on
“المركز الاستراتيجي للثقافات: أسرار الحرب السورية “العامل الدرزي
نشر المركز الإستراتيجي للثقافات دراسةً تحدّث فيها عن خفايا الحرب السورية التي تدور رحاها في أحد أكثر المناطق توتراً في العالم. وفي الواقع، تتمتّع سوريا بتنوعٍ عرقيٍّ ودينيٍّ ما جعلها تتحول إلى ساحةٍ للصراع والقتال بين مختلف هذه الجماعات العرقية والدينية من أجل فرض الهيمنة وتحقيق المصالح الذاتية. بالإضافة إلى ذلك، استغلّت بعض الأطراف الخارجية هذا التنوع بهدف فرض نفوذها في سوريا.
وفي هذا الصدد، تعدّ الحرب السورية من أكثر الحروب تعقيداً عبر التاريخ، إذ كشفت عن العديد من الأجزاء الخفيّة والمعلومات الغامضة التي تتعلق بالطائفة الدرزية، التي يعيش المنتمون إليها بالأساس في المناطق الجنوبية من سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن فشل البنتاغون في السيطرة على جنوب سوريا فضلاً عن مساعدة الجيش السوري الحر، يعود بالأساس، إلى استهانته بمدى أهمية العامل الدرزي.
في المقام الأول، من الممكن تحديد هوية الدروز من خلال الطبيعة الخاصة لديانتهم. وفي الحقيقة، دينهم هو عبارة عن فرع “متطرف” من المذهب الشيعي، تم إدماج العديد من مميزات الديانات الأخرى فيه، مع مرور الوقت. وعلى هذا الأساس، لا تعتبر العديد من المذاهب الإسلامية المنتمين لهذا الدين بالمسلمين، إذ أن الدروز مثل الهندوس يؤمنون بتناسخ الأرواح: أي أنه في حال مات واحد منهم، فستولد روحه في أشخاصٍ جدد في نفس اللحظة التي يموت فيها. لذلك، يتميز الدروز بشراستهم في القتال، إذ يعتقدون أنهم مستعدون للظهور في هيأةٍ أخرى في حال لقوا حتفهم.
والجدير بالذكر أن الدروز يتحدثون اللغة العربية ويطلقون على أنفسهم اسم “الموحدين” إذ يؤمنون بوحدة الله وبالديانات السماوية ويعتبرون أن كل الديانات على غرار اليهودية، المسيحية والإسلام متشابهة. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الدروز أنفسهم أتباع أقدم الديانات على وجه الأرض، ويحتفظون بالكتب السماوية. من جهةٍ أخرى، يعدّ الدروز من الشعوب المحافظة التي تلتزم بقيمها ومبادئها الخاصة والمتزمّتة.
في سياقٍ آخر، تتميز هذه الطائفة بالشجاعة، والمقاومة، والقدرة العالية على القتال ولا يعتبرون أقل شأناً أبداً من الأكراد الذين عرفوا بقدراتهم القتالية العالية والذين حظوا في الآونة الأخيرة باهتمامٍ إعلاميٍّ كبير.
في الحقيقة، تُعرف هذه الطائفة بولائها الاستثنائي لبلدان الإقامة أي البلدان التي تنتمي إليها، وهذا يندرج ضمن غريزة الحفاظ على الذات بالنسبة للدروز. وعلى الرغم من أن الدروز الإسرائيليين في الجولان السورية (حوالي 50 ألف شخص)، يخضعون للاحتلال لمدة 60 عاماً، إلا أنهم يحافظون على جوازات سفرهم السورية، كما أنهم يرفضون الحصول الجنسية الإسرائيلية.
في الشرق الأوسط فقط، هناك حوالي مليونيْ درزيّ، في لبنان، والعراق، وفلسطين، وسوريا، إذ يعيش حوالي 800 ألف درزيّ داخل الأراضي السورية. وعموماً، يعيش معظمهم في جنوب سوريا في محافظة السويداء وفي المرتفعات تحديداً في جبل الدروز. علاوةً على ذلك، يعيش حوالي نصف مليون درزي في محافظة القنيطرة على الحدود مع الجولان، في حين تعيش النسبة الأقل من طائفة الدروز في محافظة إدلب الشمالية.
في بداية الحرب الأهلية في سوريا، بينما لم يكن واضحاً إلى أين تتجه الأحداث في المنطقة، حاول الدروز التزام الحياد. وخلال تلك الفترة، قرّر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط أن يقف في وجه بشار الأسد، كما قام بدعم “جبهة النصرة” حيث صرّح خلال أكثر من مناسبة أنه لا يعتبرها منظمة إرهابية. لكن، في وقت لاحق، اعترف جنبلاط أنه خسر دعم العديد من زملائه وحلفائه الدروز. وعلى خلفية ذلك، وأصبح مستقبله السياسي في لبنان مهدّداً.
من جهةٍ أخرى، حذر الشيوخ الدروز في سوريا من الحرب، ودعوا إلى البقاء بعيداً عن مرمى الاشتباكات. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدروز كانوا في حالة صدمة إزاء قتال فصائل المعارضة السورية للأسد والتزموا، في المقابل، بالدفاع عنه وحافظوا على ولائهم لدمشق على الرغم من كل التحديات.
لكن، في بداية الحرب السورية، انضمّت وحداتٌ صغيرة من الطائفة الدرزية إلى المعارضة السورية والجيش السوري الحر. وبدعمٍ أمريكيّ، تمّ الاستيلاء على جزءٍ كبير من محافظة السويداء، حيث تمّت الدعوة للتطهير العرقيّ والدينيّ فضلاً عن احتجاز الرهائن وقتل المدنيين. وفي شمال إدلب في جبل الدروز، أجبرت عناصر إرهابية حوالي 25 ألف شخصٍ من الدروز في 18 قرية على اعتناق الإسلام السني. كما تعرضت طائفة الدروز إلى اعتداءاتٍ كبيرةٍ من قبل الإرهابيين، شملت حتى تجويعهم.
وفي الوقت الراهن، تقف الأغليبة العظمى من الدروز السوريين بحزمٍ في صفّ الحكومة السورية، من بينهم ميليشياتٌ موالية لدمشق. من جهته، لعب جنبلاط الذي يعتبر أحد أبرز زعماء الدروز في المنطقة والمعارض لنظام الأسد، دوراً هاماً لا يمكن تجاهله في الحفاظ على وحدة الدروز وتخفيف الإحتقان الطائفي بين مؤيدي الأسد ومعارضيه في لبنان على الرغم من عداوته للأسد.
ومن جهةٍ أخرى، عمل جيش الموحدين الدروز بجدّ لحماية السويداء من خلال التحالف مع دمشق. وفي هذا الصدد، لطالما أثبت الدروز أنهم مرتبطين ارتباطاً جذريّاً بالنظام السوري الحالي، ويعتبرونه النظام الوحيد القادر على حمايتهم والذود عن مصالحهم. علاوةً على ذلك، تنشط القوة المحلية الدرزية التي تُعرف باسم “درع الوطن” في جميع أنحاء البلاد إلا أن لديها فرع في محافظة السويداء برئاسة أحد أهم الشخصيات الدرزية الداعمة للأسد الشيخ “يوسف جربوع”.
وفي سياقٍ متصل، يعتبر العميد “عصام زهر الدين”، من القادة الأكثر أهميةً الذين ينتمون إلى الطائفة الدرزية من محافظة السويداء. وقد أمر “عصام زهر الدين” بفكّ الحصار عن دير الزور، إذ يساعده في ذلك إلى جانب العديد من القيادات ابنه الأكبر “يعرب”. وقد نجح العميد الدرزي “زهر الدين” في إثبات كفاءةٍ عاليةٍ في الحرب ضدّ “تنظيم الدولة” خلال السنوات الثلاث الماضية. إلى جانب ذلك، كان “عصام زهر الدين” يقاتل في اللواء 104 تحت قيادة الأسد للدفاع في معارك اعتبرت معارك حياةٍ أو موت، إذ كان يدرك برفقة مقاتليه أن مصيرهم في حال الاستسلام سيكون وخيماً، نظراً لأن “تنظيم الدولة” يعتبرهم “كفاراً” أو “مرتدين”.
وفي سياقٍ آخر، لطالما خطط البنتاغون عملياته العسكرية بعنايةٍ شديدةٍ خاصّةً في الجنوب السوري، إلا أنه تجاهل في أغلب الأوقات العامل الدرزي ممّا أدى إلى فشله رغم الموارد الكبيرة التي خسرها. ومؤخراً، تمكن الأمريكيون من تحقيق خطواتٍ هامّةٍ في الحرب السورية بفضل الأكراد، إلا أن ذلك لا يكفي وفقاً للخبراء.
وكانت نقطة التحول في صيف سنة 2015، عندما قامت المعارضة بدعمٍ من الأردنيين والاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية إلى جانب الدعم السعودي والقطري والأردني بتنفيذ هجومها على جنوب سوريا. وكان الهدف من هذا الهجوم السيطرة على محافظة القنيطرة، ودرعا، والسويداء وبعدها دمشق، وقد أنقذ الدروز آنذاك الموقف. وفي هذا السياق، هزمت قوات الدروز العدوَّ على جبل حرمون في القنيطرة. وبعد أربعة أيامٍ من القتال المتواصل، تمكنت القوات الدرزية من الدفاع عن السويداء، كما لعبت القوى الدرزية في ضواحي دمشق جرمانا وصحنايا من الدفاع عن العاصمة السورية.
ووفقاً لمصادر رسمية، أعلن النظام السوري مؤخراً أنه استعان بميليشيات “سرايا التوحيد” الدرزية للقتال في ريف السويداء ضد الجيش السوري الحر. وقد بدأت هذه الميليشيات بالانتشار على جبهات القتال إلى جانب الأسد بشكلٍ فعليٍّ لتنضمّ بذلك إلى ميليشيا “جمعية البستان” وميليشيا “الحزب القومي السوري”. وبعد القصف الأمريكي على قوات الحكومة السورية التي تتحرك نحو الحدود العراقية، حاول الجيش السوري مواجهة الدروز في شرق السويداء. لكن، اضطر للتراجع بعدما عانى وتكبّد خسائر وخسائر فادحة.
خلال المرحلة الأخيرة من الحرب السورية وفي ظل النقص الفادح في الموارد البشرية، تمكن الدروز من تعزيز دورهم في هذه الحرب بفضل فعاليتهم في القتال إلى جانب الأسد. فبالتزامن مع تطور قوة الأكراد خلال الحرب السورية، أصبح من المرجح العمل على دعم القوات الدرزية في المنطقة.
وفي الوقت الراهن، تقف أعدادٌ هامّةٌ من هذه الطائفة إلى جانب الحكومة السورية نظراً لأنّ الطرف الوحيد أو على الأقل الأهم، الذي يقدّم الدعم والحماية للدروز هو بشار الأسد.
وعلى الرغم من أن طبيعة الدروز لا تزال “غامضة” و”خفية”، إلا أنها تعدّ بمثابة عاملٍ مهمٍّ لا يجب الاستهانة به بالنسبة لجميع الأطراف المشاركة في الصراع السوري على الصعيد الداخلي والخارجي. وعموماً، يمكن لبعض الأطراف الفاعلة في الحرب السورية الاستفادة من هذه الطائفة التي تعدّ أقليّةً مؤثرةً بشتى الطرق.
المركز الاستراتيجي للثقافات
الكاتب: ديميتري مينين
الرابط: https://www.fondsk.ru/news/2017/06/17/tajny-sirijskoj-vojny-druzskij-faktor-44170.html
المصدر