“تجفيف المنابع”


باسل العودات

منذ عدة سنوات، درج مصطلح “تجفيف منابع الإرهاب”، وفحواه التأكيد على أن القضاء على ظاهرة الإرهاب يبدأ من تجفيف أسبابه ومولّداته وجذوره، وليس من القضاء على أدواته النهائية، من إرهابيين ومجرمين ومعتوهين ومخدوعين، فحسب.

من المفترض أن يكون هذا المصطلحُ، المعاصر والمُستحدث، الخطوةَ الأولى في طريق طويلة تؤدي إلى القضاء على الإرهاب، وإلى البدء ببناء أجيال ومجتمعات وأمم خالية من هذا المرض المستعصي العضال.

يمكن اليوم اشتقاق مصطلحات أخرى مفيدة، انطلاقًا من هذا المصطلح العميق، مصطلحاتٍ يبدو أن كثيرًا منّا -السوريين- بحاجة إليها هذه الأيام أكثر من أي شيء آخر، مصطلحاتٍ، تُخلخل المفاهيم والأدمغة والأخلاق والقناعات التي عاقتنا عمّا ننشده، وباتت عائقًا حتى عن بقاء سورية وطنًا.

المطلوب من الموالين للنظام “تجفيف منابع الحقد” عندهم، ممن لا يفهمون أن حقدهم سينقلب عليهم، يومًا ما -طال الزمن أم قصر- وأن حقد نظامهم سيحرق الأرض تحت الجميع.

والمطلوب منهم “تجفيف منابع الطائفية”، خاصة عند من فقدَ رشده، واعتقد أنه يقتل السوريين نصرةً للطائفة أو المذهب، وأن أجره، عند الله والأئمة و”آيات الله”، أجرٌ عظيم.

والمطلوب كذلك “تجفيف منابع الكراهية” التي عمّمها النظام، وانغرزت في نفوسهم؛ فتعاملوا مع السوري الذي يرفض النظامَ الشمولي، تعاملَهم مع العدو، لا مع المختلف بالرأي، فكرهوه، وكرهوا الأرضَ التي وطِئها؛ فدمروها.

وعلى مؤيدي النظام أيضًا “تجفيف منابع الخيانة” خيانةِ النظام للوطن والتاريخ، وارتهانه للخارج، وبيعه القرار لروسيا وإيران، وتآمره مع “إسرائيل”، وتسليمه البلد ومصيرها لثلّة من المرتزقة الطائفيين الأجانب، واستسلامه لأي متدخّل يضمن له البقاء على كرسي الحكم.

من جهة ثانية، مطلوبٌ من معارضي النظام “تجفيف منابع الجهل السياسي”، خاصة عند شريحة ليست قليلة من المعارضين، ممّن جربوا وخرّبوا، ودفعتهم الصدفة وحدَها إلى الصدارة، وارتهنوا لقرارات الدول الداعمة، ولم يُدركوا أن استقلال القرار هو نصف الطريق لنجاح الثورة.

المطلوب منهم بشدة “تجفيف منابع الغوغائية” خاصة لشريحة من “أبطال” الـ (فيسبوك)، ممن يعتقدون أن الثورة هي تهييج و”تشبيح” مضاد، وأن علوَّ الصوت دليلٌ على قوّة الحجة، ولم يعرفوا سلاحًا سوى بذاءة اللسان، لتعويض فقرهم الفكري وتعصبهم وخواء عقولهم.

المطلوب كذلك “تجفيف منابع المفسدين” الذين نهبوا قُوت اللاجئين المساكين، وكنزوا الأموال في جيوبهم، واعتقدوا أنهم أحق بها لأنهم لسان حال الثورة، وارتزقوا على حساب الضحايا، وراق لهم أن يكونوا أمراء حرب، أو شركاء لأمراء حرب.

كل هذا “التجفيف” مطلوبٌ، وهو يتطلب تغييرات جذرية في العقول والتفكير والأخلاق، وإن جفّف الموالون للنظام حقدهم وطائفيتهم وكراهيتهم؛ فسيكون هناك أمل بأن تُشفى سورية من مرضها العضال، وإن استطاع المعارضون تجفيفَ جهلهم السياسي وغوغائيتهم وفسادهم؛ فسيعود الأمل كبيرًا، بإسقاط النظام واستعادة سورية لآمالها.

 كما يتطلب هذا “التجفيف” وقفةً من السوريين كلّهم أجمعين، أمام ضميرهم، ولو مرة واحدة في عمرهم، حتى لا يضيع عليهم هذا العمر؛ وتضيع معه سورية إلى الأبد.




المصدر