فزغلياد: الولايات المتحدة الأميركية، إيران وسورية يعجِّلون بهزيمة (داعش) كلٌّ على طريقته


سمير رمان

الصورة: كونستانتينيديس/ رويتر

تحرَّكَ العالَم الشيعيُّ، فالجيش العراقي اخترق دفاعات مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين يدافعون عن المسجد في الموصل، المسجد الذي بدأت منه “الخلافة الجديدة”. وفي الوقت نفسه، وصل الحشد الشيعي العراقي إلى الحدود مع سورية؛ ليحقِّق “لقاء نهر إلبة” (التقاء الجيش الأميركي بالجيش السوفييتي، نهاية الحرب العالمية الثانية) بالتقائه مع قوات الأسد، أمَّا إيران فاستخدمت صواريخها المجنَّحة ضد (داعش) في سورية بصورةٍ استعراضيةٍ. كلُّ هذا يجري بسرعةٍ كبيرةٍ، فاجأت البنتاغون وأدخلته في حالٍ من الارتباك.

بحسب معلومات قناة (السومرية) التلفزيونية، فقد تقدَّمت القوات العراقية 150 مترًا، في عمق مدينة الموصل القديمة، مخترقةً الخطَّين الأمامييَّن من دفاعات تنظيم الدولة هناك. إلى جانب هذا التقدُّم، تمكَّنت القوات المهاجمة من القضاء على مواقع القنَّاصة ومواقع نيران الرشاشات الثقيلة، وكذلك على العديد من العربات المفخَّخة.

تتمتَّع قوات التحالف بتفوقٍ ساحقٍ على الجهاديين، سواء من حيث الأعداد البشرية أو من حيث العتاد العسكري، ومع ذلك كان التقدُّم بطيئًا للغاية. فكلُّ مقاومة كانت تُسحق بلا رحمةٍ عبر القصف المدفعي والصاروخي، المنسَّق مع المستشارين الأميركيين والأوربيين المتمركزين في قاعدة البيار (61 على بعد كم جنوب الموصل). إلى جانب هذا، لم تشغل المعارك البرية التحالف العراقي-الأميركي، واستمر التقدّمُ عبر أحياءٍ مدمَّرةٍ تقريبًا.

نتيجة هذا الهجوم، تمكنت الفرقة التاسعة، وقوات التدخل السريع، وقوات الشرطة المركزية والوحدات الخاصَّة من السيطرة على حيِّ باب سِنجار، مستكملةً تطويق المدينة القديمة من جهة الشمال. وقبل هذا، كانت سيطرة الجهاديين تمتدّ إلى عدَّة أحياءٍ على طول شاطئ النهر شمال وجنوب مسجد النوري، في حين كان ما يزال لديهم تواصلٌ مع المناطق التي تخضع بالكامل لـ “إخوتهم في الجهاد”.

من جانب آخر، كان حيَّ الشفّاع (أحد أكثر المناطق ازدحامًا في الموصل، ويمتد إلى المدينة القديمة) يعجُّ بقواتٍ عراقيةٍ كبيرة، لكنَّ التقدّم عبر الأزقّة الضيقة كان يتمّ بصعوبةٍ بالغة.

بحسب بيان وزارة الدفاع العراقية، فهي غير مهتمَّةٌ باكتساح هذه المنطقة الصغيرة حول المسجد، ولكنَّها تنوي تطوير هجومها على اتجاه شمال الموصل في عمق محافظة نينوى وعينها على مدينة تلعفر كهدفٍ آنيّ. ولا تلقى القوات العراقية مقاومة كبيرةً في الصحراء، واستطاعت الفرقة 15 التقدّم بسرعةٍ على الجناح الشرقي لتحرر خلال 72 ساعة 12 منطقة مأهولة.

بالنسبة للقوات العراقية، تعني السيطرة على تلعفر تحريرَ محافظة نينوى، وهو هدف بيروقراطي أكثر من كونه عسكريًا؛ فهي مركزٌ إداريٌّ على الخارطة على كلِّ حال. ولكنَّ بالنسبة لبغداد والبنتاغون، تمثِّل السيطرة على هذه المدينة نجاحًا إعلاميًّا باهرًا.

تذرُّع العراقيين بـ “خط الدفاع المعزَّز بالقنَّاصة والرشاشات” عند مدخل المدينة القديمة يطابق الواقع الفعلي. فقد حوَّل الجهاديون المنطقة المحيطة بمسجد النوري إلى قلعةٍ حصينة، حيث سبق لهم أن جهّزوا نقاطًا دفاعيّةً قويّة منذ فترةٍ طويلة، وأعدوا مراكز قنصٍ ومتاريس محصّنة، قد تكون ملغَّمةً بالكامل. أمَّا التكتيك المعتاد لدى التحالف الأميركي-العراقي القائم على الرماية المباشرة فإنَّه يعيق الحياة، وسيؤدي إلى تدمير المسجد نفسه؛ الأمر الذي لا تريده بغداد لأسبابٍ دعائيةٍ على الأرجح.

علينا أنْ ندرك أنَّ مقاتلي “الدولة الإسلامية”، خلال سنوات سيطرتهم على الموصل، قد قاموا بتنظيف المدينة من العناصر غير الموالية، ولكنَّ غالبية المدينة بقيت -كما كانت- سنيَّةً، وأكثر من ذلك، بقي قسمها الشرقي صوفيًّا. وبالنسبة لهؤلاء الناس سيكون تدمير المسجد مفاجأةً غير سارَّة من المحررين.

على هذه الخلفية، وفي قطَّاعٍ آخر من الجبهة، استولت الفصائل الشيعية العراقية “الحشد الشعبي” على معبر (الرطبة) الحدودي الواقع وراء الموصل قبالة معبر الوليد من الجانب السوري من الحدود مع سورية، حيث التقى الحشد الشعبي مع القوات السورية الحكومية. ومن اللافت، أنَّ أول مشاهد التآخي بين الشيعة العراقيين وجنود الحكومة السورية قد بثَّتها قناة تلفزيون العالم الإيرانية؛ ممَّا يبيّن مرةً أُخرى ارتباط المجموعات الشيعية، سواءً في العراق أو في سورية بطهران. ونشير هنا إلى أنَّ استعادة التواصل البري المباشر بين دمشق وطهران يُفرح المحليين وحدهم. من الواضح أنَّ القيادة الأميركية لم تحسب حساب تطور الأحداث على هذا النحو، بينما يتمُّ أمام ناظريها، ببطءٍ ولكن بثقة، إقامة “الممرِّ الشيعي” من إيران وحتى حدود “إسرائيل”. ومن الممكن جدًا، أنَّ يكون المطبخ الجيو-استراتيجي قد ضخَّم هذا “التهديد”، ولكن يوجد الكثير من الموظفين في البنتاغون يفكرون على هذا النحو بالتحديد.

بالإضافة إلى ذلك، لم تتوانَ إيران، وقامت بتوجيه ضربةٍ بصواريخ باليستية متوسطة المدى على قواعد “الدولة الإسلامية” في سورية. وبدقَّةٍ أكبر، وجَّه فيلق حرس الثورة الإسلامية، من قواعده الصاروخية المتمركزة في محافظة كرمنشاه وكردستان، ضربةً صاروخية إلى أهدافٍ قرب مدينة دير الزور، أي على بعد 500-700 كم. وبحسب التصريحات الرسمية جاءت الضربة ردًا على الهجمات الإرهابية في طهران في 7 حزيران، حيث قضى 18 شخصًا نحبهم، وأصيب أكثر من 50 آخرين بجراح.

إنَّها المرة الأولى التي تلجأ فيها إيران إلى استخدام الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، منذ الحرب العراقية الإيرانية أعوام 1980- 1988. وحتى في ذلك الحين، كانت الضربات قليلةً، لأنَّ كلا البلدين لم يمتلك حينئذ التكنولوجيا الضرورية، وكانت “حرب المدن” تتمُّ من خلال استخدام الطائرات في الغالب.

لم تحدّد المصادر الإيرانية أنواع الصواريخ التي استخدمتها ضد (داعش)، وإذا كانت الصواريخ ذائعة الصيت من طراز(شهاب-3)، هي التي استخدمت، فإنَّ وسائل الدفاع الجوية الأميركية لا تساوي قرشًا واحدًا، وكذلك الاستخبارات الأميركية. من المفهوم، أنَّ الأميركيين لم يكن في نيَّتهم التصدي للصواريخ الإيرانية (الطائرة المقاتلة السورية هي من كان في متناول اليد)، ولكن من غير المعقول أن تكون أنظمة الإنذار الأميركية لم تتمكن من رصد الصواريخ الإيرانية. وفي هذا الصدد، يبدو أنَّ القيادة الأميركية أصيبت بـ “كوما” جامعية، حيث لم يصدر عنها أُّيُّ تعليقٍ حول الضربة الصاروخية.

وبالمناسبة نذكِّر بأنَّ صاروخ (شهاب-3) هو النسخة المعدَّلة محليًا من الصاروخ الكوري الشمالي “هون دون” الصاروخ الذي لا يحلِّق عند الكوريين أو يحلِّق بشكلٍ سيِّء.، أمَّا عند الفرس فتحوَّل إلى نموذجٍ عال من التكنولوجيا يعمل بالوقود الصلب. وبهذا فإنَّ هناك تساؤلاتٍ حول كفاءة نظام الدفاع الأميركي في الشرق الأقصى.

عاجلًا أم آجلا ستتحطَّم مقاومة تنظيم “الدولة الإسلامية” في الموصل، وببساطةٍ، يكفي أنْ يكون السبب هو التفوق الهائل الذي تتمتَّع به قوات التحالف العراقي-الأميركي على مقاتلي “الدولة الإسلامية”. وسينقص من مشكلاتنا مشكلةٌ واحدةٌ، ولكنَّ بقية المشكلات ستبقى، وستتواصل الحرب باتجاه مناوراتٍ للسيطرة على أهدافٍ استراتيجية على الحدود السورية العراقية، وفي داخل سورية.

اسم المقالة الأصليСША, Иран и Сирия по-своему приближают военное поражение ИГИЛ
كاتب المقالةيفغيني كروتيكوف
مكان وتاريخ النشرصحيفة فزغلياد. 19 حزيران 2017
رابط المقالةhttps://www.vz.ru/world/2017/6/19/875193.html
ترجمةسمير رمان




المصدر