“المسحراتي” مهنة لا تندثر في القلمون الشرقي


خالد محمد

يحظى “المسحراتي” بمكانة خاصة في نفوس أهالي منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، إذ إنه يعدّ جزءًا رئيسًا من تراث شهر رمضان وعاداته؛ ليس لدوره في إيقاظ الناس ليتسحروا فحسب، بل لكونه يساهم إلى حدٍ كبير في إحياء مهنة من التراث القديم والجميل المحبب لأهالي المنطقة.

في هذا الإطار قال محمد الحاج علي (مدرسٌ متقاعد): “اشتهر المسحراتي، أو المُسحِّر لدى المسلمين منذ القدم باعتباره الوسيلة الوحيدة المتوفرة -حينئذ- لإيقاظ الناس في ليالي شهر رمضان، قبل موعد أذان الإمساك لتناول وجبة السحور، بسبب عدم وجود ساعات تنبيه أو مكبرات صوت في المساجد لإيقاظهم إلى السحور”.

وأضاف في حديثه لـ (جيرون): أنه “على الرغم من التقدم التكنولوجي الكبير الذي طرأ على مختلف مجالات الحياة، ومنح الناسَ القدرةَ على ضبط منبهاتهم الإلكترونية أو الهواتف كوسيلةٍ عملية وموثوقة للاستيقاظ، إلا أن صوت طبلة المسحراتي، المصحوبة بالعبارات الروحية التي يرددها، ولا سيما عبارات “يا نايم وحّد الدايم.. يا نايم وحّد الله”، لها وقعٌ خاص في نفوس الناس كونها تحمل طابعًا دينيًا”.

في مدينة الرحيبة -وهي إحدى مدن منطقة القلمون- يواظب الحاج أبو سمير، 70 عامًا، منذ ثلاثة عقود، على إيقاظ أهالي المدينة في ليالي رمضان ليتناولوا السحور، حيث يتّنقل أبو سمير، من حارةٍ إلى أخرى، مشيًا على الأقدام، دون كللٍ أو ملل، حاملًا بيده عصًا صغيرة يقرع بها على طبلٍ مشدودٍ إلى صدره، ويرتدي زيًا تقليديًا (جلابية) فوقه عباءة، ومصباحًا صغيرًا يساعده بتلمس خطواته عند مروره ببعض الشوارع والأزقة المظلمة.

قال أبو سمير، لـ (جيرون): “أنا من أبناء المنطقة، وقد اخترت هذه المهنة، ابتغاء مرضاة لله، وحبًا فيها، أمّا الأهالي فاعتادوا في نهاية شهر رمضان، معايدتي كلٌ على طريقته وبحسب استطاعته”، مشيرًا إلى أنه “في كل عام أتخذ قرارًا بأن أعتزل هذه المهنة، لكن مع اقتراب شهر رمضان، أُسارع على الفور إلى أداء مهمتي في تنبيه الناس يوميًا، للنهوض وتناول السحور وأداء صلاة الفجر، قبل طلوع شمس نهار الصيام”.

وأضاف مفصّلًا: “في الماضي كنت أطرق الأبواب والنوافذ على الأهالي، وأناديهم بأسمائهم، ولا أتركهم إلا بعد أن أتأكد من استيقاظهم، وكان لكل قريةٍ صغيرة، مُسحرٌ خاص بها، ومع النمو السكاني، ومع قلة عدد المُسحِّرين، يكتفي أغلبية المُسحِّرين -حاليًا- بأن ينادوا على الأهالي بذكر بعض العبارات التي تُذكّرهم بتقوى الله، وتدعوهم إلى التخلي عن النوم، والاستيقاظ لتناول السحور”.

وحول بدء مواعيد عمله، أكدّ أبو سمير أنّ عمله في تسحير الناس يبدأ من الساعة الواحدة حتى الثالثة ليلًا، وفي ذلك يقول: “أصادف، في كل ليلة، الأسر التي اعتادت السهر حتى وقت السحور، وهي تجلس أمام منازلها هربًا من الحر، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، ويدعونني في كثيرٍ من الأوقات لتناول كوبٍ من الشاي، أو لمشاركتهم وجبة السحور”.

من جانب آخر، قال شاهين -وهو شابّ يعمل مُسّحرًا في مدينة جيرود المجاورة- إنه “اندفع وراء رغبته في العمل في تسحير الناس، حفاظًا على الموروث التاريخي الذي ورثه أبناء المنطقة عن أجدادهم من جهة، ولخلق أجواءٍ رمضانية تختلف عن بقية أشهر السنة، عبر إضفاء بعض الابتسامة والمرح على وجه الأطفال الذين لطالما سمعوا عن شخصية “المُسّحراتي”، أو شاهدوه في التلفاز دون أن تسنحَ لهم فرصة التعرف إليه عن قرب، من جهةٍ ثانية”.

تلقى مهنة “المُسّحراتي” استحسانَ الأهالي وخصوصًا الصغار الذين يبادرون إلى مصافحته والتقاط صورٍ تذكارية معه في وقتٍ متأخر من الليل، وهنا نبّه شاهين إلى أن “مظاهر الود هذه تدفعه للاستمرار في عمله، على الرغم من غياب معظم مظاهر الشهر الفضيل بفعل الحرب، والظروف الاقتصادية المتردية للكثيرين”.

لم يكن “المُسحّراتي” في الماضي يتقاضى أي مبالغ مالية “أُجرة” وكان ينتظر حتى حلول أول أيام العيد فيمرّ بالمنازل منزلاً-منزلاً، ومعه طبلته المعهودة، فيَهبُ له النّاس الهدايا والحلويّات ويبادلونه عبارات التّهنئة بالعيد السّعيد، أمّا اليوم وبسبب ضيق الحال والبطالة وقلة العمل، يتلقى “المُسّحراتي” بعض المال من الأهالي في الأحياء التي نشط فيها.




المصدر