطق وتوضع العلامات. ليس لدى القوات الحكومية في هذا القطاع مدفعيةٌ على الإطلاق، وهي لا تلزم هناك، وإرسالها إلى مناطق جرداء عملية معقَّدة لا معنى لها.

يبدو أن الجيش السوري لا يخطط بعد لشنِّ هجومٍ مباشرٍ على التنف، ولكن الالتفاف عليه من الصحراء صعبٌ. التوغل باتجاه دير الزور غير متاحٍ حاليًّا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التوغل من الجنوب والوصول إلى الفرات، حيث أصبح السباق على الأرض نقطة محوريةً في الحرب.
لا يبدو الأمر ملفتًا، كما كان الحال مع المعارك الملحمية حول المدن الكبيرة مثل حلب، أو كطرد الأتراك من منطقة الباب. ومع ذلك، نحن نتحدث عمليًا عن الدافع الخفي الرئيس وراء غالبية العمليات العسكرية، في الجمهورية العربية السورية، العمليات التي تحمل طابعًا تكتيكيًا بحتًا.
الحد الأقصى لقدرات القوات الموالية للولايات المتحدة هو السيطرة على 10-15 بالمئة من أراضي سورية؛ الأمر الذي لا يضيف لها شيئًا في المواقف التفاوضية. تتقلّص مناطق سيطرة “الدولة الإسلامية” تدريجيًا، وتدفعُ بعيدًا في الصحراء، ومواقفها القوية فعلًا، تتركَّز في شرق محافظتي حمص وحماة. ويمكن عند الرغبة القوية تطويقها والمضي قدمًا إلى الشمال من تدمر. أمَّا بالنسبة إلى الأحداث قرب دير الزور، فهي قصةٌ أُخرى، تتطلب تحليلا دقيقًا. والباقي صحراء غير مأهولة، مع أنَّها تبدو على الخريطة غاية في الأهمية.

كذلك الأمر نفسه -على الخريطة- حيث يفكِّر الجنرالات الأميركيين، ويخططون للانطلاق من منطقة التنف الصحراوية؛ لتوسيع مناطق سيطرة جماعات المعارضة قرب نهر الفرات شمالًا، والالتحام مع المجموعات هناك قرب الرقة، بالسيطرة على أكثر من 500 كيلومتر. ولتحقيق ذلك، ظهرت الحاجة إلى المدافع والصواريخ الأميركية، بعيدة المدى، ولكنها غير فعَّالةٍ في حقيقة الأمر.
إدارة الحرب على مستوى العالم، هي شرفٌ لجنرال مشاة البحرية الأميركية اللفتنانت جنرال “ستيف تاونسند”، وليس للقائد العام جوزيف ستالين الذي نُسب إليه -خطأً- شرف إدارة الحرب على المستوى العالمي! سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما سيحدث، ولكن خطر الاصطدام المباشر بين القوات الحكومية السورية والأميركيين يتزايد بشكلٍ كبير. ومن الممكن أن الكثير سيتوقف على مدى تواصل مراكز السيطرة الروسية مع تاونسند نفسه وأركانه.

 هناك أساسٌ كافٍ للافتراض بأنه قد أقيم اتصالٌ لفظي مع الأميركيين في منطقة التنف. ومع ذلك، ربما يتجاوز الزخم السياسي الاعتبارات البراغماتية.

اسم المقالة الأصلي

Риск фронтального столкновения американцев и армии Асада достиг максимума

اسم الكاتبيفغيني كروتيكوف
مكان وتاريخ النشرصحيفة فزغلياد . 15 حزيران 2017
رابط المقالةhttps://vz.ru/world/2017/6/15/874706.html

ترجمة

سمير رمان




المصدر