دير الزور وآفاق التحولات الجيوسياسية
21 يونيو، 2017
محمد الشوا
تحتل مدينة دير الزور (470 كيلومترًا شمال شرق دمشق) موقعًا مهمًا، ذلك بأنها من أهم المراكز التجارية تاريخيًا، في إقليم الجزيرة الفراتية الواقع في قلب العالم القديم، وكانت محطة القوافل التجارية إلى بغداد ومنها، وحاليًا تتميز بموقع جغرافي مهم لأطراف الصراع في سورية، بحدودها المشتركة مع محافظة الأنبار العراقية التي ما تزال مدنها القريبة من الحدود السورية خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة (داعش).
بحسب صحيفة (التايمز) البريطانية ستصبح دير الزور “برلين” الصراع في سورية؛ فيؤدي الاستيلاء عليها إلى تحديد مصير الشرق الأوسط في السنوات والعقود المقبلة، كما تقاسم الحلفاء برلين.
إذ إن المدينة ستكون منطقة نفوذ محورية للولايات المتحدة أو روسيا أو إيران، الداعمين الأساسيين للفصائل المتحاربة. يبلغ طول الحدود السورية العراقية نحو 600 كم، تمتد من محافظة الأنبار جنوبًا وحتى محافظة نينوى شمالًا، وهي حدود صحراوية تضم ثلاثة معابر هي: معبر الوليد/ التنف، وتسيطر عليه القوات العراقية، ومعبر القائم/ البوكمال ويسيطر عليه تنظيم (داعش)، ومعبر ربيعة/ اليعربية وتسيطر عليه قوات البيشمركة الكردية.
يسعى الإيرانيون، بميليشياتهم الطائفية في سورية والعراق، للسيطرة على أهم معبرين على الحدود، وهما معبر التنف على الحدود الشمالية الشرقية المحاذية للأردن، ومعبر القائم على الحدود العراقية السورية، حيث أطلقت قوات الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق معركةً جديدةً سمتها (عمليات محمد رسول الله الثانية)؛ يأتي هذا التقدم الأخير، بعد أيام فقط من سيطرة الحشد الشعبي على قضاء الحضر في فترة قياسية لم تتجاوز 48 ساعة؛ لتتمكن هذه الميليشيات من تشديد قبضتها على الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه القوات الإيرانية وميليشياتها، وهو السيطرة على منطقة الحدود العراقية السورية، والتقدم بعرض 60 – 70 كم، إلى عمق الحدود.
تحتاج إيران إلى السيطرة على المنطقة الشرقية؛ لحماية استثمارها في الصراع السوري، وتعزيز موقفها في مواجهة الأميركيين الذين أعلنوا -صراحةً- أن هدفهم في المنطقة لجم التوسع الإيراني. من جهة ثانية، تسعى إيران لتحقيق حلمها في ممرّين برّيين، يربطانها بلبنان والبحر الأبيض المتوسط، عبر أراضي العراق وسورية، الأول في الشمال والثاني في الجنوب، يمر الشمالي من محافظة (ديالى) العراق التي أصبحت ذات أغلبية شيعية، نحو محافظة كركوك وبلدة الشرقاط إلى الشرق، وصولًا إلى سورية عبر المنطقتين الجبليتين (تلعفر وسنجار)، ويمر الجنوبي عبر المحافظات الشيعية العراقية، ثم بالطريق الصحراوية الرئيسة في محافظة الأنبار إلى شرق سورية، قبل الوصول إلى دمشق. وقد نقلت صحيفة (الغارديان) البريطانية، عن مسؤولين إيرانيين وعراقيين، تحذيراتٍ ترى أنّ “تنامي الوجود العسكري الأميركي في شمال سورية قد ينعكس سلبًا على خطوط الإمداد الإيرانية الواصلة ما بين طهران واللاذقية”، وقامت إيران بتغيير خط إمدادها بمسافة 180 كم جنوبًا داخل الأراضي السورية؛ لتفادي أي صِدام عسكري مع القوات الأميركية التي يقضي مشروعها بالسيطرة على محافظة دير الزور؛ لقطع أي طريق برية أمام إيران التي تسعى، في الآونة الأخيرة، لربط ميليشياتها في العراق مع مثيلاتها في سورية.
يبدو جليًّا إصرارُ إيران وتمسكها بمشروعها الساعي لإنشاء الممر كمدخل للحفاظ على مكاسبها الجيوسياسية في سورية والإقليم؛ وهذا الإصرار كان واضحًا من خلال رفع إيران سقف التحدي، ويدعم ذلك ما نقلته وكالة فارس الإيرانية أن طهران سترسل 3000 مقاتلًا، من “حزب الله” إلى معبر التنف لإحباط ما سمتها “المؤامرة الأميركية”، وتحركت لاستكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الإدارة الأميركية في قرارها قطع الطريق بين دمشق وبغداد، عبر إعادة محاولة السيطرة على معبر التنف، بإرسال ميليشياتها لمهاجمة المعبر، بعد 48 ساعة من الضربة الجوية الأميركية، وبحسب (واشنطن بوست)، فإن إيران تحاول فرض سيطرة استراتيجية على المنطقة؛ لإقامة ممر يبدأ من لبنان وسورية مرورًا ببغداد ووصولًا إلى طهران.
إن أهمية دير الزور بكل امتداداتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية المهمة، لكل الأطراف الإقليمية والدولية، ستجعلها تحدد مصير المنطقة ومستقبله، بل الشرق الأوسط كله، كما تنبئت صحيفة (التايمز) البريطانية.
تبلغ مساحة دير الزور 33,06 ألف كيلومتر مربع، وفيها ثلاث مناطق (دير الزور، الميادين، البوكمال) و11 ناحية، و128 قرية، ويفوق عدد سكانها مليونًا ونصف المليون نسمة في عام 2011، من بينهم نحو 500 ألف، يعيشون في المدينة، منهم (75 -95) ألف نسمة يعيشون داخل الأحياء التي تسيطر عليها قوات النظام والمحاصرة من قبل تنظيم الدولة (داعش) الذي يسيطر على غالبية أراضي محافظة دير الزور، منذ منتصف تموز/ يوليو 2014، باستثناء جيب في الوسط، وقاعدة جوية قريبة تسيطر عليها قوات النظام.
تمتلك محافظة دير الزور ثروات كثيرة، في مقدمتها النفط والغاز، فعلى أراضيها أكبر مخزون للنفط الخفيف في سورية، يشكل ما نسبته 24 بالمئة من الناتج السوري من النفط والغاز، وتشير التقديرات التي أجراها مركز (فيريل) للدراسات في برلين إلى أن آبار الجزيرة لا تمثل إلا 12 بالمئة فقط من الاحتياطي السوري من الغاز، خلافًا لما هو متداول ومعروف. وأكد التقرير الصادر عن المركز نفسه أن الغاز، في منطقة الصحراء السورية، سينضب خلال 5 سنوات على أقصى تقدير، وحسب الدراسات الحديثة تبدأ آبار الجزيرة السورية بالنضوب اعتبارًا من عام 2022.
يتضح من خلال هذه الكميات المنخفضة من النفط والغاز، مقارنة بما هو موجود ومكتشف من احتياطات هائلة في سورية، أن دوافع القوى المتصارعة على دير الزور هي الاهتمام بالموقع الجيوسياسي والاستراتيجي للمدينة أكثر مما تمتلكه من نفط وغاز قريب النفاد.
[sociallocker] [/sociallocker]