on
واشنطن بوست: لم يعد من الممكن تجاهل مشكلة الخوف من الإسلام في البيت الأبيض
أحمد عيشة
في لندن، كان هناك هجومٌ إرهابي آخر، نفّذه سائق شاحنةٍ في نفقٍ لمرور المشاة. وعلى الرغم من أنّ المهاجم كان يقصد، في هذه المرة، أن يكون الضحايا من المسلمين، حيث انتقى المهاجم المشحون بالكراهية -على ما يبدو- هدفَه، وأراد قتلَ المصَلّين الذين كانوا يخرجون من مسجد حديقة فينسبري، في شمال لندن، بعد صلاة التراويح في رمضان.
أدت حادثة الأحد 18 حزيران/ يونيو البشعة التي أودت بحياة شخص واحد على الأقل، وإصاباتٍ عدّة، أدّت إلى ردِّة فعلٍ مألوفة من السياسيين البريطانيين والزعماء الدينيين: الغضب، والحزن، والحداد، وإظهار التضامن. ويُقال إنّ المهاجم المزعوم -ويُدعى دارين أوسبورن، وهو رجل أبيض يبلغ من العمر 47 عامًا- قد صرَخ: “أريد أنْ أقتل المزيد من المسلمين”، قبل أن يواجهه ويضربه المارة الغاضبون؛ إلى أنْ تدخل إمام المسجد، لتجنيبه المزيد من الأذى، قبل أنْ تعتقله الشرطة.
قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي: “إنّه هجومٌ على المسلمين قرب مكان عبادتهم، ويشبه كلّ الأعمال الإرهابية، مهما كان شكلها، ويشترك معها في الهدف الأساس نفسه”. وأضافت: “إنّه تذكرةٌ لنا بأنَّ الإرهاب، والتطرف، والكراهية يتخذ أشكالًا عديدة، وإنَّ تصميمنا على التصدي لها، يجب أنْ يكون هو نفسه، أيًّا كان المسؤول”.
وذهب خصمها الرئيس، زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، إلى المسجد، وتحدث إلى المصلين الحزينين.
وقال عمدة لندن صادق خان، في مؤتمرٍ صحفي: “بينما يبدو أنّ هذا هجومٌ على جماعةٍ معينة مثل الهجمات المروعة في مانشستر، ووستمنستر، وجسر لندن، فهو أيضًا اعتداءٌ على كل قيمنا المشتركة: التسامح، والحرية، والاحترام”.
في حين أننا اعتدنا -اعتيادًا مأسويًا- على المسؤولين البريطانيين، وهم يظهرون شجاعةً في مواجهة هذه الهجمات، شهدْنا أيضًا رداتِ فعلٍ مختلفة نوعًا ما، من الرئيس ترامب؛ فبعد 24 ساعةً كاملة من الحادث، لم يعرب ترامب عن تعازيه لضحايا الهجوم، أو عن دعمه لمدينة لندن. على النقيض من ذلك، تكون رسالته المتسرعة عندما يكون المشتبه به مجموعات مثل (داعش).
في أعقاب هجومٍ سابق على جسر لندن، غرّد ترامب على الفور في (تويتر) يتحسر في “استقامة سياسية”، واستحضر الفوضى في بريطانيا، كمبررٍ لخططه المثيرة للجدل، لفرض حظر سفرٍ على مجموعة من الدول ذات الأغلبية المسلمة.
“ليس من المستغرب ألا يذكر ترامب الهجمات على المسلمين في لندن، على الرغم من كلّ ما قيل، وقد استغرق الأمر بضعة أيام حتى يثني على الرجلين اللذين طُعنا حتى الموت، في بورتلاند في ولاية أوريجون، بينما كانا يدافعان عن النساء المسلمات على متن أحد القطارات”؛ كتب زميلي فيليب بومب، وأضاف: “استغرق الأمر أسبوعًا تقريبًا ليتحدث عن إطلاق النار على رجلين هنديين، في كنساس من قبل شخصٍ، يُعتقد أنهما مسلمان”.
ترامب لديه افتراضٌ، هو أنَّ المسلمين مذنبون، بينما لا يمتلك الافتراض ذاته بالنسبة للناس البيض الذين ارتكبوا الجرائم في كنساس، وبورتلاند، ومسجد لندن”.
رأى الزعماء الأجانب الآخرون أنَّ صمت ترامب أكثر لفتًا للنظر، بما في ذلك تغريدة من رئيس وزراء كندا. ولا تنسَ أنّ ترامب، في وقتٍ مبكر من فترة ولايته، كان هادئًا تمامًا، بعد أن أطلق النارَ فاشيٌّ أبيض على مسجد في مدينة كيبيك، حيث تحدث العديد من المعلقين عن معايير ترامب المزدوجة الواضحة.
لكنّ المشكلة هي أكثر بكثير من (تويتر). كما سبق أنْ تحدثنا من قبل، يبدو أنَّ البيت الأبيض، في عهد ترامب، يعمل في بعض الأحيان على “أبخرة الإسلاموفوبيا”، فقد قامت حملة ترامب على ديماغوجيةٍ معادية للمسلمين، ومنذ ذلك الحين سعت لتنفيذ مراسيم، اعتبرها عددٌ من المحللين (وبعض المحاكم الاتحادية) تمييزيةً تجاه المسلمين، كما ضمَّتْ إدارته كبار المستشارين الذين لا يعدّون الإسلام دينًا حقيقيًا.
هذا العام، وفق التقليد السنوي الذي يمتد إلى عام 1996، وفي بعض التقديرات، إلى أكثر من قرنين من الزمان، من المرجح ألا يستضيف البيت الأبيض عشاءَ الإفطار للاحتفال بشهر رمضان.
وكتب زميلي آمي بانغ: “لم ترد حتى الآن كلمة، من إدارة الرئيس ترامب، إنْ كان البيت الابيض يعتزم استضافة مثل هذا الحدث هذا العام”. وأضاف: إنّ “وزير الخارجية، ريكس تيلرسون قال بالفعل: إنَّ وزارة الخارجية ستكسر التقاليد المتأخرة، ولن تستضيف استقبالًا رمضانيًا، كما كانت تفعل سنويًا تقريبًا في عقدين من الزمن، ولم يرد مسؤولو البيت الأبيض على الطلبات المتكررة للتعليق على الموضوع”.
غياب مثل هذا الحدث يكشف الكثير، وربما أكثر من نصائح ترامب المفترضة للعالم الإسلامي في أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية الشهر الماضي. وحتى ذلك الحين، لم يذكر ترامب ملايين المسلمين في بلده، وتجنبَ الحديث عن الإنجازات الغنية للإمبراطوريات الإسلامية، عند الإشادة بعظمة تاريخ الشرق الأوسط؛ الخلاصة التي نصل إليها -مضطرين- هي أنَّ الرئيس مستاءٌ بشدةٍ من نجاحات المسلمين.
إنّه موقف الذي لا يفعل الكثير ليوقف سُميَّة اللحظة من الطرفين. وكما لاحظ زملائي، فإنَّ الهجوم، على مسجد حديقة فينسبري بارك، يغذي نوعًا من الاستقطاب الذي يتمناه الجهاديون في “الدولة الإسلامية” تحديدًا. وأدى ذلك إلى موجة إحباطٍ من جانب الجماعات الإسلامية البريطانية التي حذّرت من تزايد الخوف من الإسلام، والتهديدات التي تتعرض لها مجتمعاتهم.
وقال الكاتب البريطاني حسين كيسفاني: “كما يخبرك أيّ مسلمٍ يقيم في بريطانيا، فإنَّ هذا الهجوم -فضلًا عن المشاعر المعادية للمسلمين التي سبقته- لم يحدثْ من فراغ، لقد خلقت سنواتٌ من العناوين المناهضة للمسلمين، في الصحف البريطانية الوضيعة، بيئةً تجرّد المجتمعاتِ من إنسانيتها تجردًا تامًّا، لدرجة أنّ المسلمين لا يمكن إلا أن يكونوا إرهابيين، أو عمال نظافة، أو متطفلين على الآخرين، أو مزيجًا من الثلاثة.
تذهب منابر اليمين المتطرف الجديد مثل بريتبارت إلى ما هو أبعد من ذلك، مشيرةً إلى أنَّ المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا هم غزاةٌ، يخططون لفرض الشريعة على الأحياء البريطانية الراقية، ويجبرون جداتنا على ارتداء البرقع”.
تحدث نظراء ترامب في بريطانيا ضدّ مثل هذا الخوف من التحريض والشيطنة. أما هو، فلم يفعل أيّ شيءٍ سوى أن يشجعه.
اسم المقال الأصلي | The White House’s Islamophobia problem can no longer be ignored |
الكاتب | إسهان ثأرور، Ishaan Tharoor |
مكان وتاريخ النشر | واشنطن بوست، The Washington Post، 20/6 |
رابط المقالة | https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/06/20/the-white-houses-islamophobia-problem-can-no-longer-be-ignored/?utm_term=.d48188f8daad |
ترجمة | أحمد عيشة |
المصدر